ترجمة وتحرير: نون بوست
تستمر معضلة النفط والغاز في تأجيج الصراع في سوريا على الرغم من تقلص الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة واستعادة الحكومة السورية سيطرتها على أجزاء من البلاد. في الواقع، تتصارع كل من الجهات المحلية والجهات الفاعلة الخارجية من أجل السيطرة والتحكم في موارد النفط والغاز السورية.
تجدر الإشارة إلى أن البنية التحتية للطاقة السورية قد دمرت إلى حد كبير من قبل المتمردين، والجماعات الإرهابية، والجيش السوري الذي كان يسعى لإعادة فرض السيطرة. وبسبب كل هذه الخسائر الإقليمية، ركزت استراتيجية تنظيم الدولة بشكل خاص على عدم التنازل عن منشآت النفط والغاز، التي كانت تسيطر عليها في السابق، فضلا عن تدمير البنى التحتية للطاقة مثل حقول حيان النفطية التي تقع على بعد 40 كم غرب مدينة تدمر، التي تم تفجيرها بالكامل.
كان تركيز تنظيم الدولة على منطقة تدمر يعود إلى حقيقة أن المدينة تعتبر الرابط الأساسي بين نقل كامل إنتاج الغاز السوري ومحطات توليد الطاقة، التي تزود معظم أنحاء سوريا بالكهرباء والغاز. وبحسب ما ورد، استولى تنظيم الدولة على عدد كبير من حقول النفط والغاز منذ سنة 2014 لا سيما وسط وشرق سوريا، مثل منشأة الأكرم للغاز الطبيعي الموجودة بين تدمر والرقة، التي كانت تنتج موارد طبيعية قابلة للتسويق وهو الأمر الذي جعل تنظيم الدولة يفرض نفوذه على الحكومة السورية، التي تم حرمانها من مصدر حيوي للإيرادات.
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرضا عقوبات على صناعة الطاقة السورية، بدءا من المعدات والمبيعات إلى وسائل نقل النفط الخام
انخفض إنتاج النفط في سوريا، الذي كان يتراوح بين 250 و380 ألف برميل يومياً في فترة ما قبل سنة 2011، إلى 8 آلاف برميل يوميا. وقد حدث ذلك بعد إعلان الجماعات المتمردة والإرهابية على غرار تنظيم الدولة سيطرتها على حقول النفط. ويقدر الإنتاج الحالي بحوالي 70 ألف برميل يوميا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرضا عقوبات على صناعة الطاقة السورية، بدءا من المعدات والمبيعات إلى وسائل نقل النفط الخام. وقد كانت العقوبات الأمريكية على صناعة الطاقة السورية قائمة قبل حدوث هذه الأزمة، لكن التجديد الأخير للعقوبات يبعث بإشارة إلى الجهات الرسمية وغير الحكومية بأن تحقيق الإيرادات من تجارة النفط والغاز في السوق السوداء لن يتم التسامح بشأنه.
استهدفت العقوبات الأمريكية للمرة الأولى مجموعة قاطرجي السورية، التي تنتمي إلى شبكة واسعة النطاق لشراء النفط والغاز، والتي كانت تهدف إلى استيراد شحنات النفط الخام والغاز إلى مرفأ بانياس. علاوة على ذلك، تحظر العقوبات الأوروبية المفروضة سنة 2011 التجارة بالمعدات والتكنولوجيا المخصصة لقطاع النفط والغاز السوري بما في ذلك التنقيب والإنتاج والتكرير وتسييل الغاز.
في الأثناء، تساهم الشركات الروسية مثل شركة “غازبروم” في إعادة تهيئة البنية التحتية المتضررة وتطوير شركة مصفاة بانياس الواقعة غرب سوريا. في الواقع، يبدو أن الشركات الروسية تقود الاستثمار من خلال إنعاش قطاع النفط والغاز السوري. مع ذلك، وبسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية، فإنه من الصعب على دمشق العثور على شركاء لشراء صادراتها من النفط الخام.
تعزز نفوذ الولايات المتحدة بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على أكبر سدّين في سوريا، وهما سد الطبقة، والسد الذي بناه الاتحاد السوفيتي في غرب الرقة
من جانبها، تسيطر الولايات المتحدة على نسبة كبيرة من احتياطي النفط والغاز السوري بفضل الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، التي نفذت عملية “عاصفة الجزيرة” التي بدأت في شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2017. وقد كان الهدف من هذه العملية الاستيلاء على الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة شرق الفرات. ونتيجة لهذه العملية، سيطرت الولايات المتحدة بحكم الأمر الواقع على عدد من حقول النفط والغاز الموجودة في سوريا، على غرار حقل العمر النفطي وحقل تنك النفطي، فضلا عن حقل العزبة وحقل كونيكو، وحقول نفط جفرا التي كانت توفر مصدر دخل رئيسي لتنظيم الدولة.
تعزز نفوذ الولايات المتحدة بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على أكبر سدّين في سوريا، وهما سد الطبقة، المتمثل في محطة طاقة بقوة 824 ميغاواط تقع على بعد 25 كم غرب الرقة عند نهر الفرات، والسد الذي بناه الاتحاد السوفيتي في غرب الرقة. وتشير التقديرات إلى أن هذه السيطرة على احتياطيات الطاقة والبنى التحتية السورية يمكن أن تُستخدم كوسيلة للمساومة في المفاوضات المقبلة مع نظام الأسد من أجل ضمان مستقبل سياسي لسوريا.
في ظل هذه الظروف، يبدو أن حل الصراع السوري شرط أساسي ليس فقط لتطوير قطاع الطاقة في البلاد، ولكن أيضا لتعزيز أمن الطاقة الإقليمي. إلى جانب ذلك، يبدو أن الاستثمار الأمريكي يعمل على استعادة مصنع غاز كونيكو شرق سوريا، الذي يخضع حاليا لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. وقد تبين أن هذا المصنع يعود بالنفع لأنه قادر على إنتاج حوالي 50 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا.
في الوقت ذاته، سيوفر الاستثمار الأمريكي في أكبر سدّين رقابة على الخزانات الحيوية، بالإضافة إلى منع أي طرف ثالث من فرض سيطرته المطلقة على حكومة الأسد، لأن هذا الاحتكار سيسمح له بالسيطرة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي إنشاء مصانع لتصدير ومراقبة الغاز الطبيعي المصدّر إلى أوروبا. من جهتها، وقعت الجارة اللبنانية في مطلع سنة 2018 أول اتفاق للتنقيب عن النفط والغاز في البحر، في اثنين من أصل عشرة من الحقول ضمن ائتلاف تجاري مكوّن من شركة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية وشركة نوفاتيك الروسية. ومن المتوقع أن يبدأ الحفر سنة 2019.
تكمن التحديات التي يمكن أن تقوض تنمية إمكانات لبنان في مجال الغاز في وجود أطر مؤسسية وإدارية ضعيفة تتسبب في فجوة بين الخطط الحكومية المعلنة والتنفيذ النهائي
إلى جانب ذلك، يبدو أن لبنان بدأ يعاني بالفعل من “لعنة ما قبل الموارد”، التي تتراكم فيها الديون بشكل كبير تحسبا لعائدات النفط والغاز غير المؤكدة. ومن الجلي أن هذا الأمر يشكل خطرا واضحا على الأوضاع المالية خاصة إذا لم تكن احتياطات الغاز مرتفعة كما هو متوقع. كما أن هناك خطر آخر ألا وهو غياب فرصة للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
أما ما يزيد الطين بلة فهو تردد الشركات الدولية في الاستثمار في حقول النفط البحرية المتنازع عليها بين لبنان و”إسرائيل”. وبالنظر إلى قطاع الطاقة في لبنان وإطاره التنظيمي اللذان لا يزالان غير حديثين، فلا بد من سن قوانين إضافية من قبيل قانون إدارة الأصول النفطية وقانون صندوق الثروة السيادية وقانون التنقيب البري لتعزيز الثقة وضمان الشفافية في إطار الاستثمار النفطي اللبناني. علاوة على وضع أسس قانونية متينة لإدارة قطاع الطاقة.
في الواقع، تكمن التحديات التي يمكن أن تقوض تنمية إمكانات لبنان في مجال الغاز في وجود أطر مؤسسية وإدارية ضعيفة تتسبب في فجوة بين الخطط الحكومية المعلنة والتنفيذ النهائي. ويمكن أن يساعد تطوير الاكتشافات المحتملة للنفط في لبنان في الحد من عجز الطاقة المحلي والاعتماد على استيراد المنتجات النفطية إلا في حال كان نموذج الاستكشاف والإنتاج وتحقيق الدخل يستند إلى معايير وخبرات فنية أفضل. ولضمان الإسراع في تطوير قطاع النفط والغاز في لبنان، ينبغي على الحكومة اللبنانية أن تعمل على تعزيز الشفافية والتوقف عن صياغة سياسات الطاقة التي تنظر إلى البلد “كجزيرة للطاقة”، من خلال السعي إلى التعاون في مجال الطاقة مع الدول المجاورة لها.
في هذا السياق، يجب أن يواصل المحاورون الأمريكيون والأوروبيون التدخل فيما يتعلق بالمنطقة البحرية المتنازع عليها والتي تبلغ مساحتها 854 كلم مربع بين لبنان و”إسرائيل”، وذلك كي يشرع الطرفان في استكشاف حقول النفط والإنتاج الموجودة عبر الحدود. كما يجب على لبنان أيضا تجنب توزيع إيرادات موارد النفط والغاز المستقبلية كإعانات للطاقة، لأن هذه الإعانات تتسبب في سوء توزيع الموارد إضافة إلى أنها تؤثر على أسعار الطاقة مما قد يؤدي إلى تراكم الديون على نطاق واسع.
تجدر الإشارة إلى أن تمويل الجامعات ومراكز البحوث اللبنانية لمساعدتها في إجراء البحوث وإصدار الأوراق البيضاء المتعلقة بالطاقة مهم جدا لزيادة الوعي العام بتنمية الطاقة وسلامة البنية التحتية لخطوط الأنابيب. ومن الواضح أن تحديات وآفاق جديدة تواجه كل من لبنان وسوريا. فتسوية النزاعات والحوار والتعاون بين البلدين يمكن أن يساعد في تطوير قطاعات الطاقة وجذب الاستثمار الأجنبي في الإطار الإقليمي. في الحقيقة، تعد الفرص عالية ولكن الخيارات لا تزال تكمن في القيام بهذه الخطوة.
المصدر: مودرن ديبلوماسي