تعتبر شجرة الزيتون أحد أهم الموارد الأساسية التي يعتمد عليها سكان أقصى الشمال الغربي من سوريا، الواقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة في الوقت الراهن، ويزرع شجر الزيتون في المناطق التي تحتوي على تربة جبلية، إذ ينتشر على سفوح الجبال بكثافة، كما تنشط زراعته في المناطق التي تتمتع بمناخ البحر الأبيض المتوسط، ويتخذها السوريين في المناطق المحررة مصدر رزق، تعود لهم بأرباح تعيل أسرهم، فيما تختلف التقاليد التي يتبعها أصحاب حقول الزيتون من بلد لآخر، بينما للسوريين أجوائهم الخاصة في موسم الزيتون.
قطف الزيتون في ريف حلب
التحضيرات لقطف الزيتون
تستعد الأسر السورية لقطف الزيتون قبل أشهر من نضوج ثمار الزيتون، وذلك عبر تقليم الأشجار بشكل دوري، حيث يطلق السوريين عليها “الكساحة”، ثم الاعتناء بنظافة الأرض ونزع الأعشاب الضارة والأشواك التي تقف حائلا دون التقاط الثمرة وتسمى هذه المرحلة “العساسة”، إضافة إلى “السقاية” وهي ري أشجار الزيتون عبر أنابيب المياه من الآبار القريبة، أو عبر ناقلات مخصصة لنقل الماء.
نضج ثمار شجرة الزيتون
ومع اقتراب نضج ثمرة الزيتون تبدأ الأسر بتحضير الأقمشة وحياكتها وجعلها بمساحات مختلفة، لتكون بمثابة فرش تحت شجرة الزيتون، لمنع خروج حبات الزيتون على الأرض، وسهولة جمعها بعد الانتهاء من قطف الشجرة، كما يبدأ رب الأسرة بتحضير سلالم من الخشب التي تستخدم للصعود إلى أغصان الشجرة العالية، إضافة إلى تحضير العصي، التي تحمل نوعين قصيرة متينة لقطف الزيتون القريب، وطويلة مرنة لقطف الزيتون الذي لا تطاله الأيدي.
عادات وتقاليد السوريين في موسم قطف الزيتون
يقبل موسم قطف الزيتون في الشهر العاشر أكتوبر ـ تشرين الأول من كل عام، الذي ينتظره أصحاب الحقول بفارغ الصبر، ويذهب صاحب الحقل عدة مرات لمتابعة نضج ثمرة الزيتون، وتفقده تأثير الأمطار عليها، لجلب باقي أفراد الأسرة لاحقاً، بعد اكتمال استعداداتهم للموسم الذي يحمل في طياته الكثير من الأجواء اللطيفة، والبسيطة، ورثوها عن أجدادهم وأباءهم.
موسم قطف الزيتون في سوريا
تغفى أعين أفراد الأسر في وقت مبكر من الليل، بعد تحضير معدات قطف الزيتون و “الزوادة” وهي الطعام الذي تأكله الأسرة، لتستيقظ باكراً، بينما يتجمع الأولاد حول عربة النقل التي تقلهم إلى الحقل، ولا سيما تلك الابتسامة التي ترافقهم، ومع وصول الأسرة إلى الحقل تبدأ بفرش الأقمشة التي ووضع السلالم، وتوزيع مراكز الأشخاص، حيث يستلم الشبان الأغصان العالية بينما تبقى الأغصان القريبة من الأرض للأفراد الكبار في السن الذين لا يتمتعون بقدرة تمكنهم بالصعود على الشجرة، ويقع على عاتق العجائز من النساء جمع ثمار الزيتون المتساقط على الأرض بسبب الرياح والأمطار، وتسمى هذه الثمار بـ “العطون”.
مشاركة الأطفال خلال موسم قطف الزيتون
وبعد الانتهاء من الشجرة الأولى يبدأ الأطفال بجمع عيدان من الخشب لإشعال النار وتحضير الشاي لهم من قبل جداتهم، مع سندويشة صغيرة، ثم يتم توزيع أكواب الشاي على باقي أفراد الأسرة، فيما تبدأ الجدات بقص قصص قصيرة ومضحكة لتسلية الشبان والاطفال، لتحفيزهم على الاستمرار بتأدية عملهم، دون ملل.
طعام الغداء أهم وجبة في موسم قطف الزيتون
ومع أذان الظهر تبدأ النساء بتحضير الطعام الذي غالباً ما يتكون من البطاطا المسلوقة والبيض المسلوق والبندورة وقليل من الخضروات، والأطعمة الخفيفة، إضافة إلى علبة من زيت الزيتون التي تم جنيها في الموسم السابق، والأطفال يلعبون حول الأسرة، بينما يجمع الرجل الكبير الشبان لصلاة الظهر بين الأشجار بعد تعليمهم آداب وضوء التيمم. وعندما تنتهي فترة الطعام تأخذ العائلة قسطاً من الراحة قبل العودة إلى العمل مجدداً.
قبل غروب الشمس تعود العائلة من قطف الزيتون
وقبل غروب الشمس بساعة تبدأ الأسرة بالاستعداد لجمع الأقمشة والسلالم للعودة إلى المنزل، بينما يقوم الشبان بنقل أكياس ثمار الزيتون إلى عربة النقل، تعود الأسرة إلى المنزل، حيث يتم تحضير الطعام تدعوا الأسرة أقربائها للسهرة عندهم وذلك لتنظيف ثمار الزيتون من الأوراق التي تؤثر على نكهة الزيت والعيدان المتساقطة خلال القطف، وذلك تحضيراً لإرسال المحصول إلى معصرة الزيتون، وخلال عملية تنظيف الزيتون تقوم الأسرة بفرز الزيتون الأخضر، عن الأسود لتخليله، للشتاء، الذي يعتبر من أفضل أنواع الأطعمة على مائدة الفطور لدى السوريين، بينما يحصل الضيوف على كمية معينة من الزيتون كهدية من أصحاب الحقل.
أكياس من ثمار الزيتون تحضيراً لاستخلاص الزيت
كيف يعصر الزيتون؟
بعد الانتهاء من قطف الزيتون وتنظيفه، يقوم صاحبه بنقله إلى معصرة الزيتون القريبة من بلدته، لعصره، بينما يأخذ صاحب معصرة الزيتون كمية من الزيت مقابل عمله بعد الاتفاق المبرم بينه وبين صاحب الزيت، ويبدأ عمل صاحب المعصرة بعد الاتفاق مباشرةً، بغسل الزيتون قبل إدخاله للمعصرة وتنظيف ما تبقى من الأوراق والغبار على ثمار الزيتون ثم يذهب نحو الآلات الحديثة للعصر.
غسل الزيتون وتنظيفه للعصر
ويذكر بعض الأجداد أن صاحب المعصرة كان يقوم بإرسال آليات نحو القرى والبلدات لنقل محصول الزيتون إلى معصرته ثم إرساله لإصحابه بعد العصير وذلك يعطي فرصة عمل للكثير من الشبان لإعالة أسرهم.
استخلاص الزيت من الزيتون
زيت الزيتون في حلب
وبعد انتهاء الموسم يقوم صاحب معصرة الزيتون بجمع عجوة ثمار الزيتون المتكونة داخله لبيعها لمصانع “البيرين” وهي مادة تستخدم للتدفئة في المنطقة، بينما يستخدم جزء من زيت الزيتون في صنع صابون الغار المعروف في سوريا.
أصناف الزيتون في سوريا مختلفة حسب المنطقة
أصناف الزيتون في سوريا
تختلف أنواع الزيتون في سورياً تبعاً لاختلاف مناخ كل منطقة أو حسب النوع المشهور فيها، إلا أنها تعتبر من أفضل أنواع الزيتون، في المنطقة، وبعض هذه الأصناف يستخدم لاستخلاص الزيت وبعضها الآخر للتخليل وتحضير زيتون المائدة وأصناف تعتبر ثنائية الغرض لاستخلاص الزيت والتخليل، وسنذكر أهم الأصناف.
الزيتي، الذي يستخدم لاستخلاص الزيت، والصوراني، الذي يستخدم للتخليل، وهما الأشهر في حلب، بينما يليهما الخضيري، والدعيبلي والدان والقيسي والجلط ومحزم أبو سطل والمصعبي، ومن الأصناف الثانوية الغرض، الحمصي، وأبو شوكة، والكبربري، والقرماني، والنصاصي، والشامي، وتشتهر بهم محافظة إدلب، بينما في دمشق التفاحي، والخوخي في طرطوس، والعيروني في حمص والصفراوي في حماة والماوي النباتلي في درعا، والجلط التدمري والأدغم والمهاطي في تدمر.
حقول الزيتون الواقعة على خطوط التماس
معوقات وتحديات تواجه موسم قطاف الزيتون
عكست الحرب السورية خلال السنوات الماضية مساوئها على كافة جوانب الحياة، المعنوية التي أثرت على نفوس السوريين، والجوانب المادية التي دمرت البنى التحتية في المناطق المحررة، ومن بينها الزراعة التي تضررت بشكل كبير وتراجع انتاجها مقابل المواسم السنوية التي سبقت اندلاع الحرب في سوريا.
والتقى “نون بوست” عماد المحمود الذي يملك حقلاً من أشجار الزيتون قرب بلدته، تحدث قائلاً: “إن الزراعة بشكل عام تأثرت خلال سنوات الحرب، نظراً للتحديات التي واجهت المزارعين، كما كان لشجرة الزيتون نصيب في تغير محصولها وانخفاض الإنتاج عن السنوات السابقة”.
الحرب في سوريا كان لها أثر بالغ في انخفاض انتاج محصول الزيتون الاستراتيجي، الذي يعد أهم الموارد الزراعية في سوريا
وتابع “هناك عدة أسباب كانت سبباً في انخفاض انتاج شجرة الزيتون، من أهمها قلة الأمطار وجفاف التربة لفترات طويلة من السنة”، وأضاف: “أن الكثير من العائلات لم تستطيع الوصول إلى حقولها بسبب وقوعها على خطوط التماس مع القوات المعادية، مما شكل خطراً بحد ذاته على حياة أصحاب الحقول الزراعية في حال توجههم نحوها”.
وتقع الكثير من حقول أشجار الزيتون في المناطق الفاصلة بين قوات المعارضة وقوات النظام السوري، والميليشيات الموالية له، إضافة إلى قربها من نقاط ميليشيا الوحدات الكردية غربي مدينة مارع وجنوب مدينة إعزاز.
الألغام تقف عائقاً في قطف ثمار الزيتون
وأكد المحمود “أن الكثير من العائلات لم تستطيع قطف ثمار الزيتون بسبب الألغام التي انتشرت بكثافة في المناطق التي تحررت حديثاً في ريف مدينة عفرين”، بينما يتخوف أهالي المنطقة من الذهاب إلى الحقول وتعرضهم للخطف أو القتل من ميليشيا الوحدات التي لا زالت متمركزة في بعض الأنفاق والجبال المحيطة بقرى وبلدات عفرين شمال غربي حلب، كما تعرضت أشجار الزيتون في الآونة الأخيرة للتحطيب وذلك لاستخدامها في التدفئة شتاءً مما جعل محصول الزيتون ينخفض بشكل أكبر.
والجدير بالذكر أن الحرب في سوريا كان لها أثر بالغ في انخفاض انتاج محصول الزيتون الاستراتيجي، الذي يعد أهم الموارد الزراعية في سوريا، إذ كانت شجرة الزيتون قبل اندلاع الحرب تشكل نحو 66 % من إجمالي الأشجار المثمرة، بينما كانت تعمل أكثر من 600 ألف عائلة بالزيتون، وتصدرت سوريا المستوى الثاني في مجال زراعة الزيتون عربياً، فيما احتلت المركز السادس في مستوى دول المتوسط، وذلك في ذروة إنتاجها عام 2010.