قبل بضعة أسابيع نشرت وزارة البيئة الإسرائيلية تقريرًا يكشف أخطر المصانع المُلوثة خلال عام 2017، وكانت مصانع البحر الميت كالعادة حاضرة، إلا أن هذا لم يمنع الكاتبة عوفرا لاكس على موقع “القناة السابعة” الإسرائيلية أن تنقل لمتابعيها الكارثة البيئية التي تحصل في البحر الميت من وجهة نظر صهيونية، أولها بُكاء على الأطلال وآخرها دعوة لمحاربة BDS التي تدعو لمقاطعة منتجات البحر الميت ودعوات للمزيد من السيطرة الإسرائيلية على مياه نهر الأردن وأراضي الضفة الغربية.
تصف لاكس في مطلع تقريرها كيف أن القارب الذي كانت تركبه لم يستطع الوصول لأماكن كانت مُغطاة بالمياه قبل نصف سنة فقط وتحوّلت الآن إلى مناطق تكسوها كثبان الملح، ثم تنقل عن أحد الخبراء بأن الدولة عندما تحاول إصلاح الوضع في البحر الميت فإن الدعم يذهب للمناطق الجنوبية حيث الفنادق والمصانع، وهذه المناطق ليست إلا “برك لاستخراج الملح” وهي مفصولة عن القسم الشمالي من البحر مُنذ عشرات السنين.
وفي القسم الشمالي لم تعد هناك أي شواطئ للسباحة تقريبًا والسبب أن مئات “الحُفر الانهدامية” تظهر هناك كُل عام ولا توجد أي شركة تأمين مستعدة أن تضمن السلامة للسياح هناك، وبالتالي لا يُمكن الوصول لهذه الشواطئ إلا بالقوارب.
يُكمل التقرير في عرض أحد أهم الحلول المطروحة وهو إنشاء قناة تصل المياه من البحر الأحمر إلى القسم الجنوبي من البحر الميت، ولكنه يعترف أن هذا الحل لا يمكن أن يتحقق دون تكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار و10 سنوات من العمل
خلال الشرح ولتوضيح حجم الكارثة، تتحدث لاكس كيف قام المُرشد بإطلاعهم على صور كان قد التقطها قبل عامين لمغارة كانت تدخلها مياه البحر، بينما اليوم أصبحت المغارة على ارتفاع ثلاثة أمتار من سطح المياه، أحد أهم الأسباب التي تساهم في هذه الكارثة هي مصانع البحر الميت التي تسحب المياه من القسم الشمالي للبحر وبالتالي تستنزفه، ولكن المُشكلة لا تنتهي هنا فالسبب الأهم – بحسب التقرير – أن مياه نهر الأردن لم تعد تصل للبحر الميت والسبب في ذلك “الأردنيون” الذين يسحبون مياه نهر الأردن من خلال ما لا يقل عن آلف محطة ضخ للمياه تعمل بشكل غير قانوني كما يزعم ذلك المرشد الإسرائيلي، وهي مزاعم ينفيها الكثير من خبراء المياه الذين يعتبرون أن “إسرائيل” هي التي سرقت مياه نهر الأردن في اتفاقية وادي عربة.
يُكمل التقرير في عرض احد أهم الحلول المطروحة وهو إنشاء قناة تصل المياه من البحر الأحمر إلى القسم الجنوبي من البحر الميت، ولكنه يعترف أن هذا الحل لا يمكن أن يتحقق دون تكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار و10 سنوات من العمل، ولا أحد يُمكن أن يعلم ماذا يُمكن أن يحصل خلال هذه الأعوام العشرة من كوارث ولكنها تشير إلى أن العلماء يتحدثون أن عام 2050 سيكون العام الذي يصل فيه البحر الميت إلى نقطة “اللاعودة” ولا يُمكن التنبؤ بحجم الكارثة التي ستحل بكُل المعادن والخصائص الفريدة التي يتمتع بها هذا البحر.
لعل أهم النقاط التي يُشير إليها التقرير، هي التجربة الفوتوغرافيّة التي قام بها أحد النشطاء لتصوير مناطق مختلفة في القسم الشمالي ثم عاد وصور نفس المناطق بعد نحو 5 أشهر فقط وكانت النتائج كارثية، فقد نزل مستوى المياه بشكل كبير، ثم عاد وكرر التجربة بعد عامين وكان يصل في كُل مرة إلى أن البحر الميت آخذ بالاختفاء، وهو يؤكد أنه يفعل كُل ذلك ويجتهد في إيصال هذه المعلومة ويسافر حول العالم ليشرح هذه “الكارثة” إيمانًا منه بأن هذا واجب وطني لأن البحر الميت أهم المناطق السياحية في “إسرائيل”.
ويستخدم في ذلك كُل الأساليب الممكنة مثل تأكيده أن ما تقوم به مصانع البحر الميت تصدر أحد أهم المعادن الذي يخدم رُبع قطاع الزراعة حول العالم وبالتالي فإن أي كارثة بيئية في البحر الميت ستؤثر على 25% من سكان العالم، علمًا بأن مصانع البحر الميت نفسها مسؤولة عن جزء كبير من الكارثة.
التقرير الذي بدأ بالبكاء على أطلال البحر الميت لم ينته بالحديث عن هذه “الكارثة البيئية”، بل كُل ذلك كان مُجرد مقدمة للحديث عن ضرورة إيقاظ اليمين الإسرائيلي للحديث عن هذا الموضوع من أجل عودة السيادة الإسرائيلية على نهر الأردن لربطه بالبحر الميت
هذا التناقض في إلقاء اللوم على مصانع البحر الميت من جهة والدفاع عنها من جهة يكشف أن إنقاذ البحر الميت ليس على سلّم الأولويات الإسرائيلية، حيث يعترف الناشط البيئي الذي يعمل لدى وزارة الخارجية، التي بدورها أكدت له بأنها لم تصادف أحد من قبل يستخدم موضوع بيئي للترويج ونشر الدعاية الصهيونية في العالم كما فعل وهو يربط بين هذه الكارثة البيئية وضرورة مصادرة “إسرائيل” للأراضي التي تنحسر عنها المياه كما أنه يدافع عن مصانع “آهفا” لمساحيق التجميل التي تحاول حركة المقاطعة BDS تشويه صورتها باعتبارها تقوم على أرض محتلة، ولهذا فإنه يؤكد أن الدعاية تهدف إلى استغلال الموضوع من أجل التعريف بأهمية أرض “يهودا” – شمال البحر الميت – بالنسبة لـ”إسرائيل”.
أخيرًا، فإن التقرير الذي بدأ بالبكاء على أطلال البحر الميت لم ينته بالحديث عن هذه الكارثة البيئية، بل كُل ذلك كان مُجرد مقدمة للحديث عن ضرورة إيقاظ اليمين الإسرائيلي للحديث عن هذا الموضوع من أجل عودة السيادة الإسرائيلية على نهر الأردن لربطه بالبحر الميت، ويُختتم التقرير بتساؤل يفضح الكثير: أي شيء يعبّر عن السيادة أكثر من إعادة ربط نهر الأردن بالبحر الميت كما كان الوضع من قبل؟ وكأن أخذ الأردن لحصته من نهر الأردن صارت أصل المُشكلة، أما استيلاء “إسرائيل” على المياه هو حق طبيعي ومشروع ولا نقاش فيه!