ابتدعت الشعوب القديمة عادات وطقوس عديدة وآمنت بمعتقدات وظواهر مختلفة، كان من أهمها التمائم والأحجبة التي تداولتها الحضارات البابلية والمصرية واليونانية، فقد كانت تهتم بهذه الخيالات الشعبية بشكل كبير، اعتقادًا منها أنها توفر الحماية لهم وتحافظ على صحتهم وتطرد الشرور والأمراض والحسد من حياتهم.
فقد ذكر ابن خلدون في مقدمته بأنه كان للسحر في بابل ومصر وقت بعثة موسى أسواق رائجة وكان الهدف من استخدامها حماية البيوت من الطاعون، وذلك وفقًا للتمائم التي وجدت على ورق البردي والأواني والصلصال والأحجار والجلد التي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد.
الخرافات الشعبية في الأديان السماوية
استخدمت غالبية الشعوب القديمة التمائم لأغراض الحماية وطرد الشرور
على مر العقود والحضارات، تحول السحر إلى أداة اتهام بين الجماعات الدينية المختلفة، على اعتبار أن السحر انحرافًا أو شكلًا مفسدًا للدين، حيث ألصقت صفات الشرك والشر والفحش بأنشطة وشعائر الديانة التي تختلف عن خطى السلطات، وهذه الاتهامات لحقت بالمسيحيين الأوائل في المجتمع الروماني واليهود في ألمانيا والمسلمين في إفريقيا على حد سواء.
فعادةً ما يتم استخدام النصوص المقدسة والدينية في صنع هذه التمائم، لاستغلال القوة الفطرية لهذه الكلمات، فمن البديهي جدًا أن نجد في وقتنا الحاليّ أجزاءً صغيرةً من الآيات القرآنية معلقة على أبواب المنازل أو داخل السيارات أو حتى حول أعناق بعض الأشخاص ولنفس الأهداف والظنون التي ذكرناها سابقًا.
المثير للاهتمام في هذا الجانب أن استخدام النصوص القرآنية لم يقتصر فقط على المجتمعات الإسلامية، وإنما وصل أيضًا إلى المناطق الغريبة عن الدين الإسلامي مثل بعض القبائل في إفريقيا التي تعلمت هذه النصوص شفهيًا من التجار الذين كانوا يأتون من الشمال ويستخدمونها لأغراض عسكرية، فبحسب كتاب “السحر” للمؤلف أوين ديفيز فقد كُتب على إحدى التمائم التي عثر عليها، كالتالي:
تم تبادل كميات كبيرة من الذهب بين بائعي التمائم القرآنية وشعب “الأشانتي” الذي صدق وآمن بقوة النصوص القرآنية في حمايتهم وعلاجهم
“على من يريد النصر في الحرب أن يكتب ما يلي ثم يغسله في وعاء، وينبغي وضع بعض الذهب والفضة فيه، ثم يغسل الجسم به بعد ذلك، اكتب آية الكرسي اثني عشر ألف مرة، واكتب أيضًا سورة الكوثر ثلاثمئة مرة، وافعل كل هذا في سرية دون أن يطلع الناس على نواياك”.
ومن الواضح أنه تم تبادل كميات كبيرة من الذهب بين بائعي التمائم القرآنية وشعب “الأشانتي” الذي صدق وآمن بقوة النصوص القرآنية في حمايتهم وعلاجهم، مع العلم أن نصوص الكتاب المقدس المسيحي كانت تستخدم أيضًا في هذا الإطار، ففي مطلع الثمانينيات في نيجريا أثر التبشر الغربي المسيحي على أفكار السكان وأصبح الكتاب المقدس جزءًا من طقوسهم الشعبية.
“المزوزا” أكثر التمائم اليهودية شيوعا
لم تكن الديانة اليهودية استثناءً من هذه الأطباع الشعبية، إذ تعد تمائم “المزوزا” واحدة من أشهر التمائم اليهودية وأكثرها استخدامًا، وهي عبارة عن علبة من الخشب أو السيراميك أو المعدن، وبداخلها لفافة من ورق البرشمان تحوي مقطعين، حيث كتب على أحد وجهيها كلمة “شداي” وهي أحد أسماء الرب في اليهودية ومعناها القدير، وتعلق على الجانب الأيمن من عضادة الباب.
جدير بالذكر أن هذه الأدوات لم تكن حصرًا على جماعة أو طائفة دينية معينة، فكان غير المسلمين يستخدمون النصوص القرآنية، كما كان المسيحيون أيضًا في فترة القرون الوسطى وبداية العصر الحديث يستخدمون “المزوزا” وأجزاءً أخرى من التوراة لحمايتهم وعلاجهم من الأمراض.
كان غير المسلمين يستخدمون النصوص القرآنية، كما كان المسيحيون أيضًا في فترة القرون الوسطى وبداية العصر الحديث يستخدمون “المزوزا” وأجزاءً أخرى من التوراة لحمايتهم
لكن قوانين الديانة اليهودية منعت هذه المعاملات، وأجازت فقط استخدام الأحرف الأولى من كلمات وعبارات في التوراة لمداواة المرضى، وبذلك اعتمدت الثقافات المؤمنة بهذه المعتقدات أساسيات جديدة في عملية كتابة التمائم، فأصبحت تختصر العبارات وتشكلها في شكل مربعات وكلمات متناظرة، ومن أشهرها كلمة “أبراكادابرا” التي يبدأ الساحر بقراءتها وترديدها بداية من حرف الألف ووصولًا إلى إتمام الكلمة تمامًا.
كلمة “أبراكادبرا” مكتوبة على مثلث بشكل متقطع بحسب القوانين اليهودية
في هذا الجانب يجدر الإشارة إلى أن الرومان كانوا أول من استخدموا هذه التعويذة لحمايتهم من مرض الطاعون عام 1665، ثم شاع استخدامها بكثرة في أوروبا خلال القرن العشرين إلى أن تحولت إلى عبارة من عبارات المزاح والنكات.
ورغم انتشار العديد من العبارات والكلمات الشفهية والمكتوبة كتعويذات مباركة، ضمت هذه الثقافة الشعبية أدلة مادية كجزء من ممارساتها مثل حدوة الحصان والجماجم والدمى وبعض القناني ومقتنيات المنزل، إذ مثلت كل أداة رمزًا وقوة معينة في وجه الشر أو المرض أو العدو.
بحسب ما يقوله كتاب السحر فإن: “الاعتقاد بأن السحر سيختفي في نهاية المطاف لا يعد كونه مجرد أمنية”
تدفعنا هذه المعلومات إلى النظر لهذه الطقوس بعين مختلفة، فبصرف النظر عن موقفنا الشخصي والاجتماعي والديني تجاهها، إلا أننا لا نستطيع بأي حال أن ننكر تاريخها وتطور ممارساتها ولغاتها، خاصةً أن الكتب السماوية كانت مصدرًا وملجأً دافئًا لتعويذاتها وقوتها في النمو والانتشار، وبحسب ما يقوله كتاب السحر فإن: “الاعتقاد بأن السحر سيختفي في نهاية المطاف لا يعد كونه مجرد أمنية”