في الـ28 من سبتمبر الماضي التقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في نيويورك وزراء خارجية مصر والسعودية والإمارات والأردن وقطر والكويت والبحرين وسلطنة عمان، قائلاً في مستهل اللقاء الذي أجري على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة: “لدينا جميعًا مصلحة مشتركة في مجموعة واسعة من القضايا التي لها علاقة بالأمن”.
وزارة الخارجية الأمريكية عقب هذا الاجتماع أصدرت بيانًا قالت فيه إن جميع المشاركين في اللقاء كانوا متفقين على ضرورة مواجهة التهديدات التي تمثلها إيران ضد المنطقة والولايات المتحدة، وهو ما يستدعي التوحد من أجل التصدي لتحركاتها، لذا كان هذا الاجتماع.
وبعد 35 يومًا من هذا اللقاء، تنطلق في مصر، اليوم السبت، مناورات عسكرية برية وبحرية وجوية تحمل اسم “درع العرب 1” تشارك فيها 6 دول عربية من الدول الثمانية التي التقى بومبيو بوزراء خارجيتها باستثناء قطر وسلطنة عمان بجانب مراقبين من دولتي المغرب ولبنان، وهي التدريبات التي تعد الأكبر من نوعها في المنطقة، ما أعاد قضية تشكيل “الناتو العربي” للأذهان مجددًا.. فهل تصبح مناورات “درع العرب1” بروفة أولية لتدشين التحالف السني الذي نوهت له واشنطن أكثر من مرة قبل ذلك لمواجهة القوة الشيعية الإيرانية؟
“التدريبات تأتي إطار خطة التدريبات المشتركة التي تنفذها القوات المسلحة المصرية مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة، لتنمية العلاقات العسكرية ومواجهة التحديات المشتركة”.. المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية
دعم العلاقات العسكرية
هذه المناورات التي من المقرر لها أن تستمر أسبوعين من 3 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ حتى الـ16 من الشهر نفسه، بقاعدة محمد نجيب العسكرية شمالي غربي مصر، التي تم تدشينها مؤخرًا، بجانب مناطق التدريبات الجوية البحرية المشتركة بنطاق البحر المتوسط، تأتي في إطار “خطة التدريبات المشتركة التي تنفذها القوات المسلحة المصرية مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة، لتنمية العلاقات العسكرية ومواجهة التحديات المشتركة، ودعم جهود الأمن والاستقرار في المنطقة”، بحسب الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية على موقع “فيسبوك”.
المتحدث كشف أن هذه التدريبات التي تعقد لأول مرة في مصر تستهدف دعم علاقات التعاون العسكري المشترك بين مصر والدول العربية الشقيقة لبناء القدرات القتالية للقوات المسلحة وتحقيق الأهداف المشتركة.
وأشار إلى توافد القوات العربية المشاركة إلى العديد من القواعد الجوية والمنافذ البحرية المصرية حيث تشارك في التدريب عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية وقوات الدفاع الجوي والقوات الخاصة لكل من مصر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن كما تشارك كل من (المغرب ولبنان) بصفة مراقب.
تعويض غياب التحالفات
بلغ عدد التدريبات العسكرية المشتركة التي قامت بها قوات عربية منذ مطلع سنة 2018، 25 تدريبًا، وتعد مناورات “درع العرب1” التدريب الرابع من نوعه الذي تشارك فيه قوات عربية مشتركة في أقل من شهر واحد، بدءًا بمناورات تبوك 4 بين مصر والسعودية، ثم تدريبات مركز الحرب الجوي الصاروخي بين القوات الجوية الملكية السعودية ونظيرتها الإماراتية، مرورًا بمناورات جسر 19 المشتركة بين القوات البحرية السعودية وسلاح البحرية البحريني.
خبراء عسكريون ذهبوا إلى أن هناك تحركات جادة لبلورة شكل متقدم من أشكال التعاون العسكري بين مجموعة الدول العربية، وإن لم ترتق لشكل التحالف التقليدي، إلا أنها قد تعوض بصورة مؤقتة غياب القوة العربية المشتركة التي طرحت منذ ثلاث سنوات.
الصراعات المكثفة في المنطقة ومشاركة العديد من القوى النظامية وغير النظامية على خط المواجهة دفعت دول المنطقة نحو مراجعة سياستها الدفاعية، على رأسها تقوية جيوشها ورفع جاهزيتها، سواء بتأهيل العنصر البشري لديها أم دعم قدراتها التسليحية.
آخرون ذهبوا إلى أن تكثيف التدريبات بين الدول الثلاثة (مصر والسعودية والإمارات) على وجه الخصوص خلال الفترة الماضية يهدف إلى تأمين البحر الأحمر من استهداف الحوثيين لقوات التحالف المحاربة في اليمن، أو ناقلات الدول المشاركة في هذا التحالف العابرة للبحر، التي تم استهداف بعضها خلال الآونة الأخيرة.
إدارة الرئيس دونالد ترامب تمضي قدمًا “خفية” في مساع لتشكيل تحالف أمني وسياسي جديد مع دول الخليج العربية ومصر والأردن بهدف التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة
ناتو عربي
البعض ذهب في تفسيره لتلك المناورات التي تعد الأكبر في المنطقة أنها “بروفة” للناتو العربي الذي طالما أعلنت واشنطن تأسيسه مرارًا وتكرارًا، ليكون نسخة من حلف شمال الأطلسي العسكري الذي أنشئ عام 1949 بموجب معاهدة واشنطن.
وحسبما نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤولين أمريكيين وعرب فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب تمضي قدمًا “خفية” في مساع لتشكيل تحالف أمني وسياسي جديد مع دول الخليج العربية ومصر والأردن بهدف التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة.
وذكرت أربعة مصادر – بحسب الوكالة – أن البيت الأبيض يريد تعزيز التعاون مع تلك البلدان بخصوص الدفاع الصاروخي والتدريب العسكري ومكافحة الإرهاب وقضايا أخرى مثل دعم العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الإقليمية، مشيرة أن الخطة التي ترمي إلى تشكيل ما وصفه مسؤولون في البيت الأبيض والشرق الأوسط بنسخة عربية من حلف شمال الأطلسي أو “ناتو عربي” للحلفاء المسلمين السنة، من شأنها على الأرجح أن تزيد التوتر بين الولايات المتحدة والقوة الشيعية إيران، والمحتدم بالفعل بشكل متزايد منذ أن تولى الرئيس دونالد ترامب السلطة.
وردًا على هذه التحركات قال مسؤول إيراني كبير لرويترز: “الأمريكيون وحلفاؤهم الإقليميون يأججون التوتر في المنطقة بذريعة تأمين الاستقرار في الشرق الأوسط”، مضيفًا أن هذا النهج لن يسفر عن أي نتائج بخلاف توسيع الفجوات بين إيران وحلفائها الإقليمين من جانب والدول العربية المدعومة من الولايات المتحدة من جانب آخر.
توافد القوات السعودية للمشاركة في التدريبات
عقبات وتحديات
كان غياب قطر عن تلك المناورات بجانب سلطنة عمان وهما الدولتان المفترض تضمينهما داخل التحالف المزمع تدشينه، مثار تساؤل لدى الكثير من المراقبين ممن يرجحون أن هذا التحالف سيولد ميتًا حال استمرار الوضع على ما هو عليه.
مصادر عدة تحدثت عن أن هذا الحلف المزمع لن يودم كثيرًا، بسبب أزمة مجلس التعاون الخليجي المستمرة منذ أكثر من عام، والحصار الذي تقوده السعودية وجيرانها ضد دولة قطر، بل إن الكاتب دوغ باندو المساعد الخاص للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان ذهب إلى أن السعودية والإمارات ستستخدمان ذلك التحالف إذا تم تشكيله، لترهيب جيرانهما المعتدلين في الخليج.
من جهة أخرى أفادت بعض المصادر أن الإدارة الأمريكية قلقة بشأن إمكانية عرقلة هذا الخلاف الخليجي للمبادرة، بينما قال مسؤول عربي إن الرياض وأبو ظبي أكدتا لواشنطن أن الخلاف لن يمثل مشكلة أمام التحالف الجديد، وأنهما على استعداد لتدشينه على هذه الكيفية وهو ما كان مثار جدل بين المراقبين.
ومن الملفت للنظر أيضًا أن مواقف الدول المفترض تشكيلها لهذا التحالف ليست واحدة تجاه طهران حتى يمكن التعويل عليها في إنشاء كيان موحد يتصدى لطموحات إيران الإقليمية، إذ تتباين درجة العلاقات من سيئة مع ثلاث من دول هذا الحلف (السعودية والإمارات والبحرين)، وجيدة مع اثنتين (سلطنة عُمان وقطر)، ومترددة مع ثلاث أخرى (الكويت ومصر والأردن)، وهو ما يجعل من قيام التحالف بدوره المفترض مسألة لم تحسم بعد.