ترجمة وتحرير: نون بوست
على الرغم من أن المغرب لا تجمعه أي علاقات رسمية مع “إسرائيل”، فضلا عن تزايد الأصوات التي تنادي بوقف “التطبيع الاقتصادي”، إلا أن العلاقات التجارية السرية بين البلدين أصبحت مكشوفة للعيان على نحو متزايد. ويمكن تبين حقيقة هذه العلاقة من خلال التباين على مستوى الإحصائيات. فوفقا لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، تُظهر السجلات أن المبادلات التجارية بين المغرب و”إسرائيل” بلغت 37 مليون دولار سنة 2017، علما وأن السجلات التجارية الرسمية بالمغرب لا تشمل أي معلومات عن المعاملات مع “إسرائيل”.
نتيجة لهذا التعاون الاقتصادي، يستأثر المغرب بأحد المراكز الأربعة الأولى في قائمة الدول التي تستورد منها “إسرائيل” المنتجات من أصل 22 شريك تجاري في القارة الأفريقية، كما يحل تاسعا في قائمة الدول الأفريقية التي تستقبل صادراتها. وبالنظر إلى قيمة المبادلات التجارية بين البلدين بلغت 149 مليون يورو خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2014 و2016، لا تعتبر هذه الشراكة حديثة.
يعد إيواء المغرب لأبرز الاستثمارات الإسرائيلية العلنية في العالم العربي خلال السنة الماضية أمرا غير اعتياديا. فقد افتتحت الشركة العملاقة، نيتافيم المتخصصة في التكنولوجيا الزراعية، فرعا لها على الأراضي المغربية تقدر تكلفته بحوالي 2.9 مليون دولار. ووفقا للبيانات التي قدمتها خدمة آف دي آي ماركتس التابعة لصحيفة فاينانشال تايمز الأمريكية، التي تعمل على مراقبة الاستثمارات في المجالات الجديدة في جميع أنحاء العالم منذ سنة 2003، يوفر هذا الفرع الإسرائيلي 17 وظيفة في المغرب. وتجدر الإشارة إلى أن الاستثمار في المجالات الجديدة هو عندما تقوم إحدى الشركات بإنشاء فرع لها في بلد أجنبي انطلاقا من نقطة الصفر.
يعتبر استثمار نيتافيم أبرز مثال على العلاقات الاقتصادية السرية بين “إسرائيل” والمغرب
من المرجح أن يتناسب هذا التطور التجاري مع الاتجاهات الإقليمية السائدة الأوسع نطاقا، على غرار العلاقات العربية الإسرائيلية التي تشهد تحسنا، في ظل المساعي للتصدي للنفوذ الإيراني. في الوقت الحالي، يحاول الإسرائيليون التقرب من بعض الحكومات العربية، وهو ما يشير إلى إمكانية احتضان هذه البلدان لبعض الاستثمارات الإسرائيلية تماما مثل مشروع نيتافيم، وذلك حسب رأي الباحث في مركز بروكنجز الدوحة، عادل عبد الغفار.
علاقات تشكلت منذ وقت طويل
يعتبر استثمار نيتافيم أبرز مثال على العلاقات الاقتصادية السرية بين “إسرائيل” والمغرب. ولطالما تشاركت الدولتان علاقات جيدة عبر التاريخ بالمقارنة مع العلاقات الإسرائيلية العربية الأخرى. وحيال هذا الشأن، قال عبد الغفار، إنه “بغض النظر عن هذه المعطيات، لا تزال العلاقات المغربية الإسرائيلية سرية، حيث تحاول الحكومة المغربية التكتم عليها بسبب ضغط الرأي العام المعادي لـ”إسرائيل” “.
على سبيل المثال، نفى الوزراء في الحكومة المغربية خلال سنة 2016، أن يكون لبلادهم لأي علاقات تجارية أو استثمارية مع “إسرائيل”. وخلال كلمة ألقاها في البرلمان المغربي، صرح الوزير المنتدب لدى وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي المكلف بالتجارة الخارجية آنذاك، محمد عبو، قائلا “لا تربط المغرب أي علاقات تجارية مع هذا الكيان، كما تحرص حكومته على التصدي لدخول جميع البضائع الإسرائيلية إلى الأراضي المغربية. لم تمنح الحكومة أي ترخيص لأي شخص لاستيراد التمور أو أي منتجات إسرائيلية أخرى”.
جاء هذا التصريح على لسان الوزير المغربي السابق على الرغم من حقيقة أن شركة نيتافيم تنشط في المغرب منذ سنة 1994 من خلال إحدى الشركات التابعة لها، ريغافيم. وفي الوقت الحالي، ومن خلال اعتماد اسمها الخاص، يتابع صفحة نيتافيم المغربية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أكثر من 26 ألف مستخدم.
لقطة شاشة لصفحة شركة نيتافيم على فيسبوك
بعد أن تأسست سنة 1965 على اعتبارها مستوطنة زراعية إسرائيلية، أضحت نيتافيم شركة رائدة عالميا في إنتاج أنظمة الري بالتنقيط، التقنية التي تعود لها براءة اختراعها. ووفقا لموقعها على شبكة الإنترنت، تمتلك الشركة 4300 موظف وتتوفر معداتها وخدماتها في أكثر من 110 دولة حول العالم. خلال شهر شباط/ فبراير الماضي، باعت الشركة 80 بالمائة من أسهمها إلى مجموعة مكسيشم المكسيكية للبتروكيمياويات مقابل 1.5 مليار دولار، في حين تحتفظ إدارة كيبوتس حتسريم بنسبة 20 بالمائة المتبقية، في حين لا يزال المقر الرئيسي لشركة نتافيم في “إسرائيل”.
خلال حديثه في غرفة التجارة الفرنسية الإسرائيلية، أفاد المدير الإقليمي لشركة نيتافيم في شمال وغرب أفريقيا، شافيت داهان، أن “افتتاح فرع جديد في المغرب يندرج ضمن استراتيجية النمو في السوق ورغبتنا في تحسين جودة خدماتنا ومساعدتنا لعملائنا وشركائنا في المغرب”. والجدير بالذكر أن الشركة رفضت الإدلاء بتعليقات إضافية بشأن استثماراتها في المغرب.
ويعد الكشف عن طبيعة استثمارات شركة نتافيم من دون تردد، التي لا يمكن إنكارها، سابقة من نوعها، نظرا لأن معظم المبادلات التجارية بين المغرب و”إسرائيل” تُجرى في كنف السرية. ووفقا لعبد الغفار، لا يمكن إيجاد الكثير من المعلومات حول هذه المبادلات، كما لا توجد أي سجلات خاصة بالتجارة مع “إسرائيل” أو تلك التي تتعلق بشركاتها في المغرب. وأضاف الباحث في مركز بروكنجز الدوحة أن الكثير من الأعمال تتم بشكل غير مباشر، وذلك من خلال الشركات الفرنسية، كما يمكن للكثيرين التعامل مع وسيط، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتمويل أو شراء معدات.
المغرب يأوي حوالي ربع مليون مواطن يهودي، علما وأنه لا يزال موطنا لأكبر مجتمع يهودي في العالم العربي
خلال السنة الماضية، أشار مسؤولون في غرفة التجارة الفرنسية الإسرائيلية إلى أن “العديد من الشركات المغربية والإسرائيلية تلجأ إلى قنوات تجارية معقدة للغاية. في الأثناء، تعلن وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل منتظم عن توقيعها لاتفاقيات تجارية أو معاملات مالية أو برامج تعاون مع السلطات الحكومية أو الشركات الخاصة. ويتجلى أبرز تجسيد للتعاون الإسرائيلي المغربي على الإطلاق من خلال تجربة نتافيم”.
علاقات ذات جذور تاريخية
على الرغم من أن الحكومة المغربية دأبت على دحض أي علاقات تجمعها بـ”إسرائيل”، يمكن تبين وجود علاقات تجارية بين البلدين في قطاعات مثل الزراعة والمجال العسكري والتكنولوجيا منذ عقود، فضلا عن العلاقات الثقافية والتي تجمع بين الأفراد. وذكر عبد الغفار أن “المغرب واحد من أكثر الدول العربية التي تشهد زيادة في عدد السكان اليهود”.
كان المغرب يأوي حوالي ربع مليون مواطن يهودي، علما وأنه لا يزال موطنا لأكبر مجتمع يهودي في العالم العربي. ومن جهته، يرى الخبير في العلاقات المغربية الإسرائيلية في جامعة تل أبيب، بروس مادي فايتسمان، أنه في حين أن عدد اليهود المتبقين في البلاد لا يتجاوز 2000 شخص في الوقت الحالي، إلا أن عدد السكان الإسرائيليين من اليهود المغاربة يمثل في حد ذاته رابطا طبيعيا بين البلدين.
في شأن ذي صلة، أوردت الباحثة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس، كلير سبنسر، أن “المغرب يظهر قدرا كبيرا من التقدير لعلاقاته الدولية مع اليهود، فهو البلد العربي الوحيد الذي يمتلك سفيرا متجولا يعنى بالشؤون اليهودية، وهو سيرج بيرديغو، ناهيك عن أنه تناول تراثه العبري في الدستور المعدل لسنة 2011”. علاوة على ذلك، أشارت سبنسر إلى بروز بعض السياسيين ورجال الأعمال من أصل مغربي، على غرار رئيس حزب العمل الإسرائيلي آفي غباي.
شكلت العلاقات المغربية الإسرائيلية سببا لتنامي الخلافات في المغرب خلال السنوات الأخيرة
لا تزال آراء السياسيين في المغرب منقسمة حول علاقتهم بـ”إسرائيل”. وبين عبد الغفار أن القوميين العربيين والكيانات ذات التوجهات الإسلامية والمحافظة في البلاد، على غرار حزب العدالة والتنمية الحاكم، لا يوافق على هذه العلاقات التي تُدعم بشكل أساسي من قبل الملك محمد السادس ومستشاريه. وفي وقت سابق من السنة الجارية، أفادت بعض التقارير أن ولي العهد الحسن بن محمد مُنح طائرة نفاثة من طراز غلف ستريم جي 650 ومجهزة بمعدات تكنولوجية إسرائيلية تبلغ قيمتها 20 مليون دولار.
خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2017، شهد أحد معارض المنتجات الزراعية في الرباط احتجاجا صغيرا على وجود منتجات شركة نتافيم في المعرض وفي المغرب، لتُسفر عن اعتقال أربعة أعضاء في حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وبعد مرور سنة على هذه الاعتقالات، عاد المحتجون إلى المعرض السنوي ليتسببوا في خروج ممثلي شركة نتافيم منه.
محتجون يلوحون بأعلام فلسطينية ومغربية خلال مظاهرة في الرباط ضد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن القدس عاصمة لـ”إسرائيل” في كانون الأول/ ديسمبر 2017.
شكلت العلاقات المغربية الإسرائيلية سببا لتنامي الخلافات في المغرب خلال السنوات الأخيرة. وفي سنة 2014، عندما شنت “إسرائيل” هجوما على قطاع غزة لقي على إثره 2200 شخص مصرعهم، طالب خمسة أحزاب سياسية في البلاد بمشروع قانون يجرّم التطبيع مع “إسرائيل”. وفي ظل عدم تمرير المشروع في شكل قانون، دعا أعضاء البرلمان المغربي إلى إعادة تفعيل مشروع هذا القانون عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
كانت الطبيعة المعقدة والانقسامات المحيطة بالعلاقات بين البلدين واضحة للعيان، حتى عند افتتاح السفارة الأمريكية في القدس خلال شهر أيار/ مايو الماضي. ونتيجة لقرار الرئيس الأمريكي، تظاهر حوالي 10 آلاف مواطن مغربي في الدار البيضاء بعد افتتاح السفارة وقيام الجيش الإسرائيلي بقمع المتظاهرين في قطاع غزة، مما خلف عشرات القتلى.
بعد أسبوعين من الاحتجاجات، شد وفد من رجال الأعمال المغربيين الرحال نحو “إسرائيل” للقاء صناع القرار في الكنيست الإسرائيلي والعديد من المسؤولين الآخرين. وحيال هذا الشأن، قالت سبنسر، إنه “حتى صدور قرار نقل السفارة، كانت الأعمال التجارية والروابط التي تجمع بين “إسرائيل” والمغرب طي الكتمان، وهي تواجه الآن حظرا كليا”.
المصدر: ميدل إيست آي