ترجمة وتحرير: نون بوست
لقد مر حوالي شهر على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول، ولم تجب الرياض على جملة من الأسئلة البسيطة المتعلقة بوفاته. واختار خاشقجي، الصحفي السعودي البارز، المنفى بملء إرادته السنة الماضية بعد أن منعته العائلة المالكة من كتابة مقالات صحفية. ولطالما انتقد خاشقجي الحكومة السعودية، كما كان يكتب لصالح صحيفة واشنطن بوست قبل أن يقتل. عند زيارته للقنصلية السعودية في 2 من تشرين الأول/ أكتوبر، كان خاشقجي ينوي الحصول على وثائق بهدف الزواج من خطيبته التركية، لكنه لم يغادر المبنى إثر ذلك.
حولت الظروف الغامضة والمقلقة المحيطة بمقتل خاشقجي هذه الحادثة إلى فضيحة دولية بالنسبة للمملكة العربية السعودية. لكن يبدو أن هذه الحادثة أخذت تفقد أهميتها، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد بات تركيز الرأي العام منصبا على العديد من الأخبار، على غرار محاولة تفجير قنابل أنبوبية ومذبحة في الكنيس اليهودي قبل الانتخابات النصفية الأمريكية لسنة 2018. ويبدو أن السعوديين يأملون أن تمحى هذه الحادثة سريعا من أذهان العالم.
من جهتها، قالت شيرين تادرس، رئيسة مكتب منظمة العفو الدولية بالأمم المتحدة في نيويورك، مؤخرا لموقع بيزنس إنسايدر إنه “في نهاية المطاف لدى السعوديين “يد دموية” في هذه الأحداث التي وقعت داخل القنصلية، لذلك لا يرغبون في إجراء تحقيقات جادة في هذه القضية”.
“لا نزال نطالب بتقديم إجابات حول هذه الحادثة ومحاسبة المسؤولين”
من جهتها، حثت المحررة في صحيفة واشنطن بوست، كارين عطية، جميع الأطراف على مواصلة الضغط للحصول على إجابات حول مقتل خاشقجي. ونشرت عطية، يوم الثلاثاء، تغريدة، ورد فيها ما يلي: “أعلم أن هناك الكثير من المستجدات في العالم التي تستأثر بالأخبار، لكن أود فقط تذكيركم بأن صديقي وكاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست، جمال خاشقجي تعرض لقتل وحشي قبل أربع أسابيع من قبل جهات فاعلة في الحكومة السعودية. لا نزال نطالب بتقديم إجابات لهذه الحادثة ومحاسبة مرتكبيها”.
ساند الرئيس دونالد ترامب السعوديين منذ بداية أزمة خاشقجي. وتجدر الإشارة إلى أن البيت الأبيض لم يستجب للطلبات المتكررة لموقع “بيزنس إنسايدر” من أجل التعليق حول هذه القضية وحول ما إذا كان ترامب قد حاول أن يتواصل مع السعوديين ويستفسر بشأن مكان وجود جثة جمال خاشقجي
في الحقيقة، إن عطية على حق، فلا زلنا إلى الآن لا نعرف الأطراف التي تقف وراء عملية قتل خاشقجي، ونجهل مكان جثته أو ما تبقى منها. وعموما، اتسم خطاب السعوديين بالمراوغة، وكانت إجاباتهم غير واضحة عندما سئلوا حول هذا الموضوع. من جانب آخر، وبالنسبة لإدارة ترامب، التي تربطها علاقة وثيقة بآل سعود، فقد تعرضت بدورها لموجة من الانتقادات بسبب عدم فرضها للمزيد من الضغوط على الرياض بخصوص هذه القضية. والجدير بالذكر أن الروايات التي قدمتها السعودية حول مقتل خاشقجي قد تغيرت، لأكثر من مرة، منذ اختفائه في 2 من تشرين الأول/أكتوبر. في البداية، ادعى السعوديون أن خاشقجي قد غادر القنصلية سليما، لكنهم لم يقدموا أي دليل على ذلك.
بعد مرور أكثر من أسبوعين، اعترفت الرياض أخيرا بمقتل خاشقجي، حيث ادعت أنه قتل عن غير قصد في خضم شجار وتشابك بالأيدي جد في السفارة، وذلك في إطار “عملية مارقة” لم يكن ولي العهد محمد بن سلمان على علم مسبق بها. لكن، يشتبه في أن يكون محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، الرأس المدبر وراء عملية القتل هذه. وفي ظل تضارب روايتهم، ظهرت تقارير تفيد بأن السعوديين حاولوا استخدام دوبلير للتغطية على جريمة القتل. وأبلغ مسؤولون سعوديون، في نهاية الأمر، وكالة أسوشيتد برس أنه تم استخدام دوبلير لخاشقجي، لكنهم قالوا إن ذلك كان جزءا من خطة لخطف خاشقجي وليس قتله.
شهدت الرواية السعودية لمقتل خاشقجي بعض التغيرات مرة أخرى، عندما استشهدت مصادر إخباري تديرها الدولة بتصريحات مدعي عام كان على دراية بالتحقيقات التركية حول مصير خاشقجي، في الوقت الذي كانت فيه الأدلة تشير إلى أن مقتله كان مدبرا. باختصار، تحول موقف الرياض من إنكار تورطها في قضية مقتل خاشقجي إلى الاعتراف بأن وفاته كان مخططا لها.
“مقتل خاشقجي كان مدبرا، لكننا لا نزال نجهل هوية الأطراف التي أمرت بذلك”
يوم الأربعاء، أفاد المدعي العام التركي، عرفان فيدان، أن التحقيق في مقتل خاشقجي أثبت أنه قد قتل خنقا بعد وقت قصير من دخوله القنصلية ليتم بعض ذلك تقطيع جثته إلى أجزاء. في الحقيقة، كان هذا أكثر وصف رسمي قٌدم حتى الآن حول ما حدث لخاشقجي. وفي وقت سابق، انتشرت العديد من التفاصيل المزعومة حول مقتل خاشقجي وذلك نتيجة تسريب المسؤولين الأتراك للعديد من المعلومات للصحافة.
https://pbs.twimg.com/amplify_video_thumb/1057650761440657408/img/AeM_sycM0GuJS1aB?format=jpg&name=small
شبكة سي إن إن: خبر حصري: أفاد رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام في إسطنبول أن الصحفي السعودي جمال خاشقجي قد وقع خنقه ثم تقطيع جثته فور دخوله إلى القنصلية السعودية في إسطنبول في وقت سابق من هذا الشهر.
في تصريح له يوم الأربعاء، طالب فيدان الرياض بالكشف عن مكان جثة خاشقجي. وفي وقت سابق، قال مسؤول سعودي مجهول الهوية، لوكالة رويترز إنه تم لف جثة خاشقجي في سجادة ومن ثم وقع تسليمها إلى بعض المتعاونين المحليين. في الواقع، لا يوجد هناك دليل يثبت ذلك، حيث أكد فيدان أنه لم يصدر أي تصريح من قبل السعوديين بشأن حقيقة وجود متعاون محلي.
في السياق ذاته، بين فيدان أن السعوديين لم يعلنوا عن هوية الشخص الذي أمر بقتل خاشقجي، كما لم يكشفوا عن أي تفاصيل بخصوص مرحلة التخطيط لتنفيذ هذه الجريمة. وفي هذا السياق، أعرب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان يوم الثلاثاء، عن خيبة أمله فيما يتعلق بحقيقة عدم كشف السعودية عن هذه الحقائق. وقد دعا الرياض إلى إماطة اللثام عن الجهة التي أمرت بتنفيذ الجريمة. وأفاد أردوغان، أنه “لا جدوى من المماطلة أو محاولة إنقاذ بعض الأشخاص المتورطين من تبعات هذا الأمر”.
يوم الأربعاء، كثف أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون من جهودهم في هذا الصدد، حيث وجهوا رسالة إلى ترامب طالبوه فيها بتعليق المفاوضات المتعلقة بإبرام اتفاقية أمريكية سعودية للاستخدامات النووية المدنية
علاوة على ذلك، طالب فيدان السعوديين بتسليم 18 شخصا متورطا في قتل خاشقجي لإسطنبول، مكررا بذلك الدعوة ذاتها التي وجهها أردوغان مؤخرا للمملكة. لكن يبدو أن السعوديين يصرون على محاولة محاكمة المشتبه بهم في إطار المحاكم المحلية. وبعد زيارة للمدعي العام السعودي، سعود المعجب، استمرت لثلاثة أيام، صرح فيدان أن اجتماعاته مع معجب بشأن مقتل خاشقجي لم تحرز أي نتائج ملموسة. وأضاف فيدان أنه “على الرغم من جهودنا الرامية لكشف الحقيقة، إلا أننا لم نتوصل إلى نتائج ملموسة عقب تلك الاجتماعات. وقد وعد السعوديون بتقديم إجابات بشأن القضية في نفس اليوم ولكنهم لم يفوا بوعدهم”.
“لم نكن نشعر بأن السعوديين يبدون اهتماما كبيرا بالتعاون معنا بشكل جدي”
يوم الأربعاء، أخبر مسؤول تركي، لم يكشف عن اسمه، وكالة فرانس برس، قائلا: “لقد بدا المسؤولون السعوديون مهتمين في البداية بمعرفة كل الأدلة، التي تملكها السلطات التركية ضد المتهمين، لكننا لم نشعر أبدا بأنهم كانوا حريصين على التعاون معنا بشكل جدي لضمان حسن سير التحقيق”. والجدير بالذكر أن السفارة السعودية في واشنطن لم ترد على الفور على طلب موقع “بيزنيس إنسايدر” للتعليق حول هذا الأمر.
ساند الرئيس دونالد ترامب السعوديين منذ بداية أزمة خاشقجي. وتجدر الإشارة إلى أن البيت الأبيض لم يستجب للطلبات المتكررة لموقع “بيزنس إنسايدر” من أجل التعليق حول هذه القضية وحول ما إذا كان ترامب قد حاول أن يتواصل مع السعوديين ويستفسر بشأن مكان وجود جثة جمال خاشقجي. في الأثناء، يبدو أن المشرعين الأمريكيين محبطون بسبب عدم إحراز أي تقدم في التحقيق، بما في ذلك الجمهوريين. وقد دعا الحزبان الإدارة الأمريكية إلى فرض عقوبات اقتصادية ضد السعودية، ووقف صفقات بيع الأسلحة مع الرياض، ولكن ترامب أظهر قدرا كبيرا من التردد فيما يتعلق بتنفيذ هذه المطالب.
يوم الأربعاء، كثف أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون من جهودهم في هذا الصدد، حيث وجهوا رسالة إلى ترامب طالبوه فيها بتعليق المفاوضات المتعلقة بإبرام اتفاقية أمريكية سعودية للاستخدامات النووية المدنية، متعللين تحديدا بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
المصدر: بيزنيس إنسايدر