تتحدث أوساط فاعلة في الاحتلال الإسرائيلي أن نقطة تحول قريبة جدًا للوضع في قطاع غزة قد تؤدي لتصعيد كبير ينتهي بتوجيه ضربة قوية لحماس في قطاع غزة، وتحدثت الأوساط أن جزءًا كبيرًا من البلاد سيقع تحت تهديد الصواريخ من قطاع غزة، يعني بقدر ما سيتم توجيه ضربات لغزة بقدر ما سيتلقى الاحتلال الإسرائيلي ضربات.
ووفق موقع “كان” العبري فقد صرح نتنياهو: “حتى يتحقق هدوء ويصمد في غزة لا بد من حل المشكلة الإنسانية، وأنا مستعد لتقبل أي تدخل من أي طرف دولي في الموضوع”، ويعتبر حديث نتنياهو عن الأزمة الإنسانية في غزة اقتراب لحل سياسي في الأفق.
كانت غزة على وشك الخطوات النهائية في الأسابيع الأخيرة التي شملت دخول 3 وفود من المخابرات المصرية إلى قطاع غزة عبر معبر إيرز برئاسة اللواء أحمد عبد الخالق مسؤول الملف الفلسطيني في جهاز المخابرات المصرية، والتقى الوفد الأخير برئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، ورئيس مكتب حماس السياسي في غزة يحيى السنوار الذي امتنع عن الاجتماع بالمصريين سابقًا بعد مماطلتهم في تقديم التسهيلات لغزة.
الوفد الأخير بحث مع حماس تحسين الوضع الاقتصادي في غزة، والبدء بمشاريع دولية اقتصادية، وأصرت حماس على المصريين بضرورة تسريع إدخال المنحة القطرية لموظفي غزة بقيمة 15 مليون دولار شهريًا، إضافة لمنحة محطة الكهرباء بقيمة 10 ملايين دولار من قطر مع حل مشكلة الكهرباء تدريجيًا وبشكل كامل خلال عامين، لكن النقطة التي دار بشأنها نقاش حاد هي إنشاء ممر مائي بإشراف مشترك بين الاحتلال الإسرائيلي ومصر.
وبخصوص تجاوز الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يسعى لفرض سيطرته على قطاع غزة خوفًا من إنشاء كيان سياسي منفصل تمامًا عن الضفة، مع رفضه لتسهيلات حياتية لسكان القطاع في تناقض واضح، تعتقد حماس أنه لا يمكن تجاوز عقوبات عباس لكن يمكن تخفيف حدة تأثيرها من خلال بدائل، أهمها التعامل مع “إسرائيل” من خلال الوسيط المصري، والتعامل مع المصريين مباشرة لجلب الأموال الدولية عن طريق مصر وبموافقة الاحتلال الإسرائيلي.
وقد تحدثت الأمم المتحدة عن آليات جديدة لإدخال المشاريع لغزة بعيدًا عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس نظرًا لتفاقم الأوضاع الاقتصادية سوءًا، أما الرئيس محمود عباس فقد هدد في اجتماع المجلس المركزي الأخير الذي عقد في رام الله مساء 29 من أكتوبر/تشرين الأول قائلًا: “آن الأوان لتنفيذ قرارات المجلس الوطني والمركزي السابقة بخصوص العلاقة مع “إسرائيل” وأمريكا وحماس”، في إشارة إلى مراجعة الاتفاقات السياسية مع الاحتلال وإلى إجراءات جديدة ضد حركة حماس في غزة.
الجهاد تبادر بالتصعيد
ما إن انتهى اللقاء مع المصريين وغادر الوفد المصري حتى سارعت حركة الجهاد الإسلامي بإطلاق عدة صواريخ على تجمع مستوطنات غلاف غزة، وأصاب أحدها بيتًا إسرائيليًا، وصعَّد الاعلام الإسرائيلي مطالبًا نتنياهو بالرد.
وفي الوقت الذي اتهم فيه عضو القيادة السياسية لحماس محمود الزهار من أطلق الصواريخ أنهم عملاء إسرائيليون أو سلطة رام الله، وأيده في الرأي حسام بدران مسؤول ملف العلاقات الوطنية في المكتب السياسي لحماس، فإن “الجهاد الإسلامي” تبنت عملية إطلاق الصواريخ ببيان رسمي تحت اسم عملية “ثأر تشرين”.
ورغم أن بيان سرايا القدس المقتضب برر عملية إطلاق الصواريخ بسبب التغول الإسرائيلي ضد الفلسطينيين المتظاهرين، فإن السبب الحقيقي وراء إطلاق الصواريخ وفق مصدر مطلع هو استثناء حركة الجهاد الإسلامي من اللقاءات بين حماس والمصريين، وقد ردت الجهاد الإسلامي كرسالة إلى المصريين أنها إحدى القوى العسكرية الفاعلة في غزة التي لا تخضع لسيطرة حماس، وعليهم التفاوض معها وإشراكها في المشهد السياسي التي تعتبر جزءًا من فاعله العسكري.
ونفى الأمين العام للجهاد الإسلامي الاتهامات السابقة، مشددًا على أن حركته لا تنافس حماس في التفاوض مع المصريين بشأن التهدئة، وأن الجهاد وحماس تتكاملان في هذا الأمر وعلى تشاور مستمر، مضيفًا: “حماس هي من تتحمل مسؤولية غزة، ومن الطبيعي أن تتابع ما يجري من مفاوضات تتعلق بالقطاع، والجهاد ملتزمة كباقي الفصائل بالرد على جرائم الاحتلال واستهدافه المتكرر لمسيرات العودة وقتل المدنيين”.
الجماهير تطالب بالرد
وقد صعد الاحتلال من عملياته تجاه غزة ليقتل 3 أطفال فلسطينيين على الحدود الشرقية لوسط قطاع غزة، ما أثار غضب الجماهير الفلسطينية التي خرجت بعد عملية الاغتيال أمس الأحد 28 من أكتوبر/تشرين الأول في مسيرات غاضبة من مناطق مختلفة من غزة تطالب المقاومة بالرد.
رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية قال عقب تشييع جثامين الأطفال الـ3: “المقاومة الفلسطينية لا تتلقى إملاءات خارجية من أحد، وستواصل الجماهير مسيرات العودة حتى رفع الحصار”، في حين علقت الجهاد الإسلامي التي أطلقت الصواريخ قبل يومين أن حق الرد مكفول، والمقاومة تقدر متى يكون الرد.
وحسب مصدر مطلع تسير حركة فتح في غزة مسيرات جديدة مساء الإثنين 29 من أكتوبر/تشرين الأول تطالب المقاومة بالرد، ويمكن وصف الوضع في غزة أنه على صفيح ساخن مرشح للانفجار في أي لحظة، وفي الوقت الذي تطالب فيه الجماهير الفلسطينية الفصائل بالرد على جريمة الأطفال، توصل المقاومة رسالة للمجتمع الدولي أن الأمور قد وصلت لطريق مسدود تمامًا.
دوافع غزة للحرب والتهدئة
لا يبدو أن الفصائل الفلسطينية تتجه للتصعيد لرغبتها فيه، لكن انغلاق أفق الحل السياسي تمامًا ووضع فيتو إسرائيلي على أي حل لغزة قد يسرع عملية التصعيد، كذلك لا يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي بقيادة أركان جيشه الجديد أفيف كوخافي معنيًا بالتصعيد في الوقت الحاليّ، لأن تكلفة التصعيد ستكون كبيرة على المستوى السياسي والقانوني.
يمكن القول إن دوافع غزة للتهدئة أكبر من الحرب إذا وجد مدخل جديد للحل السياسي للأزمة بعيدًا عن صوت الرصاص، كما أن حماس والفصائل الفلسطينية تستمر في حشد الجماهير باتجاه الحدود كخيار أقل تكلفة من الحرب.
وقد ينعكس الحراك الجماهيري الأخير بتقاطعه مع الأوضاع الاقتصادية بالغة الصعوبة في غزة اضطرار المقاومة الفلسطينية بفصائلها التوجه للحرب كخيار لا يرغب به جميع الأطراف في حال بقي الاحتلال الإسرائيلي الطرف المعطل لأي تهدئة، في حين يخشى الاحتلال الإسرائيلي منح غزة أي امتيازات تحسن الوضع الاقتصادي دون القضاء على منظومة السلاح لدى حماس، ما يراكم قوتها ويمّكن حكمها في غزة على حساب أمن مستوطنات الغلاف.
المشهد الدموي المتكرر وجنازات تشييع الشهداء اليومية في غزة يعكس حالة اليأس التي وصل لها أهل القطاع، وهو ما يبرر خروج الجماهير بكل عفوية مطالبة الفصائل بالرد والتصعيد، لكن حماس تتعامل بعقلانية جديدة وتمنح الوسطاء فرصة جديدة سواء المصريين أم المجتمع الدولي، وهي تعلم أن المستفيد الأكبر من الحرب في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة هو الاحتلال الإسرائيلي.