ترجمة حفصة جودة
عندما تكون أداتك الوحيدة هي المطرقة، سترى كل مشكلة كأنها مسمار، هذا القول يناسب الطب تمامًا، حيث يعالج الأطباء كل الأمراض – من الاكتئاب وحتى ارتفاع ضغط الدم – باستخدام أقراص الدواء، وإذا وصف لك الطبيب أي شيء آخر غير قرص الدواء فسوف تعتقد أنه دجال، لكن الوضع سيتغير قريبًا فهناك تغيرات جذرية في الطب وأحد هذه الطرق الجديدة: العلاج بالكهرباء.
لماذا الكهرباء؟
إن كل ما نقوم به من المشي وحتى الأحلام يتم تنظيمه والتحكم به من خلال إشارات كهربائية، هذه النبضات الصغيرة تمر خلال جهازك العصبي لتنقل المعلومات وتسمح باتخاذ القرارات المعقدة، يقع مركز هذا النشاط الكهربائي في الدماغ ومن هناك تتفرع الأعصاب إلى جميع أنحاء الجسم.
تظهر أهمية تلك الإشارات الكهربائية من خلال التأثير الذي يظهر عند إصابة أي جزء في الجهاز العصبي ويؤدي غالبًا إلى شلل لا علاج له، وأشهر أنواع هذه الإصابات هي إصابة الحبل الشوكي، توثر إصابة الحبل الشوكي على نحو 2.5 مليون شخص في العالم بمعدل 130 ألف حالة جديدة كل عام.
إذا تمكنا من العثور على طريقة لقراءة وكتابة تلك الإشارات الكهربائية، بمعنى آخر فهم لغة الجهاز العصبي، فسوف يصبح لدينا وسيط رقمي للجسم، وحينها سيصبح من الممكن زرع جهاز يتمكن من سد الفجوة التي خلفتها إصابة الحبل الشوكي.
ما زال لدينا عدد قليل من الأجهزة المتاحة للاستخدام التجاري التي تتفاعل مع الجهاز العصبي
ولن يستفيد فقط من تلك التكنولوجيا هؤلاء المصابون بالحبل الشوكي، حيث سنتمكن من توجيه البنكرياس لإنتاج المزيد من الإنسولين، أو رفع وخفض ضربات القلب دون الحاجة لاستخدام أقراص الدواء، في المجمل، سنتمكن من التحكم في جسد الإنسان.
الضفادع الراقصة
كان لوجي جالفاني من أوائل العلماء الذين أدركوا أن الكهرباء قد يكون لها دور في التشغيل الطبيعي للحياة، فقط اكتشف ذلك عام 1791 عندما أجرى تجارب على الضفادع وجعل أرجلها تهتز بشدة باستخدام الكهرباء، بعد قرن من تلك التجربة ظهرت فكرة جهاز تنظيم ضربات القلب الاصطناعي لأول مرة.
تعد الكهرباء الحيوية أحد مجالات الأبحاث النشطة، ومع ذلك فبعد قرنين من تجربة جالفاني ما زال لدينا عدد قليل من الأجهزة المتاحة للاستخدام التجاري التي تتفاعل مع الجهاز العصبي، أشهر هذه الأجهزة هو جهاز تنظيم ضربات القلب الذي استُخدم لأول مرة عام 1958 وقد عاش المريض حياة أطول من الجراح الذي أجرى العملية والمهندس الذي اخترع الجهاز.
يتجه هدف الأجهزة الجديدة للعصب الحائر، ذلك العصب الذي يسير على جانبي العنق ويتصل بالعديد من الأعضاء، ومن المرجح أن تتمكن الأجهزة التي تنشطه من معالجة أمراض واسعة النطاق مثل التهاب المفاصل الروماتيدي وإدماع الكحول.
ساعد هذا الجهاز 40% من المرضى الذين يستخدمونه على تقليل عدد النوبات إلى النصف
أحد قصص النجاح الرئيسية كانت لجهاز علاج الصرع المقاوم للدواء، صنع هذا الجهاز شركة “LivaNova” واستخدمه أكثر من 100 ألف شخص، يساعد الجهاز على منع النشاط الكهربائي غير الطبيعي الذي يسبب النوبات داخل الدماغ من خلال إصدار نبضات كهربائية صغيرة على فترات منتظمة على مدار اليوم وكل يوم، هذه النبضات تمر من خلال العصب الحائر لتصل إلى الدماغ.
ساعد هذا الجهاز 40% من المرضى الذين يستخدمونه على تقليل عدد النوبات إلى النصف، لكن التعرض المستمر لتلك النبضات قد يسبب آثار جانبية غير مرغوب فيها مثل الألم والصداع وضيق التنفس.
إحراز تقدم
رغم الفوائد الواضحة لتحفيز العصب الحائر بالكهرباء، فإن تلك الطريقة ما زالت بسيطة، فتحفيز العصب يبدو مثل إطلاق الأوامر بدلاً من المشاركة في المحادثة، قد يصبح الأمر أكثر قوة إذا تمكننا من تسجيل الرسائل التي تتحرك عبر الأعصاب، فهذه الرسائل قد تنبهنا إلى بداية نوبة الصرع على سبيل المثال، فالقدرة على التحفيز عند الطلب فقط سيقلل من الآثار الجانبية غير المرغوب فيها للنظام الحاليّ.
هناك جهودة عالمية جديدة لصنع أطراف صناعية يتم التحكم بها مباشرة من خلال تفكير المريض
على كل حال، تسجيل إشارات الأعصاب ليس أمرًا سهلًا، فالعصب الحائر يحتوي على عشرات آلاف الخلايا العصبية وكل إشارة كهربائية ضعيفة للغاية ومن الصعب اكتشافها، أضف إلى ذلك حقيقة أن الإشارات المتداخلة من العضلات أكبر 100 مرة عن إشارات الأعصاب.
ولاكتشاف نوبة وشيكة يجب على الجهاز أن يكون قادرًا على تسجيل إشارة صغيرة والتعرف عليها في الوقت نفسه، هذا الوضع لا يختلف كثيرًا عن كونك في حفلة لموسيقى الروك وتحاول الاستماع إلى محادثة على الجانب الآخر من صالة الحفل.
رغم كل هذه التحديات فالعمل المستمر من العلماء والفيزيائيين والمهندسين يجعل حلم طب الكهرباء الحيوية أمرًا واقعًا، فالتقدم في تكنولوجيا الأقطاب الكهربائية ومعالجة الإشارات وتصميم الأجهزة تلعب كلها دورًا رئيسيًا، كما أن التسجيلات الجديدة للعصب الحائر كشفت معلومات عن التنفس، تعد مهمة وحيوية في تصميم الأجهزة التي تعالج اضطرابات الجهاز التنفسي.
بعد أكثر من قرنين على رقصة الضفادع التي قام بها لوجي جالفاني، بدأت الإمكانات الحقيقية للتفاعل العصبي تؤتي ثمارها، كما أن العصب الحائر لم يعد الهدف الوحيد، حيث تهدف أحد أبحاث إنجلترا إلى إعادة السيطرة على مثانة مرضى الحبل الشوكي وذلك بتسجيل إشارات من الأعصاب العجزية، وهناك جهودة عالمية جديدة لصنع أطراف صناعية يتم التحكم بها مباشرة من خلال تفكير المريض.
ربما لن تحل الكهرباء محل الأدوية التقليدية، لكن في المستقبل القريب ستكون مكملة لها.
المصدر: ذي كونفرسايشن