حالة من الهلع أصابت العديد من العواصم العربية خلال الأيام القليلة الماضية جراء موجات السيول المتتالية التي ضربت الكثير من المدن مخلفة ورائها عشرات القتلى ومئات المصابين، فضلًا عن حجم غير مسبوق من الخسائر والتلفيات في الممتلكات والبنى التحتية وتعطيل سير العمل وإصابة الحياة العامة لدى مناطق بأكملها بالشلل التام.
موجة سيول جديدة تضرب الأردن الذي لم يستفق بعد من كارثة البحر الميت، ترتقي معها دفعة جديدة من الأرواح إلى السماء، تزامنت مع غرق وافد مصري بالكويت إثر السيول التي خلفت أضرارًا كبيرة دفعت وزير الأشغال حسام الرومي لتقديم استقالته، فيما ضربت الرياض وجدة أمطارًا غزيرة، نفسها التي أصابت الإسكندرية ومطروح وبيروت وتونس.
ردود فعل متباينة حيال الأجواء غير المستقرة للمناخ في المنطقة العربية، بين من يعتبرها هبة من الله ورزق لا يمكن القفز عليه، وآخرون يرونها كاشفة لتردي أغلب البنى التحتية وتعرية واضحة لكذب الخطط والمشروعات التي طالما تم التشدق بها ليل نهار، بينما سيطر الخوف والقلق على الفريق الثالث الذي أعادت تلك السيول إلى مخيلته ذكريات تسونامي الأليمة.
الأردن.. جراح لم تندمل بعد
بعد أقل من أسبوعين فقط على كارثة البحر الميت التي راح ضحيتها قرابة 20 طفلًا بعدما جرفت مياه السيول الهادرة أجسادهم الغضة إلى البحر، ها هي فاجعة أخرى تحل بالمملكة، مخلفة ورائها 10 ضحايا جدد فيما لا يزال البحث مستمرًا عن بقية المفقودين جراء موجة جديدة من السيول.
السيول التي تعرض لها الأردن أمس قسمت المملكة إلى نصفين، حيث فصلت الجنوب عن العاصمة عمان وشمال المملكة، فضلًا عن تسببها في قطع طريق الخط الصحراوي الرابط بين محافظات الكرك ومعان الطفيلة والعقبة عن العاصمة عمان، وحاصرت أعدادًا كبيرة من السيارات على الطريق الصحراوي في منطقة ضبعة البعيدة على نحو 90 كيلومترًا جنوب العاصمة عمان.
حالة من القلق سيطرت على الأردنيين بعد هذه الموجة غير المسبوقة من السيول، ما دفعت وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة جمانة غنيمات، إلى تجديد الدعوة مرة أخرى إلى التعامل بمنتهى الجدية مع التعليمات والإرشادات المتعلقة بالحالة الجوية السائدة.
احتجاز ما يقرب من 3700 سائح في مدينة البتراء السياحية وذلك بعدما أُغلقت المدينة ومُنع الوصول إليها
غنيمات وفي بيان لها حذرت من استمرار حالة عدم الاستقرار الجوي ما يعني احتمالية التعرض إلى سيول جديدة، داعية في الوقت نفسه كل من يقطن بالقرب من المناطق المنخفضة والأودية ومجاري السيول إلى إخلاء مكان سكنه والتوجه إلى المدارس القريبة والمساجد التي فُتحت كمراكز إيواء لمن تضرر من الحالة الجوية.
استشعار الخطورة لما يمكن أن يترتب على هذا الاضطراب المناخي من خسارة ضحايا جدد، دفع المملكة إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى وتسخير قطاعاتها كافة للتعامل مع هذه الكارثة، وهو ما أكده مدير التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية عودة جديفات بقوله إن القوات المسلحة حركت طائرات وقوارب وناقلات جنود ووحدات مدفعية للإنقاذ وتوفير الإنارة لإجراء عمليات البحث في المناطق التي داهمتها السيول، مضيفًا في تصريح لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن ناقلات الجنود توجهت بالأمس إلى مناطق الجفر لإنقاذ بعض المواطنين، مشيرًا إلى أن وحدات المدفعية توفر الإنارة لفرق الإنقاذ في منطقة الوالة.
حادثة البحر الميت تطيح بوزيرين من الحكومة الأردنية
احتجاز 3700 سائح بالبتراء
الأمر لم يتوقف عند الضحايا التي جرفتهم السيول أو الخسائر في الممتلكات الناجمة عنها، بل تجاوز الأمر إلى احتجاز ما يقرب من 3700 سائح في مدينة البتراء السياحية وذلك بعدما أُغلقت المدينة ومُنع الوصول إليها إثر السيول التي اجتاحت المناطق الهابطة في الجنوب، بعدما تجمعت المياه في أعالي جبال الشراه المحيطة في المدن الجنوبية.
هذا بخلاف تكدس آلاف السيارات على الطريق إلى الجنوب خلال اليومين الماضيين، ما تسبب في انعزال مدن وقرى الجنوب تمامًا تخوفًا من تداعيات العاصفة المطرية، وسط أنباء لم تتأكد عن انهيار سد مائي في منطقة الواله المحاذية لمدينة الكرك، مما أدى لإغلاق الطرق البديلة أيضًا.
وكانت السلطات الأردنية قد أعلنت قبل أيام تأمين نحو 3500 سائح أجنبي كانوا في المنطقة التاريخية للبتراء قبل هبوط السيول من أعالي الجبال، منوهة بأن السائحين الذين دخلوا المدينة “تم إخلاؤهم إلى مناطق بعيدة أو توجيههم إلى المناطق المرتفعة لحين انخفاض مستوى منسوب المياه، وما زالت الجهود مستمرة من الأجهزة المعنية لإخلائهم جميعًا”.
يذكر أن هذه السيول قد جرفت كذلك وزيرين من الحكومة الأردنية الحاليّة في آن واحد تقدما باستقالتهما، الأولى وزيرة السياحة لينا عناب التي تقدمت باستقالتها من منصبها عبر حسابها الرسمي على “تويتر” على خلفية كارثة سيول البحر الميت، والثاني وزير التعليم عزمي محافظة.
العاصفة الممطرة التي تعرضت لها الكويت أمس هي الثانية خلال أسبوع، إذ هطلت أمطار غزيرة، الثلاثاء الماضي، الأمر الذي أدى إلى تعطيل العمل في بعض المصالح وتوقف الدراسة جزئيًا
سيول الكويت
موجة من الطقس السيء تضرب الكويت خلال الأيام القليلة الماضية، أسفرت عما يقرب من 410 حالات إصابة، حسبما أعلن وزير الصحة الكويتي الشيخ الدكتور باسل الصباح، مساء أمس الجمعة، موضحًا أن خطة الطوارئ مستمرة حتى تعود الأحوال الجوية إلى حالتها الطبيعية في البلاد.
الوزير في تصريحات لوكالة الأنباء الكويتية “كونا” لفت إلى أنه مع استمرار كثافة سقوط الأمطار ارتفع منسوب المياه في بعض المرافق التابعة للوزارة، مشددًا على أهمية التزام المواطنين والمقيمين بالبقاء في بيوتهم، خاصة مرضى الربو والقلب، مناشدًا إياهم بالجلوس في الأماكن الجافة.
وبالأمس شهدت الكويت أول حالة وفاة جراء السيول التي ضربتها مؤخرًا لوافد آسيوي، كانت قد جرفته في منطقة الفحيحيل جنوب البلاد، بحسب العميد خليل الأمير مدير إدارة الإعلام في الإدارة العامة للإطفاء، الجمعة، الذي كشف أن الجثة قد جرى تسليمها لفرق الطوارئ الطبية، فيما تشير أنباء أخرى إلى حالة وفاة ثانية لوافد مصري يرجح أنها غرقًا بسبب السيول الجارفة.
جدير بالذكر أن العاصفة الممطرة التي تعرضت لها الكويت أمس هي الثانية خلال أسبوع، إذ هطلت أمطار غزيرة الثلاثاء الماضي، الأمر الذي أدى إلى تعطيل العمل في بعض المصالح وتوقف الدراسة جزئيًا، وإصابة الحياة العامة في بعض المدن بالشلل التام، وهو ما دفع وزارة الداخلية إلى مناشدة المواطنين والمقيمين البقاء فى منازلهم، ما لم تستدع الضرورة ذلك.
السيول تجتاح شوارع الكويت
عواصف رعدية في الإسكندرية وتونس
كما ضربت العواصف الرعدية العديد من المدن العربية خلال الساعات القليلة الماضية مع توقع تصاعد موجات الطقس السيء الأيام المقبلة، ففي الإسكندرية غرقت بعض الشوارع الرئيسية في المدينة جراء هطول الأمطار الرعدية الغزيرة، خلال النوة التي تسمى بـ”المكنسة” التي قد تستمر 4 أيام، ما أصاب أجزاء كبيرة من المدينة بالتوقف التام.
وفي تونس كان الوضع كارثيًا من الدرجة الأولى، حيث تعرضت البلاد إلى موجات من الأمطار الغزيرة لم تشهدها منذ 20 عامًا، أسفرت عن مقتل 4 أشخاص وإصابة العشرات على الأقل في مناطق شمال شرق تونس، وذلك خلال الموجة الرعدية التي شهدتها في أواخر سبتمبر الماضي.
العاصفة الممطرة تسببت في ارتفاع مستوى المياه في بعض المناطق إلى 1.7 متر، وتضررت الجسور والطرق بسبب الأمطار القياسية، التي سقطت بما يوازي الكميات التي تسقط خلال 6 أشهر في الظروف الطبيعية، فيما أشارت هيئة الأرصاد الجوية التونسية إلى أن تلك الأمطار هي الأكثر غزارة التي تسجل منذ بدء الهيئة في التسجيل عام 1995.
عواصف رعدية ممطرة تضرب الإسكندرية
غضب وسخرية
انتقلت حالة القلق جراء السيول التي ضربت المدن العربية إلى منصات التواصل الاجتماعي، حيث تناقل روادها مقاطع مصورة ومرئية للمناطق التي تعرضت لهذه العواصف الممطرة، مستنكرين هشاشة البنى التحتية ومطالبين بمحاسبة المقصرين، فيما أشاد آخرون ببسالة بعض رجال الإنقاذ كالغطاس حارث الجبور الذي لقي حتفه في أثناء محاولته إنقاذ من جرفتهم السيول.
اللهم أرحمه واغفرله ، اللهم نقهّ من الذنوب و الخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم احشره مع المتقين ، اللهم ارحمه برحمتك الواسعه وادخله فسيح جناتك اللهم امين
#حارث_الجبور
#سيول_الاردن pic.twitter.com/5yxY8OtIgc
— ﮼جعفر ﮼الصخري💙🇯🇴 (@jafar_alzaban) November 10, 2018
وتحت وسم #سيول_الأردن غرد أحمد ربيحات محملًا الفساد مسؤولية هذه الفاجعة
https://twitter.com/A7mad_Rbe7at/status/1060998353784373250
أما أحمد جاد الله فاستنكر اهتمام الحكومة بالبنى التحتية في البتراء وتجاهل المناطق الأخرى
#سيول_الاردن
عاجل :
السيول وصلت البتراء دون اي مساس بالخزنه فقد قام الانباط ببناء شبكات تصريف المياه دون عطاءات ولم يكن هناك مجلس نواب ولا وزارة أشغال😊
امااحنا صلاة النبي ، عنا نواب وأشغال وبلديات واذا بتنقط السما بنغرق🤦🏻♂️
الله يحسن ختامنا جميعا في احد الدول الاوربيه☝🏻🤲🏻 pic.twitter.com/XEZqm3nG7S
— Ahmed jadallah | HKJ (@Ahmed___Mousa) November 9, 2018
بينما وجه يزيد جميل حديثه لرئيس الحكومة مطالبا بوضع برنامج عاجل لتصويب الأوضاع قبل خسارة المزيد من المواطنين، محملا إياه والملك مسئولية ما يحدث.
كما غرد آخرون تحت وسم #الكويت_تغرق، حيث دعا فهد الشيخ إلى حفظ الكويت والأردن على حد سواء
https://twitter.com/fmshaik/status/1060990780121202689
فيما سخر آخرون من البنى التحتية في دول الخليج التي تتعرى بشكل واضح مع كل عاصفة ممطرة تتعرض لها أي من تلك الدول، مقارنة بدول أخرى تتعرض لأمطار شبه يومية وليس لديها الإمكانات التي تتوفر للحكومات الخليجية.
https://twitter.com/q8slmoon/status/1061097598730297344
وهكذا تدفع الشعوب العربية ثمن تفشي الفساد الذي عشش في معظم أروقة السلطات والحكومات وتقاعس المسئولين عن القيام بالحد الأدنى من دورهم المنوط به الحفاظ على حياة المواطنين في المقام الأول، بدلا من أن تعريضهم ما بين الحين والآخر لمخاطر قد تكلفهم حياتهم، بينما أكتفوا هم داخل مكاتبهم المكيفة بالصراخ والتنديد أحيانا وإطلاق الوعود المستهلكة بعدم تكرار مثل هذه الحوادث أحايين أخرى.