ترجمة وتحرير: نون بوست
تعمل براعة التصنيع في المجالات المغناطيسية على إنتاج بطارية قادرة على التفريغ بسرعة تكفي لمساعدة طائرة على الإقلاع. تصطف النماذج الجزيئية الملونة بألوان زاهية على جدار مكتب ييت مينغ شيانغ في جامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا. وقد أمضى شيانغ، أستاذ علوم المواد وصاحب مشروع البطاريات المتسلسلة، جزءا كبيرا من حياته المهنية في دراسة كيفية التمكن من إحداث تغيير بسيط في ترتيب هذه العصي والكرات، وإضافة نتائج مختلفة جذريا في تخزين الطاقة.
لكن، اتخذ كل من تشانغ وزملاؤه نهجا مختلفا للوصول إلى هدفهم التالي، حيث لا يعملون على تغيير مكونات البطاريات، بل يقومون بتوحيد المركبات المتواجدة داخل البطارية. ومن خلال تطبيق قوى مغناطيسية لتصويب المسار الملتوي الذي تتخذه أيونات الليثيوم عبر الأقطاب الكهربائية، يعتقد العلماء أنهم قادرون على الزيادة، بشكل كبير، من معدل تفريغ الجهاز للكهرباء.
عموما، يمكن أن تؤدي هذه الكمية من الطاقة إلى فتح طرق استخدام كانت مستعصية على البطاريات، الأمر الذي يساعد على تلبية الحاجيات الضخمة من الطاقة لطائرة الركاب عند الإقلاع. وإذا كانت هذه الخطوة تعمل على النحو المأمول، سيعمل ذلك على انجاح رحلات الطيران الإقليمية التي لا تحرق الوقود أو تنتج انبعاثات تؤثر على المناخ بصفة مباشرة.
يقوم أستاذ مختص في علوم المواد بجامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا يدعى ييت مينغ شيانغ وزملائه بتطوير بطارية جديدة مصممة خصيصا للطائرات الهجينة المتطورة.
يتشارك شيانغ مع عالم في البطاريات يدعى فينكات فيسواناثان، وهو أستاذ مساعد في الهندسة الميكانيكية في جامعة كارنيغي ميلون، في مشروع البحث. وقد تشاركا في العمل مع مهندسين تابعين لشركة “إم 24 تكنولوجيز” والشركة المصنعة لبطارية الليثيوم أيون الذي يعد شيانغ أحد مؤسسيها سنة 2010، وشركة زونوم أيرو، وهي شركة ناشئة للطائرات مقرها في بوثيل بواشنطن، لتطوير واختبار بطاريات نموذجية مصممة خصيصا لتلبية احتياجات الطائرة الهجينة المتطورة.
رهانات عالية
يعد القضاء على انبعاثات الغازات الدفيئة من الطائرات أحد أصعب التحديات في مجال المناخ. وتفرز الرحلات الجوية حوالي اثنين بالمائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، وتعد واحدة من أسرع مصادر الغازات الدفيئة المسببة للتلوث. لكن، لا توجد بدائل صديقة للبيئة اليوم أكثر من هذه البطاريات الصغيرة المخصصة للسفر الجوي، لأن البطاريات التي تعمل بالطاقة الكهربائية لا تزال باهظة الثمن وثقيلة وغير ملائمة للطيران على الإطلاق.
في هذا الصدد، تعمل أكثر من 12 شركة طيران، على غرار أوبر وإيرباص وبوينغ، على استكشاف إمكانية تزويد الطائرات الصغيرة بالكهرباء، وإنشاء طائرات شبيهة بالتاكسي الجوي التي يمكن أن تغطي مسافة تمتد إلى حوالي 100 ميل (161 كلم) عندما تكون مشحونة. ويكمن الأمل في أن هذه المركبات، التي تتسع لراكب واحد أو اثنين وتظهر في معظم الحالات على أنها طائرات إقلاع وهبوط عمودي؛ أن تختصر المسافات، وتخفف من الاكتظاظ وتعمل على تخفيض الانبعاثات المتأتية من الطائرات. ومع ذلك، يمكن لهذه الطائرات أن تحل محل السيارات بالنسبة للأثرياء، لكن لن تستطيع أن تحل محل الرحلات الجوية.
يبدو انجذاب شركة ناشئة مثل “زونوم” إلى مثل هذا المشروع أمرا واضحا، فكلما كانت البطاريات أفضل في تلبية احتياجات الطائرات، كلما اتسع حجم السوق الذي يمكن للطائرات الهجينة أو الكهربائية أن تتعامل معها
يهدف كل من ييت مينغ شيانغ وشركائه إلى الوصول إلى نتائج أكثر أهمية. وتتمثل خطتهم الأولية في تطوير بطارية يمكنها تشغيل طائرة تحمل 12 شخصًا ويصل مداها إلى 400 ميل (644 كيلومتر)، وهي مسافة تكفي للقيام برحلات من سان فرانسيسكو إلى لوس أنجلوس أو من نيويورك إلى واشنطن. أما في المرحلة الثانية، يأمل كل من شيانغ وشركائه تمكين طائرة كهربائية قادرة على حمل 50 شخصاً من قطع نفس المسافة.
عموما، ستظل هذه الطائرات مجهزة بمحرك احتراق وستواصل حمل الوقود. لكن، ستكون عملية حمل الوقود الموجود على متن الطائرة بمثابة الالتزام بالقاعدة التي تعرف باسم “الاحتياطي المطلوب” للسلامة، والتي تفرضها إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية، والتي تلزم الطائرات بحمل ما يكفي من الوقود للهبوط في مطار يبعد 200 ميل (322 كيلومتر) من الوجهة المقصودة. أما خلال الرحلات العادية، لا يجب على الطائرات الاستفادة من هذا الوقود.
فينكات فيسواناثان، أستاذ مساعد في الهندسة الميكانيكية في جامعة كارنيغي ميلون.
الإقلاع
يبدو انجذاب شركة ناشئة مثل “زونوم” إلى مثل هذا المشروع أمرا واضحا، فكلما كانت البطاريات أفضل في تلبية احتياجات الطائرات، كلما اتسع حجم السوق الذي يمكن للطائرات الهجينة أو الكهربائية أن تتعامل معها. وخلال السنة الماضية، أعلنت الشركة عن خطط لتقديم خط من الطائرات “الهجينة والكهربائية” تتسع لعدد 12 مسافر سنة 2022.
عند إطلاق هذا المشروع الجديد، تعتزم الشركة تقديم طائرة هجينة مزودة بالعنفة الغازية وبطاريتين قادرة على الطيران لمسافة 700 ميل (1،127 كيلومتر)، بالإضافة إلى نسخة كهربائية بالكامل مزودة بثلاث حزم من البطاريات لا يتعدى مجال طيرانها 200 ميل. خلافا للطائرة التي يتصورها كل من شيانغ وفيسواناثان، فإن نموذج الطائرة الهجينة من شأنه أن يعتمد بشكل كبير على الوقود الموجود على متن الطائرة. لكن، من المتوقع أن تحتوي الطائرة نفسها على بنية مفتوحة تسمح للمالكين بتغيير هذه النماذج مع مرور الوقت؛ مما يمكنهم من التوجه نحو استخدام أفضل للبطاريات المطورة في المستقبل أو التحول من طائرة هجينة إلى طائرة كهربائية بالكامل.
قامت شركة “زونوم” بتأمين رأس المال من شركة بوينغ وشركة جيت بلو وصندوق الطاقة النظيفة بولاية واشنطن. وافقت جيت سويت، وهي شركة طيران للسفر بالطائرات المستأجرة تتخذ من دالاس مقراً لها، على شراء ما يصل إلى 100 طائرة. كما تعمل شركات أخرى ناشئة، بما في ذلك أفييشن كرافت ورايت إلكتريك، على تطوير طائرات كهربائية صغيرة تتناسب مع مسافات الرحلات الإقليمية.
يظهر هذا المقطع ما يحدث عندما يتم تطبيق القوى المغناطيسية على الميكرو رودس المغناطيسية الممزوجة بالمواد المكونة للقطب الكهربائي.
وفقا لمكتب إحصاءات النقل في الولايات المتحدة، نادرا ما تستخدم الطائرات في الرحلات الإقليمية، وتمثل هذه الرحلات الجوية نسبة واحد بالمائة من مجموع الرحلات التي لا تتجاوز مسافتها 500 ميل. وتتهرب شركات الطيران من الرحلات القصيرة لأن معظم وقود الطائرة يحترق أثناء الإقلاع، مما يعني أن المسافات الأطول تعد اقتصادية أكثر. ونظرا لارتفاع تكاليف ومتاعب الطيران، يختار المستهلكون إلى حد كبير السيارات أو القطارات أو الحافلات بدلا من اللجوء إلى السفر عبر الطائرة.
يعتقد الرئيس التنفيذي لشركة “زونوم”، أشيش كومار، الذي عمل في السابق في مايكروسوفت وجوجل، أن الطائرات الهجينة يمكن أن تغير هذه العادات بشكل كبير عن طريق خفض تكلفة الوقود والأسعار. وفي هذا الصدد، قال كومار: “في أغلب أنحاء العالم، يمكنك مضاعفة الأميال الجوية المحلية من خلال إقناع الناس بالتوقف عن استعمال الطريق السريع والسفر عبر الطائرة، التي غالبا ما تكون أسرع”. ومع تطور البطاريات، يمكن للطائرات الهجينة والكهربائية أن تحتل مكانا ضمن النقل الجوي. وبحلول سنة 2035، يتوقع كومار أن تتمكن الطائرات الهجينة من قطع مسافات تصل إلى 1500 ميلا (2.414 كيلومترا)، وحينها سيمثل النقل الجوي 82 بالمائة من مجموع الرحلات.
بطارية جشعة
خلال اجتماع عقد في مكتب ييت مينغ شيانغ في أوائل شهر أيلول/ سبتمبر، شدد فينكات فيسواناثان على التحديات المرتبطة بتوليد الطاقة الكهربائية في الطائرة، وذلك من خلال تقديم رسم بياني يعرض لمحة عن انتهاء شحن البطارية خلال مسار الرحلة. وفي الدقائق الأولى من الرحلة تكون البطارية ممتلئة، ثم تنخفض بشكل كبير بمجرد أن تحلق الطائرة على ارتفاع عال.
لتفريغ بطارية أيونات الليثيوم بسرعة تكفي لإقلاع الطائرة، يكفي أن تقوم بتسهيل تدفق الأيونات والإلكترونات عبر البطارية، خاصة عبر الأقطاب الكهربائية
بعبارة أخرى، يجب أن تكون البطارية قادرة على توفير كمية هائلة من الطاقة عند الإقلاع، وأن توفر طاقة كافية للقيام برحلة تمتد لمئات الأميال على الأقل. ولكن للعمل ضمن حدود فيزياء الطائرات والاقتصاد، يجب أن تكون هذه البطاريات طويلة الأمد وخفيفة قدر الإمكان. كما ينبغي أن تكون قابلة للشحن بشكل سريع، أو أن تكون على الأقل قابلة للإزالة بسهولة لتغييرها ببطارية أخرى مشحونة بين الرحلات، وهو ما تخطط شركة “زونوم” لتطبيقه.
يلاحظ فينكات فيسواناثان أنه يمكن استخدام صندوقين من حزم بطاريات من نوع تسلا، بحيث سيكون الإقلاع بمثابة قيادة سيارة سريعة، لكن الأمر سيدوم لمدة 4 دقائق عوضا عن بضعة ثواني، مما يولد درجات حرارة عالية. بناء على ذلك، قال فيسواناثان إن “البطارية ستحترق”. وفي الحقيقة، يمكن أن يتسبب ذلك في تقصير عمر حزم من البطاريات باهظة الثمن.
يُظهر هذا المقطع ما الذي يحدث عندما يتم تطبيق قوى مغناطيسية على قطرات مغناطيسية متصلة بأقطاب كهربائية.
لتفريغ بطارية أيونات الليثيوم بسرعة تكفي لإقلاع الطائرة، يكفي أن تقوم بتسهيل تدفق الأيونات والإلكترونات عبر البطارية، خاصة عبر الأقطاب الكهربائية. لذلك، يتمثل أحد الخيارات في جعل الأقطاب أنحف، لكن ستكلف أي من هذه التغييرات طاقة كبيرة. عوضا عن ذلك، يبحث العلماء الآن عن طرق جديدة لتصويب المسارات الملتوية من خلال استخدام الكربون المعبأ بإحكام، ومركبات الكوبالت، ومواد أخرى في الأقطاب الكهربائية. وكما هو الحال في العديد من الخدع السحرية، تعتمد الحيلة على المغناطيس.
في بحث نشر سنة 2016 في مجلة “نيتشر إنيرجي”، بيّن كل من ييت مينغ شيانغ والباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، جوناثان ساندر، وعدد من زملائهما الآخرين، أن خلط الجسيمات النانوية المغناطيسية في الجزيئات القطبية، بالإضافة إلى تطبيق مجال مغناطيسي خفيف، قد ساعد على إنشاء مسارات متناسقة عبر الأقطاب الكهربائية.
إلى أن يتم بالفعل صناعة وتقييم هذه البطاريات، فإن كل ما تبقى هو رؤية مدى نجاح هذا النهج بالفعل
وجدت الاختبارات اللاحقة أن قدرة تفريغ هذه الأقطاب الكهربائية، أو المعدل الذي يُمكّن الإلكترونات من الخروج من البطارية، كانت أكبر من ضعف طاقة تفريغ بطارية أيونات الليثيوم التقليدية، دون التضحية بكثافة الطاقة. وحسب ما أفاد به شيانغ، فإن “هذه الاختبارات تفتح أمامنا اتجاها جديدا تماما لما يمكن أن نتوصل إليه بفضل بطاريات الطائرات الكهربائية”.
في الوقت الراهن، يعمل الباحثون مع شركة “إم 24 تكنولوجيز”، ومقرها في كامبريدج بماساتشوستس، حيث يترأس شيانغ أيضا الفريق العلمي لتطوير واختبار بطاريات نموذجية باستخدام هذا النهج المغناطيسي. وفي حال سارت الأمور كما ينبغي، فإن شركة “زونوم” ستعمل بعد ذلك مع الباحثين لتقييم النماذج الأولية في مختبرات شركة “كوبر بيرد”، التي يتم فيها تقييم جميع أنظمة الطاقة الكهربائية على الأرض. لكن في نهاية المطاف، يمكن اختبارها في رحلات جوية بشكل فعلي.
هذه مجرد بداية
إلى أن يتم بالفعل صناعة وتقييم هذه البطاريات، فإن كل ما تبقى هو رؤية مدى نجاح هذا النهج بالفعل. وحتى في أفضل الحالات، قد تكون هذه البطاريات بعيدة جدا عن توليد طاقة كهربائية تكفي لقطع أميال من الرحلات الجوية. وفي هذا الإطار، أشار ريتشارد أندرسون، وهو مهندس في مجال الطيران والفضاء ومدير مركز أبحاث طيران إيجل التابع لجامعة إيمبري ريدل، إلى أن البطاريات تزن 20 مرة أكثر من كمية الوقود اللازمة لتوليد الطاقة.
علاوة على ذلك، يشك أندرسون في أن الشركات، التي تقوم بتتبع الطائرات الهجينة، على غرار شركة “زونوم”، يمكن أن تجد وسائل كافية لتعويض هذا الوزن الإضافي في السنوات القليلة المقبلة. كما يعتقد أندرسون أن هذا الحقل يبالغ في تقدير مدى سرعة وصول الطائرات الهجينة إلى مسافات أطول، مع التقليل من شأن التحديات التنظيمية التي ستواجهها.
يسارع الباحثون في كل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة كارنيغي إلى القول إن التحسينات الكبيرة الأخرى في البطارية ستظل مطلوبة لتوسيع نطاق الطائرات الكهربائية، الأمر الذي قد يستدعي استخدام كيمياء مختلفة تماما. فضلا عن ذلك، أفاد فينكات فيسواناثان أنه من المحتمل أن تتم إعادة تصميم الطائرات بشكل أساسي لتخفيض متطلبات الطاقة، وربما إعادة توزيع المحركات أو تغيير هيكل الطائرة لتخفيف العبء.
لكن، يعمل فيسواناثان وشيانغ على تطوير قدرات تقنية ستكون مطلوبة بغض النظر عن أي تقدم آخر. وحتى إذا وجد مهندسو البطاريات الآخرون طرقا أخرى لجعل الطائرات الكهربائية تطير لمسافة ألف ميل، فإنها ستظل بحاجة إلى طاقة كافية للإقلاع.
المصدر: تكنولوجي ريفيو