أجرت القوات التركية والأمريكية طوال شهر تشرين الأول/ أكتوبر دوريات مشتركة بالقرب من بلدة منبج بشمال سوريا. وقال الجنرال، جوزيف فوتيل، وقائد القيادة المركزية الأمريكية، في 21 تشرين الأول/ أكتوبر إن الدوريات ستبدأ قريبا. وفي اليوم التالي، وصل الجنرال فوتيل إلى تنف، القاعدة الأمريكية في المنطقة التي أصبحت عبارة عن قفار في جنوب سوريا والواقعة بالقرب من الأردن والعراق؛ حيث أكد على أهمية دور القاعدة في محاربة تنظيم الدولة.
في الواقع، تعد هذه الزيارة والتعليقات حول منبج رمزا للموقف الأمريكي في سوريا بشكل عام، حيث لا تزال واشنطن ملتزمة بمحاربة تنظيم الدولة. لكن، تغيرت أهداف البعثة وركزت جهودها من أجل مواجهة إيران ومحاولة التعامل مع المخاوف التركية.
قد يكون التعامل مع هذه الاستفسارات المتعددة حول ما سيحدث في سوريا صعبًا في ظل الظروف العادية. لكن، غيّرت قضية مقتل الصحفي والكاتب السابق، جمال خاشقجي، في قنصلية الرياض في إسطنبول حسابات الولايات المتحدة حول أحد أهم حلفائها في منطقة.
تجدر الإشارة إلى أنه في آب/ أغسطس الماضي، تعهدت المملكة العربية السعودية بدفع مبلغ قدره 100 مليون دولار لدعم جهود “الاستقرار” في شرق سوريا. ولبلوغ هذه الغاية، يقوم “منسقو استجابة سوريا” بتنسيق مجموعة من الجهود وذلك تحت إشراف وزارة الخارجية الأمريكية. وتسعى واشنطن على تعميق انخراطها، خاصة بعد مرور سنة على هزيمة تنظيم الدولة في عاصمة “الخلافة” الرقة.
تريد الولايات المتحدة مواجهة إيران، ويوفر شرق سوريا للجهات الأمريكية بعض النفوذ لسياسة أوسع في المنطقة.
في الأثناء، تواجه قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وشركائها من القوات السورية الديمقراطية في وادي الفرات معارك عنيفة ضد تنظيم الدولة، من أجل السيطرة على منطقة هجين. ويواجه المقاتلون الموجودون على الأرض خطر السيارات المفخخة، والعربات المدرعة، وتكتيكات تنظيم الدولة المعتادة، أي زرع العبوات البدائية الصنع في المنطقة. في الواقع، إنها معركة صعبة للغاية وتدور منذ أكثر من شهرين.
من جانب آخر، تريد الولايات المتحدة مواجهة إيران، ويوفر شرق سوريا للجهات الأمريكية بعض النفوذ لسياسة أوسع في المنطقة. ومع فرض العقوبات في الرابع من تشرين الثاني /نوفمبر، ترغب واشنطن في أن يتبنى شركائها وحلفائها نفس السياسة. وفي هذا الصدد، قال الجنرال فوتال في الرابع من تشرين الثاني /نوفمبر، إنه “على الرغم من أن الجهود الرئيسية المتعلقة بإيران دبلوماسية واقتصادية بالأساس، إلا أنه توجد مهام أخرى يقوم بها الجيش في سوريا “بشكل مواز”. كما ندعم مواجهة بعض التأثير الإيراني الخبيث، ليس فقط في سوريا، بل أيضًا في المنطقة ككل”.
في الأثناء، يبدو أن ضخ الأموال من أجل إعادة ترميم البنية التحتية، التي من شأنها أن تساعد على تحقيق الاستقرار واستمرار دور الولايات المتحدة في شرق سوريا، كان هدفاً بالنسبة للرياض وواشنطن. في آذار/مارس، أشار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب إلى أن الولايات المتحدة ستغادر سوريا “قريباً جداً”. وفي عهد مستشار الأمن القومي، جون بولتون، تبنت إدارة ترامب موقفاً جديداً قد يستلزم البقاء في سوريا إلى غاية سحب إيران قواتها من التراب السوري.
في شأن ذي صلة، صرح بولتون في القدس في آب/ أغسطس الماضي أنه على الرغم من كون هزيمة تنظيم الدولة هدفاً رئيسيا، إلا أن “تواجد الميليشيات الإيرانية والقوات النظامية” كان من أمرا مثيرا للقلق أيضا. في ظل هذا الوضع، سعت الولايات المتحدة إلى خفض التمويل الموجه لشرق سوريا وتشجيع السعودية على تقديم المزيد.
في الوقت الراهن، تدرس تركيا أفضل السبل لمتابعة قضية خاشقجي، بما في ذلك مقدار الضغط الذي يمكن أن تفرضه على الرياض وواشنطن
باختصار، تعني هذه الخطوة أنه سيتم الاستعانة بمصادر خارجية؛ أي الرياض لتمويل شرق سوريا، في حين تستعرض واشنطن بعض عضلاتها العسكرية على الأرض وتدرب قوات سوريا الديمقراطية للقيام بباقي المهام. وقد زار وزير دولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية السعودية، ثامر السبهان، شرق سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2017، وطلب ترامب من العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، دفع مبلغ يصل إلى أربعة مليار دولار لصالح شرق سوريا في كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2017.
يبدو أن كل شيء يسير على ما يرام بالنسبة لخطة ترامب في سوريا، وبالنسبة للدور الذي تلعبه الرياض في السياسة الإيرانية على نطاق واسع. لكن تواصل هذا الهدوء إلى غاية اختفاء خاشقجي. وبعد هذه الحادثة، واجه العلاقات الأمريكية- السعودية أزمة في ظل مطالبة الكونغرس بخفض مبيعات الأسلحة للرياض أو تأجيلها. وفي خضم الأزمة، نقلت المملكة العربية السعودية بهدوء مبلغ 100 مليون دولار لشرق سوريا، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
في الوقت الراهن، تدرس تركيا أفضل السبل لمتابعة قضية خاشقجي، بما في ذلك مقدار الضغط الذي يمكن أن تفرضه على الرياض وواشنطن. وقد توترت العلاقات الأمريكية التركية بشكل كبير قبل ظهور القضية. لكن، وفرت عودة القس أندرو برونسون والنداءات المتكررة بين المسؤولين رفيعي المستوى لأنقرة فرصة الضغط على واشنطن للحصول على الدعم.
في الواقع، تعد المنبج المنطقة التي تريد تركيا إرساء دوريات مشتركة فيها. وقد عارضت أنقرة علاقة الولايات المتحدة بوحدات حماية الشعب الكردية، التي هي جزء من قوات سورية الديمقراطية. وذكرت صحيفة “ديلي صباح” التركية، التي تعكس الموقف الحكومي، في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول أن وحدات حماية الشعب ستُنزع من منبج بعد إرساء الدوريات المشتركة. والجدير بالذكر أن الصحيفة أشارت إليهم باسم “إرهابيي وحدات حماية الشعب” والجناح السوري لحزب العمال الكردستاني.
في ظل هذا الوضع، وصفت وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة التدريب الأمريكي لقوات الأمن في شرق سوريا بأنه “جيش إرهابي يضم 30 ألف عنصر من حزب العمال الكردستاني”. ومن جهته قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في كانون الثاني/ يناير إن “الولايات المتحدة كانت “تعمل على بناء جيشًا من الإرهابيين””.
تستطيع الولايات المتحدة المطالبة بمزيد من الدعم للمملكة العربية السعودية مقابل تحالفها، وتطالب بتنازلات من تركيا مقابل إعفاء إيران من العقوبات الأمريكية.
من شأن إرساء الوحدات المشتركة أن يتحول إلى مأزق، نظرا لأن شركاء الولايات المتحدة في سوريا يُعتبرون أعداء تركيا في الوقت الذي تسعى فيه أنقرة وواشنطن لإرساء دوريات مشتركة. في الأثناء، تعد السعودية في خضم أزمة، كما يتم فرض عقوبات على إيران. ومن جهتها، تريد الولايات المتحدة المزيد من التمويل من قبل الرياض لشرق سوريا. وفي ظل هذه الأوضاع، تزيد كلتا المعضلتين من نفوذ تركيا والمملكة العربية السعودية على حد السواء.
مع ذلك، تستطيع الولايات المتحدة أيضاً المطالبة بمزيد من الدعم للمملكة العربية السعودية مقابل تحالفها، وتطالب بتنازلات من تركيا مقابل إعفاء إيران من العقوبات الأمريكية. وتعد هذه الفرضية ممكنة خاصة بعد أن صرح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 24 من تشرين الأول/ أكتوبر أن “أنقرة تريد الإعفاءات”.
عموما، أصبح الخروج من الحملة ضد تنظيم الدولة في شرق سوريا مع التركيز على البقاء في سوريا حتى يتم تقليل الوجود الإيراني سياسة مركزية لإدارة ترامب. في نفس الوقت، يمثّل إيجاد طريقة للقيام بذلك بدعم من الخليج، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية، مع موازنة المطالب التركية، التحدي الرئيسي للولايات المتحدة إلى غاية نهاية السنة.
المصدر: ناشيونال إنترست