العقوبات الأمريكية على إيران تدفع فاتورتها بغداد

مع حلول موعد بدء سريان العقوبات الأمريكية على إيران التي تهدف منها الولايات المتحدة الأمريكية الوصول إلى مستوى صادرات نفطية إيرانية مقداره صفر، يبرز تساؤل كبير ومهم: هل العقوبات الأمريكية تستهدف النظام الإيراني أم تستهدف العراق؟ وذلك لشدة ارتباط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الإيراني.
الاقتصاد العراقي مرتبط باقتصاد إيران
بسبب ارتباط الأحزاب العراقية الحاكمة في العراق بالنظام الإيراني سياسيًا وعقائديًا، فإنهم عملوا طيلة الفترة السابقة منذ 2003 وإلى الآن على ربط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الإيراني، للدرجة التي جعلت اقتصاد العراق يتأثر بشكل كبير بتقلبات الاقتصاد الإيراني سلبًا أو إيجابيًا، وذلك من خلال فتح الأسواق العراقية أمام السلع الإيرانية على اختلافها، وتحجيم الصناعة العراقية وعدم دعمها، مع اقتصار الاستيراد العراقي من إيران بشكل أساسي، على حساب تعدد مصادر الاستيراد من دول الجوار الأخرى.
ذهبت توقعات وتمنيات المسؤولين العراقيين أدراج الرياح، من أن تقوم الإدارة الأمريكية بشمول العراق باستثناءات من تطبيق العقوبات على إيران
جعلت هذه الإجراءات الحكومية العراقية السوق العراقي مرتبط بشكل يكاد يكون كلي بالاقتصاد الإيراني، وامتد الاعتماد العراقي على إيران حتى لتجهيز الطاقة الكهربائية واستيراد الغاز والمشتقات النفطية، وبالتالي فإن أي هزة يتعرض لها الاقتصاد الإيراني، من الطبيعي أن تجد انعكاساتها قوية على الاقتصاد العراقي، ومع بدء تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران، من المتوقع تعرض الاقتصاد العراقي لهزات عنيفة، ذلك لأن الولايات المتحدة لم تشمل العراق كما كان متوقعًا بالدول التي حصلت على استثناءات من تلك العقوبات.
ورغم تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين من أن الإدارة الأمريكية سوف تستثني العراق من العقوبات كما استثنت ثماني دولٍ من ذلك، فحتى الآن لم يصدر من الإدارة الأمريكية بشكل رسمي وصريح شيئًا عن ذلك الموضوع.
الولايات المتحدة لم تستثن العراق كما كان متوقعًا
ذهبت توقعات وتمنيات المسؤولين العراقيين أدراج الرياح، من أن تقوم الإدارة الأمريكية بشمول العراق باستثناءات من تطبيق العقوبات على إيران، على اعتبار أن الاقتصاد العراقي سيتضرر من هذه العقوبات، فجاءت قائمة الدول المستثناة غير شاملة للعراق، الأمر الذي فسره البعض بأنه تخلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية عن العراق في أصعب ظروفه.
عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي الجديد لم يبد أي ردة فعل إزاء تلك الخطوة الأمريكية، لكن قادة الأحزاب والمليشيات أبدت بشكل صريح امتعاضها من العقوبات الأمريكية ضد النظام الإيراني، واستعدادها لمعاونة هذا النظام على التغلب على تلك العقوبات، مما يجعلها بمواجهة للعقوبات الأمريكية.
نظرًا لارتباط مصالح الأحزاب العراقية والمليشيات بالنظام الإيراني عضويًا، فمن المتوقع أن تقوم تلك الأحزاب والمليشيات بتسخير كل إمكانات العراق لإنقاذ الاقتصاد الإيراني والتحايل على العقوبات الأمريكية
لكن رد الفعل الرسمي الوحيد هو ما قام به المتحدث باسم الخارجية العراقية إزاء بيان السفارة الأمريكية في بغداد، الذي ردَّ بشدة عليه، وكان البيان قد طالب الحكومة العراقية بضرورة تنفيذ ما عليها في موضوع العقوبات الأمريكية على إيران، وكذلك مطالبتها للنظام الإيراني بتفكيك ميليشياتها العاملة في العراق والكف عن التدخل بالشأن العراقي واحترام سيادة الحكومة العراقية، الأمر الذي فسرته الخارجية العراقية بأنه تدخل بالشأن الداخلي العراقي، وأكدت أن العراق لا يسمح للولايات المتحدة بمخاطبته بهذه الطريقة التي لا تمت للأعراف الدبلوماسية بصلة “حسب تعبير الناطق باسم الخارجية العراقية”.
الاحتيال الإيراني على العقوبات سيكون على حساب المصلحة العراقية
ولأجل ذلك كله، ونظرًا لارتباط مصالح الأحزاب العراقية والمليشيات بالنظام الإيراني عضويًا، فمن المتوقع أن تقوم تلك الأحزاب والمليشيات بتسخير كل إمكانات العراق لإنقاذ الاقتصاد الإيراني والتحايل على العقوبات الأمريكية، مما سيعرض الاقتصاد العراقي لخطر كبير لا يمكن التكهن بآثاره السلبية، فمن ناحية سيكون استنزافًا كبيرًا للموارد الاقتصادية العراقية، ومن ناحية أخرى سيعرض العراق لتدابير انتقامية من الولايات المتحدة الأمريكية.
العراق نافذة إيران إلى العالم
منذ الآن تستعد إيران لاستخدام العراق كنافذة خارجية لها إلى العالم، يتم من خلالها تصدير النفط الإيراني باعتباره نفطًا عراقيًا، كذلك فإن القرار الأمريكي الذي تم تسريبه على لسان مسؤولين أمريكيين من أن الولايات المتحدة قد تسمح للعراق باستيراد الغاز والمواد الغذائية من إيران بشرط أن لا يكون بالدولار، فإن إيران سوف تستغل تلك الثغرة لبيع الغاز والمواد الغذائية وكذلك الطاقة الكهربائية للعراق بعملة صعبة من غير الدولار مثل العملة الأوروبية “اليورو”، الأمر الذي سوف يثقل العراق اقتصاديًا لاضطراره لشراء اليورو ليسدد مستحقات إيران المالية.
من المتوقع أن يعمل النظام الإيراني على استعمال أساليبه المعتادة في الإخلال بالوضع الأمني في العراق بغية إحراج القوات الأمريكية الموجودة في العراق
كما من المتوقع أن تعمل إيران على زيادة صادراتها للعراق بشكل أكبر من السابق، وذلك من خلال العمل على تخريب الصناعة الوطنية العراقية وزيادة الاعتماد العراقي على البضائع والسلع الإيرانية، وما الكارثة البيئة التي حدثت قبل أيام في العراق، من هلاك لأعداد هائلة من الثروة السمكية إلا مثال حي على الأساليب الإيرانية لتعزيز صادراتها للعراق وزيادة اعتماده عليها، كما ستزدهر عمليات تهريب العملة الصعبة من العراق إلى إيران عبر مكاتب الصيرفة التي تديرها الأحزاب دون الرقابة المالية الحكومية التي تحت المجهر الأمريكي، الأمر الذي سيؤثر على احتياطات العراق من تلك العملة الصعبة، وبالتالي سينسحب ذلك التأثير على سعر صرف الدينار العراق الذي سيتهاوى أمام استنزاف العملة الصعبة من السوق العراقي.
زيادة الحوادث الأمنية
ومن المتوقع أن يعمل النظام الإيراني على استعمال أساليبه المعتادة في الإخلال بالوضع الأمني في العراق بغية إحراج القوات الأمريكية الموجودة في العراق، في وقت متزامن مع زيادة دعمه للمليشيات الإرهابية الموجودة في سوريا واليمن، وسيدفع العراق بالإضافة للضريبة الاقتصادية الهائلة التي سيعاني منها جراء الإجراءات الإيرانية، ثمنًا آخر يمس أمنه وأمن مواطنية جراء ردود الفعل الإيرانية في العراق.