بعد تعليقه لسنوات، قررت الحكومة الجزائرية مجددًا البدء في استخراج الغاز الصخري لمعاضدة مجهوداتها الرامية إلى وضع حد لأزمتها الاقتصادية المتواصلة منذ صيف 2014 والمساهمة في توفير حاجيات البلاد من الغاز، إلا أن هذا القرار من شأنه أن يتسبب في أزمة اجتماعية ويعيد الحراك الشعبي إلى مدن الجنوب، في ظرف سياسي واجتماعي صعب يعيشه البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
أول عقد
أول عقد لاستغلال الغاز الصخري وقعته السلطات الجزائرية أمس الثلاثاء مع شركتي بريتش بتروليوم البريطانية وإيكينور النرويجية، حيث أعلنت شركة سوناطراك الحكومية للمحروقات في بيان لها أنها وقعت مع شركائها على هامش ملتقى مستقبل الطاقة الذي انطلق أمس، عقدًا مهمًا لاستغلال الطاقة غير التقليدية.
وأوضح البيان “العقد وُقع بين سوناطراك وبريتش بتروليوم وإيكينور (شتات أويل سابقًا)، من أجل استغلال وتطوير هذه الموارد غير التقليدية في حوض يقع بالجنوب الغربي للجزائر”، وحسب الشركة فإن العقد جاء ليجسد رغبة الأطراف الـ3 في استغلال الموارد التي كشفتها دراسة بين سوناطراك وبريتش بتروليوم أعدت سنة 2013.
يأتي توقيع هذا العقد بعد أيام قليلة من قول وزير الطاقة الجزائري مصطفى قيتوني إن مشروع قانون المحروقات المرتقب الانتهاء من صياغته في يوليو/تموز المقبل، تضمن لأول مرة بنودًا بشأن الاستثمار في الطاقة غير التقليدية (الغاز الصخري) وكذلك التنقيب عن النفط في عرض البحر.
ويعتبر الغاز الصخري نوعًا غير تقليدي من الغاز محشوًا داخل الصخور، وينتشر في الطبقات الصخرية داخل الأحواض الرسوبية، وتطلق عليه تسمية غاز “حجر الأردواز” أو “غاز الشيست” لأنه يوجد بطبقات صخرية تحمل هذا الاسم، ويتطلب استخراجه تقنيات معقدة مقارنة بالغاز الطبيعي العادي إذ يتم استخراجه عبر تقنية التكسير الهيدروليكي.
وتشير تقديرات الشركة الحكومية للمحروقات “سوناطراك” التي أجرتها بالتعاون مع شركات نفطية عالمية في 5 أحواض بالصحراء الجزائرية الكبرى، إلى أن الجزائر تحوز احتياطيات من الغاز الصخري تقدر بنحو 4.940 ترليون قدم مكعب من بينها 740 ترليون قدم مكعب يمكن استرجاعها على أساس نسبة استرجاع 15%، تتوزع في مناطق “أحنات” و”تيميمون” و”إليزي” و”بركين”، بالإضافة إلى “مويدير” في أقصى الجنوب الجزائري.
رفض شعبي
من شأن إصرار السلطات الجزائرية الحاكمة على استغلال الغاز الصخري بهذا الشكل، أن يتسبب في أزمة اجتماعية حادة في البلاد، ويعيد الحراك الشعبي إلى مدن الجنوب خاصة، فهي المعنية بالدرجة الأولى بهذا الملف.
ويعتبر هذا الملف من بين أكبر الملفات الحساسة في البلاد، حيث شكل محور احتجاج كبير بعد طرحه سابقًا في عهد الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال مطلع سنة 2015، وقوبل باحتجاجات كبيرة دامت أشهر، وشملت مختلف محافظات الجنوب الجزائري، أدت إلى تجميده.
في تلك الفترة عرفت مدينة عين صالح بالجنوب الجزائري اعتصامًا مفتوحًا لسكان المدينة استمر أكثر من 3 أشهر للمطالبة بإيقاف مشروع التنقيب عن الغاز الصخري في المدينة، وتخلل الاعتصام تضامنًا كبيرًا من الجزائريين الذين نظموا وقفات احتجاجية في معظم المحافظات الجزائرية.
تخشى السلطات الجزائرية عودة الاحتجاجات في جنوب البلاد
غير أن قوات الأمن اقتحمت ميدان الاعتصام في عين صالح وحرقت خيام المعتصمين، لتستمر بعدها الوقفات والمسيرات المناهضة للغاز الصخري في ربوع الجزائر، ويتحول مركز الاحتجاج من مدينة عين صالح إلى محافظة ورقلة (600 كيلومتر جنوب شرق العاصمة) لتشهد هذه الأخيرة أكبر مسيرة في الجنوب حضرها الآلاف من الجزائريين.
ويؤكد العديد من أهالي الجنوب الجزائري استعدادهم للتحرك مجددًا في حال تأكد عزم السلطات البدء في عملية استخراج الغاز الصخري، والوقوف ضد أي محاولة حكومية في هذا الإطار لثنيها وإجبارها على التوقف عن هذه المحاولات.
ويؤشر هذا إلى إمكانية حدوث احتجاجات مماثلة للتي شهدتها المنطقة في السابق، خاصة أن الحكومة فقدت سيطرتها في السنوات الأخيرة على جنوب البلاد، لانتشار الوعي فيه وتراجع مكانة زعماء القبائل هناك، بعد أن كانت لهم سلطة روحية قوية تستعين بها السلطات لفرض سيطرتها على المنطقة.
أسباب الرفض
يرى سكان الصحراء أنهم المتضرر الأول والأخير من مشروع استخراج الغاز الصخري، لأنهم يتخوفون من عدم قدرة حكومة بلادهم على التحكم في تقنية استخراج الغاز الصخري، ما من شأنه أن يهدد المنطقة التي يتم فيها الاستغلال، فعملية الاستخراج ترافقها تسربات يصعب التحكم فيها لعدم توفر آليات ذلك في الوقت الحاليّ لدى معظم الدول، وهو ما يفسر عدم توجه الصين وفرنسا والولايات المتحدة لاستخراج هذه المادة.
وتحتاج شركة سوناطراك إلى بنى تحتية وتجهيزات حديثة ومعارف ومهارات خاصة في حال استغلالها الغاز الصخري، وهو ما لا يتوفر لديها حاليًّا، فهي تعاني من نقص المعرفة عن الجيولوجيا المحلية خاصة ما تعلق منها بطبقات المياه الجوفية، ما يجعل عملية استخدام التكسير الهيدروليكي لاستخراج الغاز الصخري مضرة.
تتسب المعدات المستخدمة في عملية ضخ المياه داخل الطبقات الصخرية في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنسب كبيرة جدًا
كما يخشى أهالي الجنوب من نضوب الثروة المائية التي بات استخراج الغاز الصخري المهدد الأول لها، فعملية تفجير الطبقات الصخرية تحتاج من 15 إلى 20 ألف متر مكعب مياه في المرة الواحدة، وهي كمية كبيرة من شأنها أن تحدث إضرابًا في هذه المنطقة التي تعاني أصلًا نقصًا في المياه.
إلى جانب ذلك، يخشى السكان المحليون من تأثير هذا الأمر على البيئة والزراعة، بسبب المواد الكيميائية التي تستعمل عادة في استخراج الغاز الصخري، وهي المواد التي يعتقد المحتجون أنها ستمس المياه الجوفية التي يعتمدون عليها بشكل كلي في الشرب والسقي والأراضي الزراعية والواحات في المنطقة.
يتطلب إنتاج برميل واحد من النفط الصخري استخدام برميلين من المياه، ودون تطوير تكنولوجيا لمعالجة المياه، فإن المياه الناتجة عن تكرير النفط الصخري سوف تزيد من ملوحة المياه المحيطة، مما سيؤدي إلى تسمم المناطق المحلية المحيطة بها.
ومن شأن حقن كميات كبيرة من الماء المضغوط في آبار الغاز الصخري أن تؤدي إلى تغير في الوضع الطبيعي للصخور مما يزيد من احتمالية نشاطات زلزالية في المنطقة، كما تتسب المعدات المستخدمة في عملية ضخ المياه داخل الطبقات الصخرية في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنسب كبيرة جدًا، بالإضافة للمواد الكيميائية المستخدمة لكسر الرمال.
هل هو الحل الوحيد؟
تبرر السلطات الجزائرية عزمها البدء في استغلال هذه الطاقة غير التقليدية بحاجتها لرفع إنتاج الغاز لارتفاع الاستهلاك الداخلي، وفي هذا الشأن قال وزير الطاقة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي: “سنتجه نحو استغلال الغاز الصخري لأننا مجبرون للرفع من إمكانات الإنتاج، خصوصًا أن الاستهلاك الداخلي في ارتفاع مستمر وممثلو الشعب في البرلمان يطالبون بأن يتم تزويد سكان 48 ولاية بالغاز الطبيعي بنسبة 100%”.
وأضاف قيتوني في جلسة بالبرلمان أن استغلال الغاز الصخري سيتم في “إطار منظم علمًا بأن تكنولوجيات استغلاله سجلت تطورًا كبيرًا، وسنعمل في هذا الاتجاه لأنه يخدم مصلحة البلاد”، وتابع وزير الطاقة، قائلًا: “إن تمت التغطية (الغاز الطبيعي) بنسبة 100% يعني ذلك أنه يجب توفير 100 مليار متر مكعب للاستهلاك الداخلي، لذلك يجب إيجاد مصادر أخرى ومن ضمنها الغاز الصخري الذي سنعمل على استغلاله”.
كلام الوزير الجزائري يقول بعض الجزائريين إنه جانب الصواب، فالمرور من مرحلة الاستكشاف والتجارب إلى مرحلة الاستغلال والتصدير يتطلب من 10 إلى 12 سنة، وهو ما يؤكد أن استغلال هذا الغاز لن يكون إلا خلال عقد من الزمن، أي أن مشكلة النقص في الغاز الطبيعي لن تُحل في الفترة الحاليّة.
يعتبر ملف الغاز الصخري من بين أكبر الملفات الحساسة في البلاد
يمر الاقتصاد الجزائري بأزمة حادة بسبب انهيار أسعار النفط، المورد المالي الأساسي للبلاد، الأمر الذي دفع الحكومة إلى اعتماد سياسة التقشف للحد من تأثيرات هذه الأزمة التي أربكت ماليتها العامة، ودفع الهبوط الحاد في الأسعار العالمية للنفط الخام الحكومة الجزائرية لخفض الإنفاق خلال السنوات الأخيرة والبحث عن حلول أخرى منها استخراج هذه المادة.
ويرى جزائريون ضرورة الاعتماد على الطاقات الأخرى المتجددة التي لم تُستغل بعد، على غرار الطاقة الشمسية لوضع حد للنقص الحاصل في المحروقات، خاصة أن هذه الطاقات متوفرة في البلاد وغير مكلفة كما حال استغلال الغاز الصخري، وصديقة للبيئة أيضًا.
وتقول السلطات الجزائرية إن ثلث الإنتاج الوطني من الغاز الطبيعي يستهلك محليًا، مقابل ثلث يوجه للتصدير، وثلث آخر يعاد ضخه في آبار الإنتاج للحفاظ على ضغط الغاز، وتسعى الجزائر إلى مضاعفة إنتاجها من الغاز إلى 151 مليار متر مكعب في نهاية سنة 2019 لمواجهة أزمة الأسعار وتلبية الطلب المحلي الذي سيقفز إلى 50 مليار متر مكعب في 2025، بحسب شركة النفط والغاز.
الأسباب السابق ذكرها واصرار الحكومة على هذا التمشي، من شأنها أن تزيد من حدة رفض سكان الجنوب لهذا التمشي الحكومة، الأمر الذي سيجعلها في مواجهة مباشرة مع السلطات التي تسعى بدورها أن تتفادى أي شيء يهدد السلم الاجتماعي في هذه الفترة التي تسبق الانتخابات، فهل تتراجع الحكومة عن مسعاها كما حصل سابقًا؟