منذ بدء معركة “طوفان الأقصى” أدركت “إسرائيل” خطورة المحتوى الرقمي، لا سيما أن الغزيين فرضوا في تجارب سابقة روايتهم التي دحضت أكاذيب الاحتلال كمعركة “سيف القدس”، فعمد الاحتلال منذ بداية حرب الإبادة المستعرة منذ عام كامل إلى قطع الإنترنت وشبكات الاتصال، وسعى لحصار الرواية الفلسطينية رقميًا من خلال تعاونه مع شركة “ميتا” وغيرها من شبكات التواصل لفرض خوارزميات تعوق من وصول المحتوى الفلسطيني إلى العالم.
وبفعل اكتساب الخبرات من التجارب السابقة، أصبح الغزي أكثر وعيًا في كيفية نشر جرائم الاحتلال عبر المنصات المختلفة، فقد تمكن من تجميع مقاطع الفيديو والصور التي تظهر الجرائم اليومية، من قصف وهدم المنازل، إلى الاعتداءات على المدنيين، هذا المحتوى لم يقتصر فقط على تقديم الحقائق، بل كان مليئًا بالمشاعر الإنسانية العميقة، ما جعله يكتسب تفاعلًا مع المتابعين في مختلف أنحاء العالم.
“نون بوست” يحاور سائد حسونة الخبير الرقمي، للوقوف على التحديات التي واجهت المحتوى الرقمي الفلسطيني خلال معركة “طوفان الأقصى”، وكيف أكسب الغزيون روايتهم الرقمية التفافًا وتعاطفًا دوليًا وكشفوا زيف رواية الاحتلال.
إليكم نص الحوار مع سائد حسونة.
بداية، على ماذا ارتكزت الرواية الفلسطينية لتتصدر المنصات العالمية الرقمية؟
ارتكزت على إرث متراكم من النضال والتجربة، وهو ما جعلها تستحوذ على اهتمام العالم على مدار العقود، كما شكلت الأحداث السياسية والاجتماعية جزءًا من الهوية الفلسطينية، ما أعطى للرواية عمقًا إنسانيًا تاريخيًا.
اليوم، يتم التركيز على تجارب الناس العاديين ومعاناتهم اليومية، ما يجعل القصص أكثر تأثيرًا وقدرة على التأثير في الرأي العام، بالإضافة إلى تزايد استخدام الوسائط الرقمية مثل الفيديوهات والمحتوى المرئي الذي ساهم في إيصال الرواية الفلسطينية بصورة أكثر حيوية.
الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر العنف والظلم كانت أداة فعالة في نقل رسالة الفلسطينيين، فأصبح بإمكان الناس رؤية الأحداث كما هي دون وساطة، وهذا النوع من المحتوى يجذب المشاهدين ويجعلهم يشعرون بالارتباط مع القضية الفلسطينية.
علاوة على ذلك، استخدام المنصات الرقمية ساهم في تمكين الأصوات الشابة من التعبير عن أنفسهم، ما أدى إلى ظهور روايات جديدة ومبتكرة تعكس التنوع في التجربة الفلسطينية، وقد أثبت هذا الأمر قدرته على تجاوز الحدود الجغرافية، حيث انتشرت القصص بشكل واسع عبر منصات مثل: تويتر وفيسبوك وإنستغرام، ما ساعد على بناء جسور التواصل مع الجمهور العالمي.
فرضت حكومة الاحتلال رقابة على المحتوى الفلسطيني بالتعاون مع شركة “ميتا” وحذفت آلاف المنشورات على مختلف المنصات، كيف أثرت سياسة منصات التواصل الاجتماعي على الرواية الفلسطينية؟
رغم محاولات الاحتلال الإسرائيلي لفرض الرقابة على المحتوى الفلسطيني، فإن هذه السياسات جاءت بنتائج عكسية. على سبيل المثال، عندما يحذف الاحتلال محتوى ما، يثير ذلك فضول المتابعين ويؤدي إلى بحثهم عن المعلومات الأخرى.
هذا الأمر جعل الرقابة أداة غير فعالة في عصر المعلومات، حيث يمكن لأي شخص استخدام أدوات بسيطة لتجاوز الحجب والوصول إلى المعلومات.
وتأثير الرقابة لم يكن فقط في تعزيز روح المقاومة، بل أسهم في تعزيز التعاون بين النشطاء والإعلاميين الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، فبدأ العديد من الأشخاص يتعاونون في توثيق الأحداث ومشاركتها، ما أدى إلى تزايد الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية.
وعندما يتم حذف المحتوى، يبقى تأثير الرسائل الأساسية قويًا، حيث تستمر النقاشات حول الأحداث والجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين.
وفي ظل هذه الظروف، كانت منصات التواصل الاجتماعي بمثابة ساحة للعديد من النشطاء والحقوقيين الذين تمكنوا من تسليط الضوء على الواقع المرير في فلسطين. من خلال عرض الشهادات والتقارير الحية، تمكنوا من توسيع دائرة التعاطف والدعم الدولي، ما ساعد في تشكيل رأي عام يميل نحو تأييد حقوق الفلسطينيين.
ماذا عن أبرز المشكلات والتحديات التي واجهت الإعلام الرقمي منذ “طوفان الأقصى”؟
الرقابة الحكومية الإسرائيلية والاعتداءات على الصحفيين كانت من أبرز المشكلات، حيث استهدفت قوات الاحتلال العديد من المراسلين، ما أدى إلى فقدان حياة بعضهم وإصابة آخرين، هذا الأمر خلق بيئة عمل خطيرة، حيث كان على الصحفيين العمل تحت ضغط كبير، ما قد يؤثر على جودة عملهم.
وكان هناك تحدٍ تقني، حيث تم قطع الإنترنت وشبكات الاتصالات في بعض الأحيان، ما جعل من الصعب التواصل ونقل الأخبار بشكل مباشر، لكن على الرغم من هذه التحديات، استخدم الإعلاميون أساليب مبتكرة لتجاوز العقبات، مثل استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) لضمان استمرار التغطية.
فضلًا عن ذلك، فإن التأثير النفسي للحرب على الصحفيين كان كبيرًا، التعرض المستمر للعنف والمآسي يؤثر على الصحة النفسية للعاملين في هذا المجال، ما يتطلب دعمًا إضافيًا للصحفيين. في ظل هذه الظروف، أصبح من الضروري إنشاء شبكات دعم للمراسلين، لتبادل التجارب ومساعدتهم على التعامل مع الضغوط النفسية.
ما الآليات التي انتهجها الإعلام الرقمي الفلسطيني في سرد مجريات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ونقلها للعالم لتبرز روايته رقميًا وتؤثر على العقلية الأجنبية التي كانت ترى الإسرائيلي دومًا هو الضحية؟
استخدم الإعلام الرقمي الفلسطيني استراتيجيات مبتكرة لنقل الأحداث وتوثيقها، ما ساعد في تعزيز الرواية الفلسطينية في الفضاء الرقمي، إحدى الآليات الرئيسية كانت استخدام الوسوم، التي أصبحت وسيلة فعالة لجمع المعلومات والتجارب تحت موضوع معين، على سبيل المثال، تم استخدام وسوم مثل: غزة وفلسطين للتجمع حول الأحداث المهمة، ما أتاح للناس متابعة ما يحدث بسهولة.
بالإضافة إلى ذلك، تم استغلال الفنون البصرية بشكل فعال، حيث تم إنتاج مقاطع فيديو تحتوي على شهادات حية وصور مؤثرة، هذه الصور ليست فقط توثيقًا للواقع، بل تحمل رسائل قوية تُظهر معاناة الفلسطينيين، ما يساهم في تغيير النظرة التقليدية التي كانت تعتبر الإسرائيليين الضحية.
علاوة على أنه كان للتعاون بين مختلف النشطاء والمجموعات الإعلامية دور كبير في هذه الجهود، حيث تم تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لتمكين الناس من استخدام الأدوات الرقمية بشكل أكثر فعالية. هذا النوع من التعليم والتدريب أدى إلى زيادة وعي الأفراد بطرق سرد القصص وكيفية استخدام الوسائط المتعددة للتعبير عن التجارب الإنسانية.
لماذا حقق النشطاء الفلسطينيون كل هذا التفاعل رغم محاولات الاحتلال شيطنتهم رقميًا؟
هذه المحاولات غالبًا ما كانت تثير ردود فعل عكسية، حيث يشعر الناس بحاجة قوية للوقوف مع القضية الفلسطينية، الشهادات الحية والصور التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا مهمًا في تشكيل الرأي العام، ما جعل الناس أكثر وعيًا بما يحدث في غزة.
لم تنجح استراتيجية الاحتلال في شيطنة الفلسطينيين في تجاهل الواقع، بل زادت من استجابة المجتمعات من خلال الشهادات الصادقة والتجارب الإنسانية التي كانت هي المفتاح في هذا السياق.
التفاعل الرقمي الذي شهده “طوفان الأقصى” لم يكن فقط محليًا، بل تجاوز الحدود الجغرافية، حيث تضامنت المجتمعات في أوروبا وأمريكا مع الفلسطينيين من خلال تنظيم المظاهرات ورفع الوعي عبر منصات التواصل الاجتماعي، هذا الأمر يعكس قوة الرواية الفلسطينية وقدرتها على التأثير، حتى في وجه الحملات المضادة.
ما هي أبرز العناصر الملفتة بالتفاعل الرقمي في “طوفان الأقصى”؟
أولًا، تمكن الإعلاميون من تطوير استراتيجيات جديدة لتوثيق الأحداث، فأصبحوا أكثر إبداعًا في استخدام الأدوات الرقمية لنقل الواقع المأساوي بشكل فعّال، كما تحولت تطبيقات مثل “تويتر” و”إنستغرام” و”فيسبوك” إلى منصات حيوية لتبادل المعلومات والقصص الحية.
واستطاع الإعلاميون، سواء كانوا من الصحفيين المحترفين أم الهواة، إنشاء محتوى يتسم بالسرعة والدقة، ما أسهم في تكوين وعي عالمي بما يحدث في غزة.
وكذلك استخدام مقاطع الفيديو الحية والشهادات المباشرة من الشارع جميعها ساعدت في تقديم الصورة الشاملة للصراع وتجاوز السرد التقليدي الذي قد يعكس الانحياز.
وأيضًا شكل التعاون بين وسائل الإعلام التقليدية والرقمية عنصرًا محوريًا، حيث أُنشئت منصات مشتركة لتسليط الضوء على الأحداث الجارية، فقد اعتمدت العديد من وسائل الإعلام العالمية على المصادر الفلسطينية، ما أعطى للمراسلين المحليين فرصة لتوصيل أصواتهم بشكل أكبر. هذا التعاون ساهم في نشر محتوى متوازن، مما يساعد في تكوين صورة أكثر وضوحًا عن الوضع.
كيف استخدمت منصات التواصل الاجتماعي خلال “طوفان الأقصى” كسلاح من قبل الإسرائيليين للتحريض على العنف ومشاركة خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين؟
كان التحريض من خلال الصور والفيديوهات التي تهدف إلى تشويه صورة الفلسطينيين، فخطاب الكراهية الذي جرى تداوله على هذه المنصات كان يشمل تهديدات مباشرة وأفكارًا تتضمن تمييزًا عنصريًا. هذه الاستراتيجيات لا تعكس فقط مشاعر الكراهية، بل تهدف أيضًا إلى تبرير الأعمال العنيفة ضد الفلسطينيين، لذا بات ضروريًا أن تتبنى منصات التواصل الاجتماعي سياسات أكثر صرامة لمكافحة خطاب الكراهية والتعصب.
إلى أي حد يمكن القول إن طول أمد الحرب أثّر على حجم التفاعل الرقمي؟
في الحالة الفلسطينية، شهد “طوفان الأقصى” ذروته في البداية عندما كانت الأحداث تتكشف بشكل يومي، ما جعل الناس متحمسين لمتابعة الأخبار والمشاركة في النقاشات، هذا الزخم الكبير تراجع مع مرور الوقت، خاصةً عندما أصبحت الأحداث أقل وضوحًا أو تتغير ديناميات الصراع.
ومع ذلك، هناك عوامل أخرى تلعب دورًا في التأثير على التفاعل الرقمي، مثل استخدام الأحداث الجارية كفرصة لتسليط الضوء على القضايا الإنسانية، حينها تتزايد التحركات الشعبية في مختلف الدول، ويعود التفاعل للارتفاع مرة أخرى.