الأمريكي الطيب والأمريكي الشرير، الأخير يكسب دوما

130829_john_kerry_susan_rice_chuck_hagel_aps_605

في أغسطس الماضي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” أن الجيش المصري كان يستعيد الديمقراطية عندما أطاح بالرئيس محمد مرسي قبل شهر من ذلك التاريخ، وقال كيري إن عزل الرئيس جاء استجابة لمطلب “الملايين والملايين من الناس”. 

التصريحات لم تلق قبولاً لدى قطاعات واسعة من الساسة الأمريكيين ومن الإعلاميين كذلك، فقالت واشنطن بوست في افتتاحيتها حينها إن الرسالة التي توصلها تصريحات كيري هي أن “الديمقراطية ورقة للخداع، الآن تراها وغدًا لا”، مؤكدة أن “تصريحات كيري ستُفهم كدليل على أن الولايات المتحدة تقبل بالديمقراطية فقط عندما يكون أصدقاؤها في السلطة، وهذه هي أسوأ رسالة على الإطلاق”. 

وقبل زيارة كيري الأخيرة إلى القاهرة، أخبرته مستشارة الأمن القومي “سوزان رايس” أن يدلي بتصريحات قوية وحادة في اللقاءات الخاصة مع المسؤولين المصريين وفي العلن أمام الصحفيين بخصوص محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي، وبشكل شخصي، قرر كيري أن يخالف تعليمات البيت الأبيض. 

رايس ألقت انتقاداتها في العلن في تصريحاتها عن الحكومة المصرية في الثالث عشر من نوفمبر في واشنطن.

“لقد حاولنا أن نشير إلى الشعب المصري والحكومة المصرية أننا ندعمهم في الانتقال من جديد إلى حكومة منتخبة ديمقراطيًا” قالت رايس، وتتابع “لكن الحكومة يجب أن تحتوي كل الأطراف وبدون عنف، لذلك فعندما قتلت الحكومة المصرية أكثر من ألف شخص في أغسطس – أثناء فض اعتصامات مؤيدي مرسي – أعلنت الولايات المتحدة أنها ليست مستعدة للاستمرار في العمل والتعاون مع حكومة تتخذ مثل تلك الإجراءات تجاه شعبها”.

وفي تصريح لموقع ديلي بيست، قال أحد الخبراء المقربين من الإدارة “لو كان الأمر بيد تشاك هيغل (وزير الدفاع) وجون كيري، لما توقفت المساعدات على الإطلاق، هناك اختلاف جذري في طريقة التعامل مع مصر بين سوزان رايس وجون كيري”.

الأمر اختلف قليلاً أمس! فرغم أن الولايات المتحدة كانت قد أعلنت وقف المساعدات لمصر بسبب تردي أوضاع حقوق الإنسان، إلا أن التصريحات التي خرجت من واشنطن مصحوبة بالأفعال كذلك تثبت أن سياسة الشرطي الطيب والشرطي الشرير ما زالت تحكم المشهد، لكن الشرير دومًا ما يفوز!

فقد قالت وزارة الدفاع الأمريكية، إنها ستسلم مصر 10 طائرات مروحية من طراز “أباتشي” لدعم عمليات مكافحة الإرهاب في مصر في سيناء، وأشار الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية “جون كيربي” في بيان صحفي مساء الثلاثاء، أن الوزير تشاك هيغل أبلغ نظيره المصري صدقي صبحى بقرار الرئيس باراك أوباما “بإطلاق صفقة لتسليم مصر عشرة طائرات أباتشي لدعم عمليات مكافحة الإرهاب في مصر في سيناء”.

محاولات إتمام الصفقة بدأت منذ الانقلاب العسكري، وقادت جهودها دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي أعلنت عن وقوفها بجانب مصر لإقناع الولايات المتحدة بتسليح الجيش المصري لمواجهة الإرهاب.

فقد نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في التاسع عشر من مارس الماضي عن مصدر إسرائيلي رفيع المستوى من القدس أن إسرائيل طالبت واشنطن بإتمام عملية بيع طائرات آباتشي للقاهرة كانت قد جُمدت عقب الانقلاب العسكري وعزل الرئيس السابق محمد مرسي. 

وأكدت الصحيفة أن التعاون الإسرائيلي المصري تطور بشكل ملحوظ عقب الإطاحة بمرسي عن الحكم، بدعم سعودي وإماراتي، وأكدت الصحيفة أن إسرائيل تقوم بالضغط على واشنطن نيابة عن مصر لمنع أمريكا من إيقاف المساعدات عن الجيش المصري نهائيًا، ولمطالبة الكونغرس باستمرار المساعدات كاملة ومن ضمنها صفقة الطائرات.

انتصر الأمريكي الشرير إذًا، بمعاونة الإسرائيلي، لكن أين الطيب في هذه اللحظة؟ جاء الأمريكي الطيب هذه المرة في عملية سمجة من تبادل الأدوار حيث صرح “جون كيري” أمس أنه لم يستطع حتى هذه اللحظة أن يشهد “باتخاذ مصر لخطوات تدعم الانتقال الديمقراطي”.

فطبقًا لقانون أمريكي يتعلق بالمساعدات المقدمة لمصر، على وزير الخارجية جون كيري أن يشهد أمام الكونغرس بأن “الحكومة (المعينة من الجيش) تتخذ خطوات للحكم ديمقراطيًا، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية” وفقًا لنص التشريع الذي يشترط أن يقدم الأخير مراجعة استراتيجية شاملة، لعدة سنوات حول المساعدة العسكرية لمصر، ويرفع تقريرًا إلى الكونغرس حول محاكمات القادة السابقين لمصر مثل مرسي.

وقالت الولايات المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إنها ستوقف تسليم مساعدات عسكرية للقاهرة تشمل مروحيات مقاتلة من طراز أباتشي وصواريخ من طراز (هاربون) وقطع غيار لدبابات (إيه 1 ، إم 1)، فضلاً عن مساعدة نقدية قيمتها 260 مليون دولار لدفع الحكومة المدعومة من الجيش للسير في طريق الديمقراطية، لكن الأمور لا تسير كما يريد الأمريكي الطيب، إن كان هناك واحدًا بالفعل!