على غرار عام الشباب 2016 وعام المرأة 2017 وعام ذوي الاحتياجات الخاصة 2018، قد يكون العام القادم تسمية جديدة يخص بها الرئيس عبد الفتاح السيسي الفلاح المصري لتوجيه رعاية الدولة وأجهزتها نحو تلك الفئة التي تنازلت الدولة عن حقوقها التاريخية في مياه نهر النيل.
الاقتراح بأن يكون العام 2019 عامًا للفلاح لم يأت على لسان السيسي في لقاءاته التي تقتصر على أبناء الصفوة بينما يغيب عنها أبناء الفلاحين، لكنه جاء على لسان النائب رائف تمراز وكيل لجنة الزراعة والري بمجلس النواب المصري منذ أيام، وسرعان ما لاقت تأييد نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين فريد واصل، لكنها لاقت أيضًا سخرية البعض، فالعدالة البيئية – من وجهة نظرهم – لا تتحقق بتدشين عام باسم الفلاح.
عندما غابت العدالة البيئية
في احتفاله الوحيد مع الفلاحين في 2014، وعد السيسي بإصدار قانون الزراعات التعاقدية وإنشاء صندوق تكافل زراعي يحمي الفلاحين من الكوارث الطبيعية وتأمين صحي لهم، إلا أنه وبعد مرور 4 سنوات لم يتحقق لهم ما كانوا يتمنون بل زادت أسعار المستلزمات الزراعية من مبيدات وأسمدة وتقاوي وآلات زراعية، وتخلى عنهم البنك الزراعي وغاب المرشد الزراعي.
روجت أجهزة الدولة لصورة تدّعي كسل وفشل الفلاحين، لتبرير نزع الدعم عنهم وإغداق الأراضي على المستثمرين
ومع الحديث المتزايد في الفترة الأخيرة عن تداعيات أزمة الجفاف القادمة، روجت أجهزة الدولة لصورة تدّعي كسل وفشل الفلاحين، لتبرير نزع الدعم عنهم وإغداق الأراضي على المستثمرين، والآن تعود الدولة والإعلام لتحميل الفلاحين مسؤولية الأزمة، ولكن باتهامهم “بالإنتاج الزائد” والنشاط الكبير في زراعة الأرز.
أجبرت الدولة الطرف الأضعف – وهم الفلاحون – في معادلة القوة على دفع الفاتورة كاملة، حيث دأبت على تقليص مساحة الأرض التي يزرعها فلاحو الدلتا بمحصول الأرز، عبر تحديد نطاقات الزراعة في المحافظات وعدد الأفدنة المزروعة في كل منها، وفرض غرامات كبيرة على من يخالف النطاقات المحددة.
ويتحمل المزاعون وحدهم آثار أزمة المياه المحتملة نتيجة سد النهضة، دون غيرهم من المواطنين، فزيارة السيسي الأخيرة إلى إثيوبيا سرعان ما تُرجمت إلى قرارات متتابعة، تقضي بتقليص المساحات المسموح بزراعتها إلى أقل من نصف المساحات المقررة في العام الماضي الذي مثل واحدًا من أقل الأعوام من حيث المساحة المنزرعة، حيث خُفضت خلال 2017 مساحة أراضي الأرز بنسبة 34% تقريبًا عن العام السابق عليه.
أجبرت الدولة الطرف الأضعف – وهم الفلاحون – في معادلة القوة على دفع الفاتورة كاملة
وحملت الأفكار المرتبطة بوقف زراعة الأرز شكلًا من أشكال العنصرية البيئية تجاه الفلاحين، تقودها الدولة وتدعمها النخب الحضرية التي لا تعتمد على الزراعة كمصدر رزق، بل يتحايل الحضريون على إظهار خضوعهم لخطاب أنتجته الدولة لتخفي انحيازها لصالح فئات معينة من المستثمرين ومن يستغلون المياه استغلالًا ترفيًا.
يتخفّى هذا الخطاب خلف المصلحة العامة لإسكات صوت الفلاحين وكتم احتجاجاتهم، تحت ضغوط شعبوية تمارس عنفًا هيكليًا منظمًا ضد الفلاحين، أدى في النهاية إلى خسارة ملايين الفلاحين لمورد رزقهم الأساسي، وتأثرت مئات الورش والمصانع العاملة في تعبئة وتبييض وتغليف الأرز في المدن الحضرية بالدلتا، كما أنه من المرجح أن تختفي الأصناف البلدية المُخزنة في منازل الفلاحين، حيث ستُستهلك خلال تلك السنوات الـ3.
وزاد النظام الحاليّ من معاناة الفلاحين عبر نشر سياسات الاحتكار للأسمدة والتقاوي التي ارتفعت أثمانها أضعافًا مما زاد تكاليف الإنتاج، بجانب تحرير سعر الوقود وخفض الدعم عنه ما ضاعف أسعار العمليات الاستزراعية، لا سيما بعد انخفاض منسوب المياه بالنيل ومن ثم الترع والمساقي التي كان آخرها ردم ترعة المحمودية، وخسارة دلتا النيل لمساحات شاسعة من أجود الأراضي.
بلغت معاناة المزارعين ذروتها في عهد السيسي، خاصة مع التوقف عن دعم الفلاح والزراعة وتربية الحيوانات، والتضييق عليه في استلام محصول القمح فتراجعت مساحاته المزروعة
كما تسبب الفساد في تعميق أزمات الفلاح المصري الذي وجد نفسه ينافس المحاصيل الأوروبية والروسية على أراضيه، حيث فتح السيسي استيراد المحاصيل الإستراتيجية من الخارج وقت مواسم حصاد نفس المحاصيل في مصر، كما جرى مع القمح الروسي والأوكراني، ما سمح بتوريد ملايين الأطنان المستوردة على أنها محلية.
وبلغت معاناة المزارعين ذروتها في عهد السيسي، خاصة مع التوقف عن دعم الفلاح والزراعة وتربية الحيوانات، والتضييق عليه في استلام محصول القمح فتراجعت مساحاته المزروعة، فضلًا عن رفع مدخلات الإنتاج، وزيادة أسعار الأسمدة لصالح المصانع من 1500 جنيه للطن إلى 3290 جنيهًا بنسبة 220%، فبلغت خسارة الفلاح 21 مليار جنيه دخلت جيوب أصحاب المصانع بنسب أرباح 400%.
كما دمرت الحكومة الزراعات الرئيسية بعدما طالبت الفلاح بزراعة القطن مع وعد بشرائه ثم تراجعت، هذا بالإضافة إلى تدهور الثروة الحيوانية بعد أن ترك الفلاح حيواناته لمرض “الحمى القلاعية” و”الوادي المتصدع”، ومنع تداول الدواجن الحية بين المحافظات، وحرمانه من العلاج والتأمين وتسويق محصوله بأسعار تناسب جهده.
عام المرأة.. وهم التغيير
كان عمر عبد الفتاح السيسي السياسي أقل من شهر حين خرجت صحفية شابة بمقال تعرب فيه عن استعدادها بل رغبتها بأن تكون جارية عنده إن هو أشار بغمزة من عينه، اُنتقد المقال، لكن قلة تمعنت في دواخل النفس التي يمكن أن تحرك هذه الأقلام وقبلها الأفكار المستغربة في مصر.
لم يرفض السيسي هذا الانجراف الخطير، بل خاض مع الخائضين من مريديه ومريداته، وبلغ حدودًا كان بعضها مهينًا عندما حط من قدر المرأة المصرية، فتحدث عن انجذاب النساء بأحد مساعديه، ورد على هتافات المحبة من بعض مريداته بالقول إن ذلك “سيشعل نيران الغيرة في بيوت الزوجية”.
جلسات خاصة يحضرها السيسي لتمكين المرأة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي أفرزت مكاسب وانتصارات تحققت على الورق فقط
تكلل الرقص الجماعي والتباهي بوسامة السيسي المفترضة وتمجيد الرجولة بل الذكورة بحصول العام 2017 على مسمى “عام المرأة المصرية”، ليتم تصوير السيسي من مناصريه كأسطورة ومخلّص للمرأة من واقعها المرير، لكنهم لا يلقون بالًا إلى ما يمكن وصفه بشطط يتجاوز السياسة حتمًا إلى حالة من الأنا – وربما أكثر – المتضخمة والمتصاعدة.
وفي حال التفرد بالسلطة على أكثر من مئة مليون إنسان يبدو الأمر جديرًا بالمتابعة، فتلك قرارات عديدة تُتخذ وقوانين مختلفة تُسن، وجلسات خاصة يحضرها السيسي لتمكين المرأة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتلك مكاسب وانتصارات تحققت على الورق فقط، لكن لا شيء في الواقع.
وفيما يعتبر البعض أن أهم القرارات التي تضمنت انتصارًا للمرأة في 2017 هو قرار تعيين المهندسة نادية عبده في منصب محافظ البحيرة، كأول امرأة في تاريخ مصر تتولى هذا المنصب، يرى حقوقيون وسياسيون أن المرأة في مصر حققت انتصارات شكلية ولم تنل الكثير من حقوقها، وما زالت هناك العديد من القوانين التي تظلمها، وأن عام المرأة سوف ينتهي دون “إنجاز كبير”.
المرأة في مصر تتعرض لانتهاكات عديدة
ووفقًا للإحصاءات والبيانات الرسمية، لم يغير 2017 من واقع المرأة للأفضل، فقد تفاقمت حالة عدم الاستقرار الأسري وسجلت مصر عام 2017 أعلى نسب طلاق في العالم، كما بلغ عدد العوانس 472 ألفًا، في حين تعرضت 46% من المصريات للعنف، حيث لا يوجد قانون لمواجهة العنف ضد المرأة، إنما اقتراح مشروع قانون تقدمت به لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب المصري، ولم يُناقش بعد.
في العام نفسه وتحديدًا في أكتوبر 2017، نشرت مؤسسة طومسون رويترز تقريرًا عن أخطر 10 مدن على المرأة في العالم، كانت القاهرة في المركز الأول، وذكر التقرير أن المرأة في مصر تتعرض لانتهاكات عديدة، وأن ظروف المعيشة غير جيدة لها، وأنها بحسب العاملين في المجتمع المدني، تعاني كثيرًا من جميع أشكال العنف.
وتبدو المفارقة جلية فيما تتعرض له النساء من عنف وتمييز واستغلال داخل السجون وأماكن الاحتجاز، فبحسب التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، فإن 1993 امرأة وفتاة تعرضن للاعتقال من قوات الأمن، منهن قاصرات لم يتخطين الـ18، منذ الانقلاب العسكري يوم 3 من يوليو/تموز 2013.
كل ما جنته المرأة المصرية هو تصريح الرئيس المصري بأن الرجل ملزم بوضع يده خلف ظهره في أثناء حديثه مع المرأة
حضرت المرأة بكثافة في الندوات التثقيفية للقوات المسلحة، كما أعلنت الرئاسة نيتها لتنفيذ إستراتيجية تمكين المرأة 2030، حتى انتهى العام المنشود وما بعده من المسكنات، وكل ما جنته المرأة المصرية هو تصريح الرئيس المصري بأن الرجل ملزم بوضع يده خلف ظهره في أثناء حديثه مع المرأة، وكان ذلك في أثناء مشاركته في إحدى جلسات منتدى شباب العالم.
هكذا يُصار إلى إيهام المرأة بأنها ذات مكانة، لإلهائها عن المطالبة بما تستحقه، وفي إمكان المدقق في الشأن المصري الاكتشاف بسهولة أن المرأة المصرية ليست في حاجة إلى حملة إعلانية تعرف بمكانتها في المجتمع، بل تحتاج إلى تشريعات حقيقية لإنصافها، بالإضافة إلى تغيير جوهري في تشابك العلاقات في المجتمع المصري، وسيادة القانون والدستور على الأحكام العرفية والقبلية.
مصر ليست للجميع
اعتاد السيسي الترويج لإنجازاته في المؤتمرات والندوات واللقاءات العامة، فخلال الدورة الثالثة لفعاليات مؤتمر الشباب أعلن أن عام 2018 سيكون عامًا لذوي الاحتياجات الخاصة، فيما قيل إنه رد اعتبار لهذه الفئة المهمشة، لكن واقع هؤلاء لا يختلف حتى الآن عما جرى في عام المرأة.
ومع اقتراب هذا العام على الانتهاء لم تقدم الحكومة عبر أجهزتها أي شيء حتى الآن، بل زادت الانتهاكات الممارسة ضد 15 مليون شخص من ذوي الإعاقة، وكان آخر هذه الانتهاكات قطع المعاش لمن لديه سيارة من ذوي الإعاقة، وهو أمر يدعو للتساؤل، هل تقف الدولة بجانب المعاقين أم تسعى لمحاربتهم؟
لم يكتف “رئيس كل المصريين” بهذا القدر من السريالية والتناقض والإنكار لما هو حال البلاد والعباد، منذ أن وصل إلى الحكم بانقلاب واستمر فيه بتكميم الأفواه وقمع الحريات، فقد سبق ذلك تخصيص السيسي عام 2016 للشباب، حيث أُقيمت سنويًا مؤتمرات الشباب في مدن شرم الشيخ والقاهرة وأسوان، وبدأ السبت الماضي منتدى شباب العالم في شرم الشيخ.
تحتجر السلطات المصرية أكثر من 60 ألف سجين سياسي
وخارج قاعات منتدى الشباب ثمة وجه آخر لحكم الرئيس السيسي، فلم تشهد مصر شرخًا اجتماعيًا مثل الذي حدث بعد الانقلاب، ولم تعد سجون مصر تستوعب أعداد المعتقلين بمختلف الأطياف، والكثير منهم في مرحلة الشباب، حتى بعض الشخصيات والنشطاء الذين دعموه في فترة رئاسته الأولى انقلب عليهم وزج بهم في السجن.
وخارج السجن وضع أكثر إيلامًا، فالأرقام الرسمية رصدت ارتفاعًا في معدلات بطالة الشباب عند 25.7% بواقع 20.5% للذكور و38.7% للإناث، حسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء في أغسطس/آب 2018، بينما سجلت بطالة الشباب الجامعي 38.3%.
ضاقت مصر على أبنائها الذين طالبوا بحرية التعبير واعترضوا على الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري وتنازل رئيسهم عن جزء من أرض مصر هدية للمملكة العربية السعودية، وفي نفس السياق رصدت عدة تقارير حقوقية صدر أحدها في سبتمبر/أيلول 2016 للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان احتجاز السلطات المصرية أكثر من 60 ألف سجين سياسي، معظمهم من الشباب.
قبل أيام من مراسم تنصيب وصفتها تقارير إعلامية بـ”الفرعونية” للرئيس الذي نافس نفسه، اعتقلت أجهزة الأمن عددًا من الناشطين والمدونين، منهم أسماء اشتهرت خلال ثورة يناير من أمثال وائل عباس وشادي الغزالي حرب وحازم عبد العظيم الذي كان مسؤول الشباب في حملة السيسي عام 2014.
قد لا يكون عبد العظيم آخر من يُكمم صوته بالقوة في بلد لم يعد للجميع بالنسبة لكثيرين، وفي ظل نظام حكم لم يقبل يومًا بالآخر ولم يرد على من اختلفوا معه إلا بالقبضة الحديدة، “عن أي مساحة مشتركة ومصر للجميع تتحدث يا ريس”؟ يقول من اختاروا المنفى هربًا من القمع وضحايا التعذيب والانتهاكات لحقوق الإنسان.