تتجاهل الجزائر حتى الآن دعوة العاهل المغربي محمد السادس المتعلقة بفتح الحوار بين البلدين وتأسيس لجنة مشتركة لحل الملفات العالقة، وعلى رأسها فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ أن بادرت الرباط بذلك في خطوة أحادية الجانب عام 1994، وتعتبره لا يعبر عن نية صادقة من جارتها الغربية لحل الأزمة من جذورها.
ولم تعلق وزارة الخارجية الجزائرية حتى اليوم على مبادرة الملك المغربي، كما لم تصدر الأحزاب السياسية سواء الموالية للسلطة والداعمة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة أو المعارضة حتى تلك التي طالبت سابقا بفتح الحدود بين البلدين كجبهة القوى الاشتراكية والتجمع من اجل الثقافة والديمقراطية موقفا بشأن هذا الخطاب المغربي الجديد، والذي حمل كثيرا من الريبة والشكوك بالنسبة للطرف الجزائري.
تناقض
على عكس ما تراه بعض الدول التي ليست طرفا في الخلاف المغربي الجزائري التي تعتقد أن خطاب محمد السادس حمل جديدا قد يضع حدا للأزمة بين البلدين، فإن الكثير من المراقبين في الجزائر يرون أن خطاب العاهل النغربي تغاضى عن بعض الحقائق التي كان سببا فيها وشكلت عاملا من عوامل الخلاف بين البلدين.
تجاهلت الرباط في 2013 دعوة للرئيس التونسي منصف المرزوقي لإعادة بعث الاتحاد المغاربي، كما كانت للرباط مشاكل مع نظام العقيد الليبي السابق الراحل امعمر القذافي، وتواصل تعاملها التمييزي مع الأطراف الليبية حتى اليوم
ويظهر هذا التناقض كون محمد السادس حاول أن يُظهر نفسه على انه من الحريصين على بناء اتحاد المغرب العربي، في حين أنه تجاهل هذا البناء طيلة السنوات الماضية، فالحقيقة الميدانية تكشف أن نظام المخزن ليس له مشاكل مع الجزائر فقط، إنما مع باقي الدول الأعضاء، فالعلاقات مع موريتانيا عاشت في السنوات الأخيرة حالة احتقان وصلت حتى حشد الجيوش على الحدود.
وتجاهلت الرباط في 2013 دعوة للرئيس التونسي منصف المرزوقي لإعادة بعث الاتحاد المغاربي، كما كانت للرباط مشاكل مع نظام العقيد الليبي السابق الراحل امعمر القذافي، وتواصل تعاملها التمييزي مع الأطراف الليبية حتى اليوم عندما تم تفضيل جهة على حساب أخرى في اتفاق الصخيرات الذي أصبح اليوم يشكل جزء من المشكل وليس يدا لحل الأزمة الليبية.
ولا تنسى الدول الاعضاء في المغرب العربي أن نظام المخزن إلى وقت غريب كان متحمسا للانضمام الى مجلس التعاون الخليجي بدل الاتحاد المغاربي.
ويرى البعض أن اختيار محمد السادس المناسبة التي يسميها “المسيرة الخضراء” يعد بحد ذاته دليلا على عدم جدية خطابه، بالنظر إلى أن هذا الحدث الذي يعود إلى عام 1975 تعتبره الجزائر تاريخا مشؤوما في مسيرة المغرب العربي عندما “احتل” الملك الراحل حسن الثاني الصحراء الغربية التي لا تظل آخر مستعمرة في القارة الافريقية، وفق النظرة الجزائرية وهو ما يناقض مبادئ قيمها المبنية على نصرة الحركات التحررية.
وبالعودة إلى خطاب محمد السادس فقد قال “أود الوقوف على واقع التفرقة والانشقاق داخل الفضاء المغاربي، في تناقض صارخ وغير معقول مع ما يجمع شعوبنا من أواصر الأخوة، ووحدة الدين واللغة، والتاريخ والمصير المشترك،فهذا الواقع لا يتماشى مع الطموح الذي كان يحفز جيل التحرير والاستقلال إلى تحقيق الوحدة المغاربية، والذي جسده، آنذاك، مؤتمر طنجة سنة 1958، الذي نحتفل بذكراه الستين.”
يقترح المغرب على “الجزائر إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها
وأضاف “قاومنا الاستعمار معا، لسنوات طويلة حتى الحصول على الاستقلال، ونعرف بعضنا جيدا. وكثيرة هي الأسر المغربية والجزائرية التي تربطها أواصر الدم والقرابة ، كما ندرك أن مصالح شعوبنا هي في الوحدة والتكامل والاندماج، دون الحاجة لطرف ثالث للتدخل أو الوساطة بيننا.”
وأردف الملك المغربي قائلا ” غير أنه يجب أن نكون واقعيين، وأن نعترف بأن وضع العلاقات بين البلدين غير طبيعي وغير مقبول، ويشهد الله أنني طالبت، منذ توليت العرش، بصدق وحسن نية، بفتح الحدود بين البلدين، وبتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية.”
وعلى حد قول محمد السادس، فالمغرب “مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية، التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين.”
ويقترح المغرب على “الجزائر إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها، وأؤكد أن المغرب منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين.”
وتتمثل مهمة هذه الآلية في “الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات، ويمكن أن تشكل إطارا عمليا للتعاون، بخصوص مختلف القضايا الثنائية، وخاصة في ما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية.”
تجاوز
يرى مراقبون جزائريون أن خطاب الملك محمد السادس لا يحمل أي صدق وجدية، كون قضية مثل هذه كان من الأولى معالجتها عبر القنوات والطرق الدبلوماسية المعروفة، وهو ما تجاوزه المغرب، حيث حاول من خلاله إظهار نفسه في موقف الباحث عن التعاون والمبادر بالحوار والحل وتسويق الطرف الجزائري على أنه الجانب الذي يطيل الازمة بين البلدين ويفتعل المشاكل.
وفق الرؤية الجزائرية، فإن على الرباط معالجة المشكل من جذوره ، واتخاذ تدابير حقيقة لوقف إغراق الجزائر بالمخدرات باعتبار أن المغرب يحتل مراتب متقدمة في إنتاج الحشيش وفق تقارير دولية وأممية
ورافق خطاب الملك محمد السادس دعاية إعلامية رهيبة تمثلت في رصد إعلام المخزن لتصريحات أطراف داخلية ومسؤولين أجانب وأفارقة وعرب تدعم اليد المغربية الممدودة للجزائر، وتثني عليها لتسوق أنه في حال رفض الجارة الشرقية للرباط هذه الخطوة يتأكد أنها لا ترغب في إنهاء الأزمة بين الطرفين.
وبالنسبة للجزائر، فإن أي حل للأزمات بين البلدين يبدأ بمعالجة المشكل من جذوره، بالنظر إلى أن الرباط كانت المبادرة بغلق الحدود مع شقيقتها الجزائر عام 1994 بعد اتهامها بالوقوف وراء تفجير فندق بمدينة مراكش.
ووفق الرؤية الجزائرية، فإن على الرباط معالجة المشكل من جذوره ، واتخاذ تدابير حقيقة لوقف إغراق الجزائر بالمخدرات باعتبار أن المغرب يحتل مراتب متقدمة في إنتاج الحشيش وفق تقارير دولية وأممية، إضافة إلى وقف التهجم الإعلامي للمخزن الذي يربط أي انتكاسة لنظام محمد السادس بما يسميه ” مؤامرة جزائرية” تستهدف استقراره ووحدته الترابية.
استباق
يرى كثير من المراقبين أن خطوة محمد السادس هدفها التأثير على الجولة المقبلة من المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو حول مصير الصحراء الغربية، والتي تحضرها الجزائر وموريتانيا كملاحظين، غير أن الرباط تقول في كل مرة أن الجزائر طرف في هذا الصراع كونها تستقبل اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف جنوب الجزائر.
وتعتبر الجزائر دعمها للشعب الصحراوي في تقرير مصيره أمرا عاديا بالنظر إلى أن المغرب هو من كان قد وقع سابقا تحت إشراف الأمم المتحدة على تنظيم استفتاء في الصحراء الغربية يكون إما بالاستقلال عن الرباط كليا أو القبول بمقترح الحكم الذاتي.
برأي مراقبين، فإن الجزائر ستعتبر خطاب محمد السادس “لا حدث” بما انه تجاهل القنوات الرسمية المتعارف عليها دولي
وطالب المغرب بأن تكون الجزائر طرفا في هذه المفاوضات التي ستجرى في 5 و6 ديسمبر المقبل، ما جعل المتابعين للعلاقات بين البلدين يعتبرون خطاب محمد السادس استباقا لتحميل الجزائر تبعات هذه المفاوضات في حال فشلها في ظل مطالبة أممية بتسريعه، خاصة في ظل حديث البعض عن خسارة الرباط لداعمين لها كالولايات المتحدة الأمريكية والسعودية التي نفضت يدها من دعمها المطلق لنظام محمد السادس بعد موقفه من الأزمة مع قطر ، حيث كانت الرياض تنتظر انحيازا لها على حساب الدوحة لكن الرباط أرادت إمساك العصا من الوسط ونأت بنفسها عن التخندق مع أي طرف ودعت إلى حوار لوقف الخلاف الخليجي.
كما يعتقد البعض أن المغرب متخوف أيضا من تراجع في الموقف الفرنسي بشأن دعمه له في احتلال الصحراء الغربية، وهو ما جعله يتحرك في الأشهر الماضية لمحاولة تحميل الجزائر أي فشل للجولة المقبلة من المفاوضات.
وبرأي مراقبين، فإن الجزائر ستعتبر خطاب محمد السادس “لا حدث” بما انه تجاهل القنوات الرسمية المتعارف عليها دولي، ولجأ إلى خطاب يحمل الكثير من النوايا التي تعبر عن رغبة صادقة في حل خلاف يحتاج إلى مشاورات ومشاورات وأفعال وأفعال لإبراز جدية هذا الخطاب الجديد للمخزن.