“لدينا علاقة جيدة جدًا مع الأكراد ونحاول مساعدتهم كثيرًا، عليك ألا تنسى أن هذه أرضهم وعلينا أن نساعدهم، وأنا أريد أن أساعدهم، حصلنا على دعم كبير من الأكراد، لقد قاتلوا إلى جانبنا ومات مقاتلوهم الأشداء إلى جانب مقاتلينا، وانتصرنا على داعش معًا، هم أناس عظماء، وتأكد أننا لن ننسى ذلك”.
القول هنا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مجال رده على سؤال وجهه مجيد نظام الدين مدير مكتب شبكة “رووداو” الكردية العراقية، في نيويورك، بشأن مستقبل العلاقات بين أمريكا والأكراد في سوريا بعد القضاء على التنظيم، وفي ظل الضغط الذي يتعرضون له في العراق وسوريا، وماذا يمكن لواشنطن أن تقدم لهم كحلفاء لها في المنطقة.
وبينما تواصل واشنطن دعمها المطلق للميليشيات الكردية، تعلن تخصيص مكافآت لمن يساهم في تقديم معلومات تقود إلى القبض على قادة تابعين حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” المصنف “إرهابيًا” لدى تركيا والولايات المتحدة، في الوقت نفسه تحتضن المعارض التركي فتح الله غولن الموجود على الأراضي الأمريكية الذي تطالب أنقرة بتسليمه، حيث تتهمه بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة.
القياديون الـ3 في حزب العمال الكردستاني الذين أعلنت أمريكا مكافآت لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض عليهم
مكافآت مقابل معلومات
كانت السفارة الأمريكية بأنقرة قد أعلنت عبر حسابها على “تويتر”، الثلاثاء الماضي، رصد مكافآت بقيمة 12 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض على 3 من قياديي حزب العمال الكردستاني، وهم مراد قرايلان وهو أحد مؤسسي الحزب والقائد العام لقوات الدفاع الشعبي الكردستاني الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، وخاض عدة معارك ضد الجيش التركي، وكان له دور كبير في إبقاء الحزب وكوادره متماسكين بعد اعتقال زعيم الحزب عبد الله أوجلان عام 1999، وأصدرت تركيا مذكرة اعتقال بحقه إلى جانب اثنين من رفاقه بعدة تهم من أهمها “الإرهاب”.
REWARD OFFER- PKK key leaders. Provide information and payment may be possible. 100% confidentiality guaranteed. Relocation may be possible. https://t.co/LtBVhsrwTc #RFJ pic.twitter.com/6k4yhkZs99
— Rewards for Justice (@Rewards4Justice) November 6, 2018
الثاني هو جميل بايق العضو في اللجنة التنفيذية للحزب وأحد مؤسسيه ضمن مجموعة مؤلفة من 5، كما أنه الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني التي تضم مجموعة من الأحزاب الكردية في كل من سوريا والعراق وإيران وتركيا، بالإضافة إلى دوران كالكان أحد مؤسسي الحزب وأهم قيادييه، وترك العمل العسكري ليصبح مسؤولًا ماليًا في الحزب، وتولى إدارة وتمويل الشركات التابعة للحزب في مختلف أنحاء العالم خاصة في أوروبا.
وبحكم الأمر الواقع يُنظر إلى قره إيلان وبايك على أنهما زعيما حزب العمال بعد اعتقال تركيا مؤسس الحزب وزعيمه عبد الله أوجلان عام 1999، ويقضي حاليًا عقوبة السجن المؤبد في سجن خارج إسطنبول، ويعتقد محللون أن قره إيلان وبايك موجودان في جبال قنديل النائية في شمال العراق حيث لحزب العمال قواعد خلفية، مع ترجيح بعض الخبراء إمكان زيارتهما إيران في بعض المناسبات.
أكد رئيس حزب الحركة القومية التركي دولت بهجة لي “الولايات المتحدة أفضل من يعرف مكان القياديين الـ3 المذكورين، وهي قادرة على العثور عليهم إن أرادت ذلك”
أثارت الخطوة الأمريكية المفاجئة التي جاءات في أعقاب زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي ماثيو بالمر إلى أنقرة، المزيد من الشكوك لدى الأتراك وغيرهم في المنطقة، وتناولتها وسائل الإعلام التركية بمحاولات لقراءة دوافعها والاعتبارات التي قادت واشنطن إليها، لكنها ركزت على أن الاختبار الحقيقي لواشنطن يكمن في موقفها من امتدادات حزب العمال الكردستاني.
ودفع الموقف الأمريكي المتناقض تجاه الوحدات الكردية في سوريا والعراق وتركيا وإيران، أنقرة إلى تلقي القرار الأمريكي غير المتوقع بتحفظ لافت للعيان، وبدا ذلك في الإعلان الرسمي على لسان الناطق باسم الرئاسة إبراهيم قالين أن قرار أمريكا “لن يخدعها”، والعبرة تكمن في طريقة تعاملها مع “امتدادات الحزب” التي تحمل السلاح الذي تحصل عليه من واشنطن في مواجهة تركيا.
وشكك البعض في مغزى هذه الخطوة، حيث أكد رئيس حزب الحركة القومية التركي دولت بهجة لي في سلسلة تغريدات على حسابه بموقع “تويتر”: “الولايات المتحدة أفضل من يعرف مكان القياديين الـ3 المذكورين، وهي قادرة على العثور عليهم إن أرادت ذلك”، ورأي في تغريدة أخرى “غرض الولايات المتحدة والسيناريو مختلف، فهناك لعبة جديدة، حيث يفكرون في إبراز وحدات حماية الشعب والتستر على حزب العمال الكردستاني”.
التعامل مع الأحزاب وفقًا لأسمائها
كيف ستقنع واشنطن أنقرة بقرارها، وهي التي تعمل مع حلفاء الحزب ممثلين في قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية؟ وهل يعني القرار الأمريكي انتهاء دور حزب العمال بالنسبة لواشنطن؟ وهل يحمل القرار الأمريكي تغييرًا جوهريًا في موقف الولايات المتحدة الداعم لإقامة وطن كردي شمالي سوريا؟ وما علاقة ذلك بموقف واشنطن من تماسك التقارب التركي الروسي الإيراني في معالجة الأزمة السورية؟
من المرجح أن يكون إعلان هذه المكافآت قد جاء لإرضاء أنقرة التي تحض حلفاءها الغربيين منذ وقت طويل على اتخاذ موقف أكثر تشددًا ضد حزب العمال الكردستاني
تفسر الإجابات عن هذه الأسئلة خلفيات القرار الأمريكي غير المتوقع، فرغم أن الولايات المتحدة تعتبر حزب العمال الكردستاني تنظيمًا إرهابيًا، مثلما تعتبره السلطات التركية التي تخوض عمليات عسكرية ضده بجنوب شرقي تركيا وشمال العراق، فإن واشنطن لم تقتنع حتى هذه اللحظة بأن حزب العمال الكردستاني بتركيا هو نفسه حزب الاتحاد الديمقراطي بسوريا.
وبالتالي فإن هذه الخطوة لا تشكل تغييرًا جوهريًا في سياسة واشنطن تجاه الحزب ما لم تغير سياستها تجاه امتداداته، ومن المرجح أن يكون إعلان هذه المكافآت قد جاء لإرضاء أنقرة التي تحض حلفاءها الغربيين منذ وقت طويل على اتخاذ موقف أكثر تشددًا ضد حزب العمال الكردستاني.
من جهة أخرى، عزا الكاتب في الشؤون الأمنية والعسكرية التركية متي يارار تخلي واشنطن عن القادة الـ3 إلى عدة أسباب، منها إخفاقهم في مسيرة قيادتهم للحزب في حربه على تركيا من ناحية، وقربهم من طهران التي تعمل واشنطن على إحكام الطوق حول رقبتها من الاتجاهات كافة من ناحية أخرى.
بينما أرجع محللون هذا الإجراء إلى رغبة أمريكا بتسجيل اسمها لدى تركيا كشريك عاونها في الوصول إلى هؤلاء الـ3 الذين اقتربت مسيرتهم من نهايتها بعد قتل وأسر عدد كبير من قادة الحزب المقربين منهم من الجيش التركي، فواشنطن تصوغ سياساتها تجاه القوى والأحزاب لتشمل امتدادات تلك القوى، أسوة بموقفها من امتدادات تنظيم القاعدة وجبهة النصرة.
وفي رأي الكاتب التركي طه أوزهان في مقال نشرته مجلة “ذي ميدل إيست آي” البريطانية، فإن علاقات الولايات المتحدة الوطيدة مع حزب العمال الكردستاني وحركة غولن هي ما ألحق أضرارًا جسيمة بالعلاقات الثنائية بين تركيا وأمريكا منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما، فالولايات المتحدة تصر على الاحتفاظ بعلاقة غير منطقية مع حزب العمال الكردستاني الذي يتحمل المسؤولية عن قتل الآلاف من الناس في هجمات إرهابية مروعة.
ويرجع ذلك إلى تعامل الولايات المتحدة مع الحزب وفقًا لمسمياته، فهناك أحزاب كردية خارج تركيا تتبنى أيديولوجيا زعيم الحزب عبد الله أوجلان المسجون في زنزانة منفردة في جزيرة إيمرالي في تركيا منذ قرابة 20 عامًا، ويحظى ببعضها بالدعم الأمريكي، ففي العراق حزب الحل الديمقراطي، وفي إيران حزب الحياة الحرة وفي سوريا حزب الاتحاد الديمقراطي.
موجة متقلبة بين امتدادات الحزب
هناك عدد من الملفات الشائكة التي تتباين فيها بوضوح رؤية أنقرة وواشنطن، أولها الدعم الأمريكي للمقاتلين الأكراد في شمال سوريا وشرقها، وتحديدًا وحدات حماية الشعب التي تمثل القوة الأساسية في قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وتنشر أمريكا قوات تابعة لها في مناطق القوات الديمقراطية بعدة مدن وقرى، لكنها رغم ذلك لم تتدخل عند اجتياح تركيا وفصائل سوريا معارضة مدينة عفرين التي كانت خاضعة لسيطرة الوحدات الكردية.
كان الدعم الأمريكي للأكراد في شمال سوريا محل انتقادات متكررة من الرئيس التركي
ويرجع هذا الدعم الى اعتماد واشنطن على المقاتلين الأكراد في التصدى لتنظيم “داعش” من جانب، وحاجتها إلى قوات موالية لها في شمال سوريا تتصدى للنفوذ الروسي – الإيراني من جانب آخر، غير أن المشكلة أن تركيا تصنف وحدات حماية الشعب على أنها منظمة إرهابية بسبب ارتباطها، حسب ما تقول أنقرة، بحزب العمال الكردستاني.
وبالتالي كان الدعم الأمريكي للأكراد في شمال سوريا محل انتقادات متكررة من الرئيس التركي الذي تساءل كثيرًا في خطاباته عن أسباب دعم واشنطن لمن يصفهم بـ”الإرهابيين” في الوقت الذي تطالب فيه واشنطن قادة المنطقة بمكافحة الإرهاب.
وتبقى مشكلة أخرى معلقة، وهي مشكلة فتح الله غولن الذي تتهمه السلطات التركية بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 من يوليو/تموز 2016، وتطالب أنقرة السلطات الأمريكية بتسليم غولن الذي يقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، وهو ما ترفضه واشنطن، واقترح أردوغان مبادلة غولن مع القس الأمريكي، وهو اقتراح ترفضه واشنطن.
لا يمكن لأنقرة أن تثق بإخلاص واشنطن في تحالفها معها عندما تضع القادة الـ3 لحزب العمال على قائمة المطلوبين لديها، فيما تزود حلفاءهم من قوات سوريا الديمقراطية بشاحنات من السلاح
وعند الحديث عن محاولة الانقلاب الفاشلة، لا يتوقف الخلاف بشأن دور غولن في دعم الانقلاب، حسب ما تقول أنقرة، بل تكررت الاتهامات في وسائل الإعلام التركية للمخابرات الأمريكية بأنها كانت وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، وأن قاعدة “أنجيرليك” الجوية، الموجودة في تركيا والتابعة لحلف الناتو، كانت مركز التخطيط لهذا الانقلاب.
وبالتالي لا يمكن لأنقرة أن تثق بإخلاص واشنطن في تحالفها معها عندما تضع القادة الـ3 لحزب العمال على قائمة المطلوبين لديها، فيما تزود حلفاءهم من قوات سوريا الديمقراطية بشاحنات من السلاح، وهي تعلم أن هذا السلاح سيستخدم ضد تركيا، وعلى ما يبدو أن الأتراك يريدون خطوات ملموسة تزيل الشكوك عن مواقف واشنطن في قضايا عديدة، تتقدمها قضية المعارض التركي فتح الله غولن الموجود على الأراضي الأمريكية.