ذهبت عائلة مصطفى الجعفر إلى مدينة الرقة شمال سوريا، لزيارة منزلهم، بعد نزوحهم خلال المعارك التي دارت بين تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من جهة وميليشيا الوحدات الكردية من جهة ثانية، وانتهت بسيطرة الأخيرة على المدينة منذ عام وأسابيع قليلة، تقطن عائلة الجعفر في مدينة مارع في الريف الشمالي لمدينة حلب، وخلال زيارة لمدينة الرقة ودعت أقارب لها كانوا قد قضوا نتيجة انفجار ألغام زرعها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، في منزلهم خلال فترة نزوحهم إلى البلدات الريفية التابعة للمحافظة ذاتها.
التقى “نون بوست”، مصطفى الجعفر 40 عامًا، بعد عودته من مسقط رأسه الرقة، فقال: “ذهبت بصحبة عائلتي إلى مدينة الرقة لأبحث عن جثث عائلة أخي التي فقدت منذ ثمانية أشهر على الأقل”، وكان مصطفى الجعفر قد خرج مع عائلة أخيه، إلى أرياف محافظة الرقة، محاولين البحث عن مكان أكثر أمنًا، لكن قوات سوريا الديموقراطية “قسد” خلال أشهر من نزوحهم تمكنت من طرد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من المحافظة، وافترقت العائلتان، إحداهما ذهبت نحو مناطق المعارضة في درع الفرات، والأخرى عادت لمنزلها الذي تحول إلى حقول من الألغام زرعها تنظيم الدولة قبل خروجه من المدينة.
كان تنظيم الدولة الإسلامية قد نشر مئات الألغام في المنازل التي خرج منها أصحابها خلال المعارك الدائرة، ولا سيما الأحياء داخل المدينة، كما زرع الألغام في الشوارع الرئيسية والفرعية، مما أدى إلى زيادة أعداد القتلى من المدنيين خلال هروبهم من قصف التحالف الدولي
وسرد الجعفر قائلًا: “خلال عودة أخي إلى منزله كان على تواصل يومي معي، لكن فجأة انقطع التواصل بشكل كلي مع العائلة بأكملها، حتى أخبرنا الجيران أن منزل أخي مدمر بشكل كامل”، وأضاف: “منذ شهر تقريبًا ذهبت إلى مدينة الرقة للبحث عن جثث عائلة أخي، بعد أن أطلقت فرق الاستجابة الأولية التابعة لمجلس الرقة المدني، عملها في البحث عن المقابر الجماعية والمفقودين، حيث إنها طلبت من الأهالي التعرف على الجثث”، وأكد قائلاً: “عائلة أخي المؤلفة من خمسة أفراد قتلت نتيجة انفجار الألغام ودمار المنزل فوقهم، مما أدى إلى فقدان أثرهم حتى قدمت لفرق الاستجابة الأولية مكان المنزل للبحث عنهم، ودفنهم بعد مقتلهم منذ أشهر”.
وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد نشر مئات الألغام في المنازل التي خرج منها أصحابها خلال المعارك الدائرة، ولا سيما الأحياء داخل المدينة، كما زرع الألغام في الشوارع الرئيسية والفرعية، مما أدى إلى زيادة أعداد القتلى من المدنيين خلال هروبهم من قصف التحالف الدولي.
داعش وقسد والتحالف يتسببون بمقتل الآلاف من المدنيين
من المسؤول عن مقتل المدنيين؟
تسببت المعارك التي دارت في محافظة الرقة قبل أكثر من عام بين تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وميليشيا الوحدات “قسد” بمقتل آلاف المدنيين من أهالي المدينة والنازحين إليها، حيث زج تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عشرات المدنيين في السجون خلال سيطرته بتهم مختلفة، منها التدخين والتكفير وترك الصلاة، وذلك في محاولة منه لتطبيق فكره في المنطقة، وخلال بدء معركة الرقة ضد تنظيم الدولة، أرسل الأخير السجناء إلى الجبهات لحفر الخنادق، إضافة إلى زج العشرات في صفوفه بعد خضوعهم لدورات استتابة.
وتحدث “نون بوست” مع الناشط الإعلامي محمد عثمان الذي يقطن في محافظة الرقة، فقال: “تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” زرع الألغام في منازل المدنيين التي كانت فارغة، وفي الطرقات والشوارع الرئيسية، وذلك بعد أن خسر التنظيم عشرات العناصر في المعارك التي دارت بينه وبين الوحدات الكردية”، وأضاف: “منذ أسبوع قتل شاب في الرقة نتيجة انفجار لغم من مخلفات تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من الدعم الذي قدمته المنظمات والفرق لإزالة الألغام”، وأكد أن الألغام قتلت المئات من المدنيين ومن بينهم أطفال ونساء وشيوخ، كانوا يحاولون الهرب من المدينة.
أدى قصف التحالف الدولي إلى دمار مئات المنازل التي يقطنها المدنيون، مما جعل الأهالي تفقد أثر الضحايا لأشهر عدة، ويعتبر طيران التحالف أكثر الجهات المسؤولة عن مقتل المدنيين حسب ما أكد محمد العثمان
وفي السياق تسببت الوحدات الكردية بمقتل العشرات من المدنيين نتيجة القناصين الذين كانوا يقتلون المدنيين خوفًا من كونهم عناصر تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، وأوضح العثمان أن مدفعية ميليشيا الوحدات الكردية تسببت بدمار كبير في منازل المدنيين كما أدى القصف لمقتل العشرات من المدنيين وهم يقبعون في منازلهم، وأوضح أن ميليشيا الوحدات قدمت إحداثيات لطائرات التحالف وهي أماكن تجمعات للمدنيين، وأغلب الغارات التي كانت تستهدف المنطقة لم تميز بين مدني وعسكري على الإطلاق مما جعل قائمة الضحايا في ارتفاع مستمر، نظرًا لوجود الكثير من الجثث تحت ركام الأبنية السكنية.
وأشار أنه في الساعات الأولى من سيطرة ميليشيا الوحدات على المدينة، وجد الكثير من الضحايا في الشوارع ومداخل الأحياء السكنية، وقد قضوا بسبب الألغام والقذائف وقناصين تابعين للوحدات، بينما أدى قصف التحالف الدولي إلى دمار مئات المنازل التي يقطنها المدنيون، مما جعل الأهالي تفقد أثر الضحايا لأشهر عدة، ويعتبر طيران التحالف أكثر الجهات المسؤولة عن مقتل المدنيين حسب ما أكد محمد العثمان.
أكثر من 3 آلاف ضحية في الرقة
مقابر جماعية وضحايا تحت الركام!
بدأ فريق الاستجابة الأولي بانتشال الضحايا من بين ركام الأبنية السكنية وفي المقابر الجماعية، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث شكلت لجنة إعادة الإعمار التابعة لمجلس الرقة المدني، فريق الاستجابة الأولي نظرًا لأعداد الجثث الهائلة في المحافظة وصعوبة البحث عنهم.
وقال محمد العثمان لـ”نون بوست” إن عدد الضحايا بلغ أكثر من 3 آلاف، وجلهم من المدنيين، وآخرين من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ويوجد أعداد كبيرة من الجثث مجهولة الهوية، وذلك نتيجة مقتل العائلة بشكل كامل نتيجة القصف أو الألغام، بينما يتم التعرف على بعض الجثث من ذويهم”.
وأضاف أن الكثير من الجثث التي توثق كمجهولة الهوية، ممكن أن تكون لنازحين من مختلف المحافظات السورية كانوا قد دخلوا الرقة قبل سيطرة التنظيم عليها، ويتم دفن الضحايا في منطقة تل البيعة شمال شرق المدينة، في حال لم يتم التعرف عليهم، وأوضح أن توثيق الضحايا في حال التعرف عليهم يقوم به فريق الاستجابة الأولي الذي يعتبر الجهة المسؤولة في البحث عن الضحايا.
تعتبر محافظة الرقة من أكثر المحافظات السورية التي تعرضت للدمار خلال السنوات الماضية إضافة إلى الخسائر البشرية، وذلك نظرًا لاختلاف القوى المسيطرة على المدينة
وقد عثر فريق الاستجابة الأولي على عشرات المقابر الجماعية ومن أبرزها في ملعب الرشيد وحديقة الحيوان وحديقة سبعة نيسان والجامع القديم وقصور البنات، فيما لا تزال عشرات الجثث في حديقة البانوراما التي استحدثها تنظيم الدولة لدفن القتلى لصعوبة الوصول إلى مقابر المدينة، بسبب الحصار الذي أطبقته الوحدات عليها قبل طرد التنظيم منها، فيما لا يزال مئات الضحايا تحت ركام الأبنية السكنية التي أخرجت منهم ما يقارب 1200 ضحية بحسب فريق الاستجابة الأولي.
وتعتبر محافظة الرقة من أكثر المحافظات السورية التي تعرضت للدمار خلال السنوات الماضية إضافة إلى الخسائر البشرية، وذلك نظرًا لاختلاف القوى المسيطرة على المدينة، ومنذ أكثر من عام سيطرت قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من التحالف الدولي على محافظة الرقة، بعد أن طردت تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من المدينة، ولا يزال الكرام يسيطر على المكان، وعلى الرغم من الوعود التي قدمتها لجنة إعادة الإعمار للمدينة فإنها لم تنفذ على الأرض.