أنهت محكمة الاستئناف في مدينة الدار البيضاء المغربية، مساء أمس الجمعة ولو مؤقتًا، مداولاتها في القضية المتعلقة بالصحافي توفيق بوعشرين مالك ومؤسس جريدة “أخبار اليوم” المستقلة وموقع “اليوم 24″، بالحكم عليه بالسجن 12 عامًا نافذًا، لتزيد بذلك الجدل الذي رافق هذه القضية منذ طورها الابتدائي.
جنس واتجار بالبشر
المحكمة ألزمت أيضًا الصحافي توفيق بوعشرين (49 سنة) بدفع تعويضات مالية، تتراوح بين 100 و500 ألف درهم (بين 9000 و46 ألف يورو) لـ8 ضحايا عن أضرار لحقت بهم، من أصل 15 وردت أسماؤهن في اللائحة التي كان يتلوها القاضي عند بداية الجلسات الأولى للمحاكمة، قبل أن يقرر مواصلتها في جلسات مغلقة.
وأوقف بوعشرين يوم 23 من فبراير/شباط الماضي بمقر جريدة “أخبار اليوم” التي يتولى إدارتها، بناءً على شكايتين من امرأتين تتهمانه بالاعتداء الجنسي، إضافة إلى تصريحات 3 سيدات أخريات أكدن التعرض لاعتداءات منه.
ووجهت إليه اتهامات بارتكاب “جنايات الاتجار بالبشر باستغلال الحاجة والضعف واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال الجنسي عن طريق الاعتياد والتهديد بالتشهير، وارتكابه ضد شخصين مجتمعين، وهتك العرض بالعنف والاغتصاب ومحاولة الاغتصاب المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 1-448، 2-448، 3-448، 485 و114 من مجموعة القانون الجنائي”.
طوال فترة محاكمته التي وصفت بأنها “محاكمة القرن” في المغرب، أصر توفيق بوعشرين على نفي التهم الموجهة إليه
وأيضًا ارتكاب “جنح التحرش الجنسي وجلب واستدراج أشخاص للبغاء، من بينهم امرأة حامل، واستعمال وسائل للتصوير والتسجيل المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 498، 499، 1-503 من القانون نفسه، وهي الأفعال التي يشتبه بأنها ارتكبت في حق 8 ضحايا وقع تصويرهن بواسطة لقطات فيديو يناهز عددها 50 شريطًا مسجلًا على قرص صلب ومسجل فيديو رقمي”.
وعرضت المحكمة خلال الشهور الماضية، في جلسات مغلقة، مقاطع من أصل 50 شريط فيديو أعلنت النيابة العامة ضبطها في مكتب بوعشرين لدى توقيفه وتعتبر أدلة إدانته، في حين يقول هو إنها “مفبركة”، غير أن فريق الدفاع عن بوعشرين قد طعن في صحة الفيديوهات، لكن المحكمة رفضت الطعن، ما أدى إلى انسحاب فريق الدفاع من جلسات المحاكمة بسبب ما اعتبروه “غياب شروط المحاكمة العادلة”.
وعرضت المحكمة في جلسات مغلقة هذه الفيديوهات التي أظهرت “مشاهد فظيعة ومحاولة اغتصاب”، بحسب ما أفاد محامٍ ينوب عن المشتكيات، بينما ظل دفاع بوعشرين يشكك في مصداقية هذه الفيديوهات، وأخضع الدرك الملكي هذه الفيديوهات لخبرة تقنية، بطلب من النيابة العامة ودفاع المطالبات بالحق المدني، خلُصت إلى أنها “غير مفبركة”، لكن دفاع بوعشرين اعتبر أن الخبرة “لم تؤكد أنه هو الذي يظهر فعلًا في هذه الفيديوهات”.
نفي التهم
طوال فترة محاكمته التي وصفت بأنها “محاكمة القرن” في المغرب، أصر توفيق بوعشرين على نفي التهم الموجهة إليه مؤكدًا براءته، خاصة تهمة الاتجار بالبشر والاغتصاب والتحرش الجنسي، وفضل بوعشرين الدفاع عن نفسه بنفسه خلال جلسة المحاكمة أمس، وأكد بوعشرين في كلمته أنه يستحق البراءة في هذا الملف، لأنه لا توجد دلائل على ارتكابه لتلك التهم، مردفًا أنه حتى لو تم التسليم بأنه هو من يظهر في مقاطع الفيديو، فإن ما راج فيها يبرز علاقات جنسية رضائية، وفق ما ذكره محاميه.
أنكر بوعشرين في كلمته أن يكون هو الشخص الذي يظهر في الفيديوهات التي عرضت في أثناء المحاكمة في جلسات مغلقة، مشيرًا إلى أنه لم يرَ سوى علاقات رضائية في أجواء مرحة بعيدًا عن أي ممارسات للاتجار بالبشر، مستدلًا بألفاظ كانت تستخدمها المشتكيات الظاهرات في الفيديوهات، من قبيل “اشتقت إليك” و”هل تحبني”، وغيرها من التعابير ذات الحمولة العاطفية التي تنسف تهمة الاتجار بالبشر التي تعني أن الضحية تكون مستعبدة وتحت الإكراه، حسب محاميه.
وقبل ذلك أنكرت 4 ممن وردت أسماؤهن في اللائحة الاتهامية التعرض لأي اعتداء، وحكمت محكمة الاستئناف هذا الأسبوع على إحداهن بالسجن النافذ 6 أشهر، بسبب البلاغ الكاذب والقذف، بعدما اتهمت الشرطة بتحريف أقوالها.
ضحية صراع بين السلطة والصحافة
في نفس الكلمة، شدد الصحافي المغربي الذي يعرف بمواقفه القوية والناقدة، على أن قضيته لا تتعلق بالتهم الموجهة إليه، بقدر ما ترتبط بكونه قلمًا مزعجًا لبعض الجهات، قائلًا إنه ضحية صراع بين السلطة والصحافة في البلاد، وضحية حرية التعبير وضحية مقالاته التي كان ينتقد فيها بعض الأطراف النافذة.
وأكد بوعشرين أنه علم من مصادر حكومية أن السفارة السعودية تقدمت بشكوى لرئيس الحكومة المغربية تحتج فيها على افتتاحيات انتقد فيها سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولفت الصحافي نفسه إلى أن متابعته بهذه التهمة تأتي في “مناخ يعادي حرية الصحافة، والسلطة اعتقلتني لجرأتي”، مضيفًا “أنا ضحية حرية التعبير، وأنا صحافي ولن أبيع ضميري ونفسي”.
عبر العديد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي عن تنديدهم بهذه المحاكمة
قبل أيام صرح الوزير السابق والقيادي في حزب الاستقلال محمد الخليفة “اتضح الآن لكل متتبع لمحاكمة الصحافي اللامع بوعشرين أن جريمته الوحيدة أنه تبنى بقلمه وفكره قضية بناء المغرب الذي ينشده كل ذي ضمير حي ووطني، إن ما يتم الترويج له مجرد اتهامات باطلة لا يصدقها عقل ولا يسوغها منطق، نحن أمام سيناريو، إن لم أقل مؤامرة، دبرت بليل من أجل إلباسها لباس الجريمة”.
وفي شهر أغسطس/آب الماضي اعتبر رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بن كيران أن “اعتقال بوعشرين بسبب الافتتاحيات (يقصد كتابات بوعشرين) وليس الفتيات”، موضحًا: “أما الفتيات فلسن هنا إلا مجرد مبرر لتسويغ هذا الاعتقال”.
إلى جانب ذلك نبه إسماعيل العلوي الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية المشارك في الحكومة، الحاكمين على أن اعتقال بوعشرين لا يخلو من خطورة لأن المس بحرية الرأي والصحافة هو من أخطر الأمور التي يمكن أن تحدث.
تواصل التضييق على الحريات
محاكمة بوعشرين وجدت صدى كبيرًا لها في المغرب والعالم العربي، حيث عبر العديد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي عن تنديدهم بهذه المحاكمة، ورفضهم تثبيت التهم على الصحفي المغربي، مؤكدين أن ما يتعرض له بوعشرين يمثل نموذجًا لواقع الحريات في المغرب.
تحت هاشتاغ #الحرية_لتوفيق_بوعشرين، كتب الناشط أحمد عبد الله: “لقد جبنت الدولة عن تحقيق النموذج التنموي، وأفلحت في تلفيق التهم للنزهاء من أبناء الوطن، فأي مصداقية ستواجه بها الدولة تقارير منظمات حقوق الإنسان وهي تحاصر حرية التعبير والصحافة الحرة؟”.
بدوره كتب المحلل السياسي ياسر الزعاترة معلقًا على هذا الحكم: “الحكم على الصحافي المغربي توفيق بوعشرين بـ12 عامًا سجنًا نافذًا قضية سياسية وتصفية حسابات، عالمنا العربي يدور في ذات الدائرة البائسة التي بشر ربيع العرب بالخروج منها، فحاصرته الثورة المضادة وجنون التوسع عند خامنئي”.
من جانبه نشر ناشط يضع لنفسه اسم “قذور ولد السهول“، تدوينة على حسابه في توتير قال فيها إن سبب الحكم على الصحفي توفيق بوعشرين بـ12سنة سجنًا وغرامة مالية هي التدوينة التالية “المخزن يريد تمرير رسالة إما أن تكون معنا أو ضدنا والسلام”، وأردف ولد السهول تدوينته بصورة تحمل تدوينة سابق لبوعشرين ينتقد فيها تعامل سلطات بلاده مع نشطاء حراك الريف.
وتعليقًا على الحكم في حق توفيق بوعشرين، شبّه المغربي مصطفى برجال الوضع في بلاده بالوضع في كوريا الشمالية، وكتب تدوينة في حسابه الخاص بموقع فيسبوك جاء فيها “إصدار الحكم ما بعد 12 ليلًا وبـ12 سنة سجنًا على توفيق بوعشرين.. نحن في المغرب وليس كوريا الشمالية”.
وعبر الإعلامي الموريتاني بابا أغ مولود عن تضامنه مع بوعشرين بقوله: “كامل التضامن مع الصحفي المغربي توفيق بوعشرين وهو يواجه هذا الحكم القاسي، عرفته أستاذًا بارعًا في بسط المعرفة لطلابه أيام المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط وممارسًا حاذقًا لمهنته في جريدة الجريدة الأخرى”.
يعتبر العديد من المغاربة أن محاكمة بوعشرين تمثل مواصلة لنهج القمع وسلب الحريات التي تنتهجها السلطات في بلادهم، حيث كثيرًا ما لاحقت السلطات المغربية العديد من الصحفيين ومنعت وسائل عديدة من تغطية الاحتجاجات والفساد في البلاد خوفًا من كشف المستور، وسبق أن أصدر المغرب أحكامًا في حق صحفيين بسبب تغطيتهم لحراك الريف.