منذ انسحاب حركة النهضة من دكة الحكم و فتح المجال أمام التوافق والحوار الوطني, انقشعت سحب الخلافات السياسية و التوترات الأمنية في تونس و ضربت حكومة مهدي جمعة بيد من حديد أمام كل من سولت له نفسه المساس من الأمن القومي للبلاد, و استعرض الناطق باسم رئاسة الحكومة في كل مرة خلال الندوات الصحفية إنجازاتها في التصدي لعمليات الارهاب و التهريب على المعابر الحدودية. و في مطلع شهر فبراير و تزامنا مع ذكرى اغتيال شكري بلعيد قامت الداخلية بتصفية الخلية الارهابية المتورطة في العملية و القبض على خلية أخرى تورطت في اغتيال محمد البراهمي, و ساد جو من الأمن و الأمان و الاستقرار خاصة مع انشغال الأحزاب و الحركات بالتجهيز للرهان الانتخابي.
الرهان الانتخابي و العدالة الانتقالية, قد تكون أبرز المهام الموكلة إلى حكومة المهدي جمعة و في نفس الوقت المعادلة الصعبة التي توتر التوافق السياسي من حين لآخر.
فبمجرد أن دعت بعض الأحزاب إلى مناقشة الفصل الخامس عشر من القانون الانتخابي و الذي وصف بقانون العزل السياسي, اندلعت عمليات ارهابية باكثر من منطقة في الجمهورية كما عادت الالغام لتنفجر من جديد بسفح جبل الشعانبي غرب البلاد. لتعلن حركة النهضة الحزب الاكبر تمثيلا داخل التأسيسي و على لسان أكثر من قيادي أن البلاد لا تحتمل المزيد من التوترات السياسية و أن لا فائدة من تمرير هذا القانون حيث أن الشعب قادر على عزل من يشاء عن طريق صناديق الاقتراع.
هذا الموقف اعتبره البعض تنازل اضافيا يحسب لحزب الغنوشي حفاظا على المصالحة الوطنية، الا أن البعض الآخر رأى أن عدم توقف تنازلات النهضة يزيد في جرأة أزلام النظام القديم و يجعلهم لا يترددون في رفع سقف مطالبهم.
اليوم محور جديد يطرح للنقاش وهو الأكثر حساسية حسب أغلب المحللين، فالقضية تتعلق بملف المحاسبة بصفة عامة و قضية شهداء و جرحى الثورة بالتحديد، محامي هؤلاء شرف الدين القليل و بعد ان فشل رفقة زملاءه على امتداد ثلاثة سنوات في مجابهة القضاء العسكري التونسي بادلة دامغة او ملفات تدين رؤوس النظام السابق و المتورطين من القادة الأمنيين، توجه باللوم لراشد الغنوشي و لم يتردد في الحديث عن صفقة سياسية حصرها في شخص رئيس حركة النهضة، و اتهمه بالمتاجرة بدماء شهداء و جرحى الثورة.
الأحكام الهزيلة التي لم تتجاوز ثلاثة سنوات قضاها المتهمون أساسا و التي أصدرتها محكمة الاستئناف العسكرية،
و تصريح القليل، الذي لم يملك شجاعة توجيه نفس الاتهام لكافة الطبقة السياسية، استفزت أغلب القوى و الأحزاب “الثورية” فصدرت من حزب المؤتمر و حركة وفاء و النهضة و غيرهم بيانات ادانة و استنكار لهذه الأحكام، و لكن هل تتدارك محكمة التعقيب هذه المهزلة كما أشار عليها رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي اثر لقائه مع وزير الدفاع، “فيما يعتبر تدخل صارخ و معلن بين السلطات في النظام الجمهوري”، أم سنطوي هذه الصفحة أيضا في إطار التسوية السياسية و الخوف من ماكينة بن علي الارهابية و السعي المتواصل للوصول الى انتخابات لم يحدد تاريخها بعد و باتت غامضة أكثر من أي وقت مضى ؟؟