للأسبوع الثاني، تتواصل المعارك العنيفة في أطراف ومحيط مدينة الحديدة، في جولة من المرجح أن تكون الفاصلة وسط تقدم إيجابي للقوات المشتركة المدعومة من التحالف العربي، التي استأنفت المعارك للمرة السادسة لانتزاع المدينة الساحلية من قبضة الانقلابيين الحوثيين، إلا أن المعارك الأخيرة، هي الأعنف منذ بداية الحرب في اليمن.
خصوصًا أن الجانبين استعدا بما يكفي لهذه المعركة التي يعتبرها الحوثيون مصيرية. وهي قناعة يتشارك الحوثيون فيها مع التحالف، وذلك ما يفسر استماتتهم في التمسك بها، كون سقوط الحديدة بيد التحالف والشرعية يعني انهيار أهم لبنة في هيكل الانقلابيين.
وهو ما سوف يسهم في تراخي قبضة الانقلابيين على المحافظات الأخرى وفي مقدمتها العاصمة صنعاء، كمتغيرٍ تابع لسقوط الحديدة بيد الشرعية، في حال أحسن التحالف استغلال ما سيحققه من انتصارات بذات الحماس الذي يبدو عليه الأن في معركة الحديدة، وفي أحسن الأحوال _بالنسبة للحوثيين_ سيخسرون أهم أوراقهم التفاوضية وهو ميناء الحديدة، إذا سلمنا بقدرة التحالف والقوات الحكومية في تحرير المدينة والسيطرة على مينائها الحيوي.
وحققت قوات الشرعية خلال المعارك التي تصاعدت حدتها منذ الخميس الماضي مكاسب ميدانية، من شأنها ان تضيف ثقلاً لكفة الشرعية في أي عملية تفاوضية مع الحوثيين، حيث تمكنت من احكام السيطرة على المنافذ الشرقية للمدينة واستطاعت أن تتقدم بشكل جزئي داخل المدينة، رغم الكلفة المادية والبشرية من الجانبين كليهما.
الضغوط الدولية تتزايد
وتأتي معركة الحديدة في وقت تتزايد فيه الدعوات الدولية غير المؤيدة للخيار العسكري لحسم معركة الحديدة، حيث دعت عدد من المنظمات الإنسانية الدولية والهيئات السياسية في أوروبا وكذلك في الولايات المتحدة إلى الضغط على التحالف العربي لإيقاف المعركة في الساحل الغربي، نظرا للاعتبارات الإنسانية التي تسببت في تشريد الآلاف من المدنيين وإذكاء أزمة المجاعة المستفحلة في البلاد.
الموقف الأمريكي كما يبدو، متجها لبناء سلام هش في اليمن، لن يكتب له النجاح على المدى البعيد
ومن المؤكد أن التحالف قد أخذ في حسبانه كل هذه الحيثيات حين قرر استئناف معركة الحديدة على النحو الذي تسير به وتيرتها حاليًا، إلى جانب ما تواتر من أنباء تكشف أن الإدارة الأمريكية (التي أصبحت في حرج شديد أمام الناخب الأمريكي من تأييدها للتحالف العربي بقيادة السعودية التي أصبحت سمعتها لا تبعث على الاطمئنان في العواصم الغربية) منحت التحالف مهلة زمنية مدتها 30 يومًا لتصفية أوراقها في اليمن قبيل الضغط على الأطراف المصطرعة للرضوخ لتسوية سياسية تضع نهاية للحرب الدائرة في البلاد منذ 3 سنوات وبضعة أشهر، الأمر الذي يستدعي من التحالف خوض معركة جادة مع الحوثيين للظفر بمكاسب ميدانية ذات قيمة في أي بادرة مفاوضات مقبلة.
موقف أمريكي ناعم تجاه الحوثيين
كانت الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت على لسان وزير دفاعها جيم ماتيس في وقت سابق من الشهر الجاري، عن مقترح لإنهاء الحرب في اليمن من عدد من البنود، أهمها منح الحوثيين حقا في الحكم الذاتي للمناطق التي يسيطرون عليها، مقابل قبولهم بالتسوية وتسليم السلاح الثقيل والصواريخ البالستية التي بحوزتهم، والسماح للشرعية بالعودة إلى العاصمة صنعاء، وانشاء مناطق منزوعة السلاح مع الحدود السعودية.
ما يمكن فهمه من المقترح الأمريكي أنه يتعامل مع الحوثيين باعتبارهم أقلية تدافع عن وجدها وكينونتها، وليس على أنها جماعة انقلابية كانت ولاتزال المتسبب الأول في الوضع الذي وصلت إليه البلاد، والضالع الأكبر في مقتل آلاف الضحايا، في سبيل إقامة مشروعها الكهنوتي بالقوة والقهر.
بالإضافة إلى أن منطق المقترح الأمريكي، يتعارض مع المرجعيات الثلاث التي تشترطها الحكومة في أي توافق مفترض، كما تتعارض كذلك مع الهدف المعلن الذي انطلقت من أجله العمليات العسكرية للتحالف العربي، وفوق هذا كله لن يكون مرضيًا بأي حالٍ من الأحول لليمنيين الذين ضاقوا ذرعا من الممارسات القمعية وللجماعة الطائفية التي تعتبر الحكم حقًا إلهيا مشروعًا من حقوقها، وركنًا رئيسًا في أدبيتها الدينة.
رغم التفاؤل المحلي من استئناف المعركة في الحديدة والنتائج التي تحققت إلى الآن، إلا أن بواعث القلق ما تزال كثيرة إزاء السيناريوهات التي سيؤول إليها الوضع في الساحل الغربي
الموقف الأمريكي كما يبدو، متجها لبناء سلام هش في اليمن، لن يكتب له النجاح على المدى البعيد، حيث إن واشنطن، رغم علاقتها العميقة مع العواصم الخليجية، لا يبدو أنها تشجع على إزالة الخطر الحوثي بالكلية، بل الإبقاء عليها كمصدر تهديد، قابل للتفعيل وقت الحاجة، للضغط على أطراف بعينها، واستمرار حاجة الرياض الدائمة للحماية الأمريكية، التي تدفع ثمنها من مالها وموقفها. خصوصا أنها تعي جيدًا غثائية الشعار الذي يرفعه الحوثيون المعادي لأمريكا وإسرائيل.
امساك الإمارات بزمام المعركة يثير القلق
رغم التفاؤل المحلي من استئناف المعركة في الحديدة والنتائج التي تحققت إلى الآن، إلا أن بواعث القلق ما تزال كثيرة إزاء السيناريوهات التي سيؤول إليها الوضع في الساحل الغربي، حيث يبدو الأمر لدى البعض مريبًا إزاء إصرار الامارات الدفع بنفسها في معركة الحديدة رغم الرفض الشعبي لها.
ولاسيما أن سمعتها قد تلطخت كثيرا بعد أن اتضح مخططها لتقسيم اليمن والسيطرة على الموانئ اليمنية وتعزيز نفوذها البحري في سواحل اليمن في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، إضافة إلى رعاية الفصائل المتمرة عن الشرعية، ناهيك عن السجون السرية وتهريب الأثار، إلى جانب ما كشف عنه مؤخرا، حول استعانة الإمارات بمرتزقة أجانب يعملون لصالح شركة أمريكية يملكها إسرائيلي هنغاري الأصل لتنفيذ حملة تصفيات واغتيالات في اليمن بغطاء أمني من وكلائها الشطريين في عدن.. والقائمة تطول في هذا المضمار.
السلفيون في “ألوية العمالقة” لا يقاتلون الحوثي بصفته انقلابيًا متمردًا على الشرعية، بقدر ما يقاتلونه بصفته “مرتدًا، ومبتدعًا” حسبما هو راسخ في الأصول العقدية لديهم، أما بالنسبة للإمارات ذات التوجهات المعادية لما تسميه بـ”الرجعية” لا ترى بأسًا في ذلك طالما اطمأنت لتجردهم من أي طموحات سياسية
بالتالي فإن النموذج الذي قدمته الامارات في مناطق سيطرتها، يرسخ مخاوف البعض من رغبة الامارات في إعادة النخب التقليدية إلى الواجهة بسلطة الأمر الواقع عن طريق صناعة أسطورة البطل المخلص، الذي سيخطف الأضواء في المرحلة المقبلة، وأيضاً تحول الحديدة إلى منطقة نفوذ لأبوظبي ووكلائها المحليين.
الأمر الآخر، وهو في غاية الأهمية، يتعلق بالتباين الواضح في الغايات والخامات، للفيف القوات المشتركة التي تخوض المعركة في الساحل الغربي، رغم أنها تقاتل جميعًا تحت عباءة الإمارات وبدعم منها، فالسلفيون مثلا، في “ألوية العمالقة” لا يقاتلون الحوثي بصفته انقلابيًا متمردًا على الشرعية، بقدر ما يقاتلونه بصفته “مرتدًا، ومبتدعًا” حسبما هو راسخ في الأصول العقدية لديهم، أما بالنسبة للإمارات ذات التوجهات المعادية لما تسميه بـ”الرجعية” لا ترى بأسًا في ذلك طالما اطمأنت لتجردهم من أي طموحات سياسية، وجنحوا إلى “الإسلام الأليف”.
على الطرف الآخر، هناك أيضا، قوات جنوبية من الفصائل التي دربتها الإمارات في جنوب اليمن تحت قيادة ما يعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، تشارك في معركة الحديدة وترفع علم الدولة الشطرية، هذه القوات هي الأخرى، لا تقاتل بدافع أن الحوثيين انقلبوا على الشرعية، أو بهدف استعادتها في الحديدة، بقدر ما تقاتل تلبية لرغبة الإمارات تأمل أن تحقق نصرًا خالصا باسمها في الحديدة.
المصدر: المسند للأنباء