تعيش “إسرائيل” في أجمل وأزهى عصورها منذ أكثر من 40 عامًا، بعد أن فتح رؤساء الدول العربية والإسلامية أذرعهم عالية لاستقبال قادتها بحرارة وضحكات عالية داخل عواصمهم، فيما يستعد قادة عرب آخرون لتجهيز النشيد العبري وإقامة الحفلات الفاخرة لإعادة كتابة التاريخ مع عدو الأمس وصديق اليوم بل الحليف، “إسرائيل“.
“العصر الذهبي” كان هذا الوصف الذي أطلقه المسؤولون الإسرائيليون، على الفترة الذهبية التي تعيشها بلادهم في ظل التقارب العربي غير المسبوق معها، ولهث معظم الدول العربية والإسلامية على رأسها “السعودية والإمارات والبحرين وقطر وعُمان”، لفتح صفحة بيضاء جديدة مع “إسرائيل” رغم جرائمها.
المنامة ستكون العاصمة العربية الثانية لنتنياهو في غضون شهر واحد، التي يزورها في حدث تاريخي لم يسبق أن حصل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي
الزيارة التاريخية والمفاجئة التي أجراها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لسلطنة عُمان الخميس قبل الماضي 22 من أكتوبر، والاستقبال الحار الذي تلقاه من السلطان قابوس بن سعيد، أثار موجه عالية من الغضب الشعبي الفلسطيني والعربي وكذلك الإسلامي، لكنه حظي سرًا وعلانية بدعم وتأييد من المستوى السياسي وصناع القرار في الدول العربية واعتبروه خطوة كبيرة نحو “التطبيع العلني“.
زيارة المسؤولين الإسرائيليين وعلى رأسهم نتنياهو، لسلطنة عُمان لن تكون الأولى ولا الأخيرة في تاريخ العلاقات الإسرائيلية العربية العلنية، فكشفت مصادر رفيعة المستوى في السلطة الفلسطينية لـ”نون بوست”، أن هذه الزيارة ما هي إلا البداية لمرحلة جديدة ستكون فيها “إسرائيل” الحليف والصديق معًا للدول العربية والإسلامية.
مرحلة عنوانها “إسرائيل“
أكدت أن الأجواء “الإيجابية” التي تلقاها نتنياهو خلال زيارته للسلطنة، وإعلان الدول العربية ترحيبها بالزيارة ودعمها لفتح علاقات جديدة مع “إسرائيل”، جشع رئيس حكومة الاحتلال على وضع دول عربية وإسلامية جديدة ضمن جدول زيارته المقبل للمنطقة.
وبحسب مصادر إعلامية إسرائيلية، فإن نتنياهو برفقة وفد أمني وسياسي إسرائيلي رفيع المستوى، سيزور خلال الـ15 يومًا المقبلة مملكة البحرين، وسيلتقي في المنامة بملكها حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، وسيبحث معه تطورات الأوضاع في المنطقة، وتوطيد العلاقات الثنائية وتطويرها في المرحلة المقبلة.
والمنامة ستكون العاصمة العربية الثانية لنتنياهو في غضون شهر واحد، التي يزورها في حدث تاريخي لم يسبق أن حصل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. وتشير المصادر الفلسطينية إلى أن العاصمة الثالثة على جدول أعمال رئيس الحكومة الإسرائيلية، للمنطقة الخليجية ستكون “أبوظبي”، مؤكدةً أن نتنياهو حصل قبل أيام قليلة على الموافقة الكاملة من حاكم دولة الإمارات العربية المتحدة لزيارة دولته وأنه “مُرحب به”.
وفد إسرائيلي رفيع المستوى سيتوجه إلى السعودية خلال الفترة المقبلة، للتباحث في تطور العلاقات بين الطرفين، وإضافة للحديث عن إمكانية استضافة نتنياهو على الأراضي السعودية
وتحدثت كذلك أن نتنياهو يطمع في زيارة الرياض لتكون العاصمة الرابعة في جولته للدول العربية، ولكن بسبب الظروف الحاصلة في الرياض على خلفية تداعيات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل السفارة السعودية بالرياض والغضب الدولي والعربي، قد يتم تأجيل الزيارة لوقت لاحق.
وأوضحت ذات المصادر أن وفدًا إسرائيليًا رفيع المستوى سيتوجه إلى السعودية خلال الفترة المقبلة، للتباحث في تطور العلاقات بين الطرفين، وإضافة للحديث عن إمكانية استضافة نتنياهو على الأراضي السعودية، في خطوة قد تكون مفاجئة للجميع وتكشف وجه السعودية الحقيقي في علاقاتها مع دولة الاحتلال.
جانب من زيارة نتنياهو لسلطنة عُمان
إلى ذلك، توقعت مصادر فلسطينية مسؤولة، أن يسبق زيارة نتنياهو للرياض توجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية، والتجهيز لمؤتمر دولي كبير يخص عملية السلام قد يكون نتنياهو مدعوًا له، وبذلك تكون السعودية قطعت شوطًا كبيرًا في تاريخ علاقتها مع “إسرائيل“.
أثارت المواقف العربية في تقربها من “إسرائيل”، مخاوف لدى الفلسطينيين مما وصفه المسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية محمد أشتيه بـ”بدء التطبيع العلني ونهاية مبادرة السلام العربية” التي ولدت عام 2002
الجدير ذكره أن العلاقات السعودية الإسرائيلية على وجه الخصوص تشهد تطورًا كبيرًا وملحوظًا خلال الفترة الأخيرة، بدأ بلقاءات سرية بين الطرفين، وصولًا لتعزيز العلاقات العسكرية والتجارية والثقافية.
وبشكل عام، شهدت الأيام الأخيرة تطور لافت في العلاقات الإسرائيلية العربية، فقد أثارت زيارة نتنياهو لسلطنة عُمان ولقاؤه الحافل والعلني بالسلطان قابوس، إضافة لاستضافة دولة الإمارات وزيرة الرياضة الإسرائيلية، وتطور العلاقات بين السعودية و”إسرائيل” سياسيًا وعسكريًا، مؤخرًا، عاصفة شديدة من الغضب الفلسطيني والعربي، وسط اتهامات للدول العربية بالتطبيع مع “إسرائيل” بشكل علني، والانحياز للاحتلال رغم جرائمه اليومية التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني.
وأثارت المواقف العربية في تقربها من “إسرائيل”، مخاوف لدى الفلسطينيين مما وصفه المسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية محمد أشتيه بـ”بدء التطبيع العلني ونهاية مبادرة السلام العربية” التي ولدت عام 2002.
صناعة التاريخ الأسود
وتعقيبًا على هذه التطورات، أكد النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة، أن الدول العربية بدأت بصناعة تاريخ أسود لها من دولة الاحتلال الإسرائيلي، واتهم الدول العربية “المطبعة” بأنها تسعى لعلاقات قوية ومميزة مع “إسرائيل” رغم كل الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، معتبرًا هذه الخطوة “خيانة عربية لا يمكن للفلسطينيين أن يقبلوا بها”.
يعتقد أن التطبيع العلني، بداية لتغير إستراتيجي من بعض الدول العربية في التعاطي مع “إسرائيل” والتعامل معها.
ولفت خريشة إلى أن الدول العربية “باتت تعتبر دولة الاحتلال حليفًا في المنطقة لا عدوًا، ومن ثم فإقامة علاقات أمنية وسياسية وعسكرية وتجارية وثقافية معها أمر ضروري وملح في هذه الفترة الذهبية بالنسبة لهم، التي تعتبر بالنسبة للفلسطينيين نكبة جديدة“.
ودعا النائب في المجلس التشريعي، الدول العربية إلى دعم الفلسطينيين وقضيتهم، وعدم تقديم أطواق النجاة والدعم لدولة الاحتلال، من خلال أبواب التطبيع والعلاقات الثنائية، مؤكدًا أن ذلك يضر بالقضية ويلمع وجه الاحتلال الدموي.
يقول الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم، إن التطبيع العلني وجه “الضربة الكبيرة” لمبادرة السلام العربية التي كانت تشترط أن تكون العلاقات بين “إسرائيل” والدول العربية نتيجة منطقية لإحلال سلام عادل قائم على أساس الشرعية الدولية وبما يضمن قيام دولة فلسطينية على حدود الـ4 من حزيران، إضافة لحل متفق عليه لقضية عودة اللاجئين“. ويعتقد أن التطبيع العلني، بداية لتغير إستراتيجي من بعض الدول العربية في التعاطي مع “إسرائيل” والتعامل معها.
وفيما يتعلق بالهدف من التطبيع العلني مع “إسرائيل” يرى سويلم أن الهدف المعلن، وغير المرأى لم يعد مخفيًا، بالإشارة للمؤتمر الذي يعد له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مطلع العام القادم بحضور 6 دول خليجية بالإضافة لمصر والأردن، ويضيف: “يراد لمؤتمر ترامب، أن يكون بديلًا عن المؤتمر الدولي الذي تسعى له منظمة التحرير الفلسطينية بحضور دول عالمية تمثل الشرعية الدولية إلى مؤتمر تحضره دول عربية فقط، بحضور “إسرائيل”.
ويؤكد سويلم أنه رغم محاولات الإدارة الأمريكية الالتفافية للمؤتمر الدولي لصالح الحل الإقليمي، فإن منظمة التحرير هي من تقرر فيما إذا كان المؤتمر يكتب له النجاح أم لا، معتقدًا أن المنظمة لا تريد قيام مؤتمر إقليمي يستبدل عن المؤتمر الدولي.
وفيما يتعلق بتوقيت التطبيع العلني خاصة لسلطنة عُمان التي كانت دومًا على الحياد، يرى الكاتب والمحلل السياسي أن سلطنة عمان لا تتدخل إلا في القضايا الحساسة وفي اللحظات الحساسة أيضًا، معتقدًا أن تدخلها كان على هذه القاعدة؛ لأنها دبلوماسية الوضع الحساس أو الخطير.
ويعتقد سويلم أن تدخل عُمان، جاء بناءً على طلب من الولايات المتحدة قائلًا: “الولايات المتحدة أوحت لها أن تتدخل في اللحظات الأخيرة، لأن القيادة الفلسطينية لم توافق على العودة لأي صيغة مفاوضات دون توفر شروط العودة”، واستدرك قائلًا: “على الرغم مما حصل من تطبيع علني، فإن المفاوضات لن تعقد أبدًا مع الجانب الإسرائيلي قبل تحقيق شروط المنظمة”. ويضيف: “لو أن الوضع الفلسطيني متماسكًا وموحدًا، لما تجرأ أحد على خطوة التطبيع العلني، معتقدًا أن مسألة إنهاء الانقسام بأيدينا وليس بيد العرب”.
بدوره قال محمد مصلح الخبير في الشأن الإسرائيلي إن “الدول العربية تجاوزت فعليًا مرحلة التطبيع وبدأت بمرحلة أكثر خطورة تتمثل بإنشاء تحالفات أمنية وإستراتيجية واقتصادية مع “إسرائيل”، وهذا بالنسبة لدولة الاحتلال انتصار كبير قد تحقق في اختراق كل الدولة العربية برضا وقبول زعمائها“.
ويلفت مصلح النظر إلى أن هذا التطور المخيف في علاقات الدول العربية والإسلامية بـ”إسرائيل” يشكل ضربة قوية وموجعة للقضية الفلسطينية، ويكشف كذلك زيف الدول العربية، وعلى رأسها السعودية التي تتغنى بالقضية الفلسطينية وتتحدث عن الدعم وتقديم المساعدات للفلسطينيين.
تحرص “إسرائيل” بشكل دائم على إخفاء أسماء الدول العربية التي تُقيم علاقات سياسية واقتصادية أو أمنيّة معها؛ خوفًا من المواقف الشعبية والرسمية الرافضة للاحتلال
ويضيف الخبير في الشأن الإسرائيلي “إسرائيل لم تبق عدوًا للكثير من الدول العربية، بل باتت حليفًا مهمًا في المنطقة، وهي ضمن مخطط “الشرق الأوسط” الجديد الذي ستكشف عن ملامحه “صفقة القرن” التي شارفت على الانتهاء وسيتم طرحها خلال شهور قريبة، وتعتمد على تهميش القضية الفلسطينية بعيدًا عن حل الدولتين واللاجئين، وتوطيد العلاقات العربية والخليجية بـ”إسرائيل“.
وفي الوقت الذي يتغنى فيه نتنياهو بـ”تطور علاقات بلاده مع الدول العربية المعتدلة”، ويصفها بأنها “مهمة ومتطورة جدًا”، اعتبر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي مكافأة للاحتلال على احتلاله للقدس ومساهمة في تنفيذ “صفقة القرن“، ورفض الاتحاد، التطبيع الأخير مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في ظل احتلالها لفلسطين، داعيًا الأمة الإسلامية وقادتها إلى الوقوف مع قضاياها الكبرى وعدم التفريط في القدس والأراضي المحتلة.
ورسميًا ترتبط “إسرائيل” بعلاقات دبلوماسية فقط مع الأردن ومصر، لكن الفترة الأخيرة شهدت تقاربًا غير مسبوق من جهة السعودية والإمارات والبحرين الذين يسيرون في طريق التطبيع العلني مع الاحتلال. وتحرص “إسرائيل” بشكل دائم على إخفاء أسماء الدول العربية التي تُقيم علاقات سياسية واقتصادية أو أمنيّة معها؛ خوفًا من المواقف الشعبية والرسمية الرافضة للاحتلال.