كتب وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” مقالاً نشره في مجلة فورين آفيرز الأمريكية، مناقشًا السياسة الخارجية الإيرانية في عهد الرئيس الإيراني حسن روحاني.
وقال ظريف إن سياسة إيران ما بعد الثورة الإسلامية عام 1979 اعتمدت على عدد من الركائز والأهداف التي تضمنها دستور البلاد، مثل الحفاظ على استقلال إيران ووحدة أراضيه، والحفاظ على الأمن القومي للبلاد، وضمان تنمية مستدامة على مستوى الوطن، كما سعت إيران لتعزيز حضورها الدولي والإقليمي خاصة في البلدان المسلمة، ونشر القيم التي تتبناها خاصةً الديمقراطية الإسلامية، بالإضافة إلى بناء علاقات مع كافة الدول.
ومضى ظريف في الحديث عن الفترة التي أعقبت الحرب الباردة، وكيف أن الأمريكيين تسرعوا بشدة في تبني نظريات “نهاية التاريخ” التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي، واعتقاد عدد كبير من الفلاسفة الغربيين أن هذه المرحلة هي نهاية التاريخ، وأن “صراع الحضارات” لابد وأن ينتهي بانتصار النموذج الليبرالي الرأسمالي على كافة النماذج الأخرى، شيوعية كانت أو إسلامية، إلى الحد الذي جعل العديدين يصورون المجتمعات الإسلامية كعدو أيديولوجي على نطاق عالمي.
ويؤكد ظريف في مقاله أن العالم الآن يمضي في اتجاه أكثر وحدوية، ولم يعد بالإمكان على أي دولة أن تنعزل بشكل طوعي أو جبري، وعلى الرغم من ذلك، تصر بعض القوى الدولية على الدخول في حروب صفرية، تؤدي إلى خسارة جميع الأطراف.
مشيرًا إلى الولايات المتحدة فيقول ظريف، إن القوى الدولية وحتى القوى الصاعدة ترغب في حل خلافاتها باستخدام الوسائل العسكرية، وهو ما يناقض طبيعة المرحلة التي تفرضها العولمة، من ارتفاع قيمة التعاون والعمل الجماعي.
ويتحدث جواد ظريف عن إيران قائلاً إنها تقف في موقع فريد من الجغرافيا والتاريخ في هذه الحقبة من السياسة العالمية، إن أي تحليل موضوعي للسمات الفريدة التي تتميز بها إيران، يكشف عن إمكانات كبيرة تمتلكها البلاد للقيام بدور بارز إقليميًا وعالميًا، فالجمهورية الإسلامية يمكن أن تسهم بفعالية في استعادة السلام الإقليمي والأمن والاستقرار وأن تلعب دورًا محوريًا في العلاقات الدولية، كما أن إيران تتميز بعدد من الخصائص التاريخية التي يمكن اعتبارها نقاط قوة، مثل كونها لم تتعرض للاستعمار من قبل، ونجاحها في إنشاء نموذج ديمقراطي ديني يحتفظ بهوية ثقافية مميزة تدمج بين الثقافة الإيرانية والإسلامية.
إيران وجدت نفسها في منطقة مضطربة بشكل جذري، الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين أثر بشكل مدمر على الشرق الأوسط بأكمله، كما أن الاضطرابات والعنف وعدم الاستقرار نما في المنطقة بسبب سلسلة من التدخلات العسكرية التي طال أمدها سواء في العراق أو أفغانستان، بالإضافة إلى الاضطرابات السياسية في العالم العربي من 2011 وتداعياتها الدموية، التي – بحسب ظريف- أطلق عليها البعض لفظ “”لربيع العربي” وآخرون اسموها “الصحوة الإسلامية” ويبدو أنها ستستمر لبعض الوقت.
ومع هذه الصورة الإقليمية الشاملة، بالإضافة إلى ديناميات العمل بين اللاعبين المحليين والدوليين، خاصة الولايات المتحدة، يجب على إيران أن تتعامل مع عدد من التحديات الرئيسية في علاقاتها الخارجية، خاصة في وجود جيران وأطراف فاعلين في بلدان مثل أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا يحملون أجندة لا لبس فيها من العداء لإيران والشيعة واعتبار إيران تهديدًا للسلم والأمن الإقليميين.
وفي هذا السياق، حقق “حسن روحاني” نصرًا حاسمًا من الجولة الأولى ضد خمسة من منافسيه المحافظين ببرنامج سياسي يتميز بالاعتدال والحكمة ويفتح الباب أمام تحول حقيقي في السياسة الإيرانية.
مواقف روحاني طمأنت الناخب الإيراني؛ حيث استند في سياسته الخارجية على معالجة الوضع الذي خلفته ثمان سنوات من التوتر في عهد إدارة أحمدي نجاد، كما دعا إلى خطاب “حكيم ومعتدل” يهدف إلى الحوار والتفاعل البناء، مع النظر إلى حماية الأمن القومي الإيراني وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
وفي هذا الإطار، تستند السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية في ظل الإدارة الحالية على تحقيق التفاعل على المستوى الوطني والمشاركة البناءة على المستوى الدولي.
إن أهداف وزارة الخارجية الإيرانية الرئيسية يمكن حصرها في توسيع وتعميق العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف من خلال المشاركة الفعالة في مجموعة واسعة من الدول والمنظمات، كما تسعى إيران للدفاع عن حقوق المواطنين الإيرانيين في كل مكان، وتعزيز الثقافة الإيرانية الإسلامية واللغة الفارسية والقيم الإسلامية والديمقراطية الإسلامية كشكل من أشكال الحكم، و ستواصل الجمهورية الإسلامية دعم قضايا المظلومين في كل أنحاء العالم لا سيما في فلسطين، وستواصل رفضها المبدئي للانتهاكات “الصهيونية” في العالم الإسلامي.
إن الأولوية القصوى لإيران هي في نزع فتيل الأزمة، ودحر الحملة المعادية لإيران التي تقودها إسرائيل وأمريكا، إن الأزمة النووية الإيرانية مختلقة بالكامل، ولذلك فيمكن التعامل معها، إن إيران ليس لديها مصلحة في الحصول على السلاح النووي، وهي على اقتناع بأن هذه الأسلحة لن تعزز أمن البلاد، ولا تملك إيران الوسائل للانخراط في الردع النووي، وعلاوة على ذلك ترى الحكومة الإيرانية أن التنافس على السلاح النووي سيثير المنطقة مما يفقد إيران ميزة التفوق العسكري الإيراني.
الشعب الإيراني بمشاركته الكثيفة في الانتخابات الرئاسية في العام الماضي؛ وفر فرصة فريدة للحكومة الجديدة لرسم مسار مختلف وأكثر تفاؤلاً، والجمهورية الإسلامية مصممة على تكريم شعبها وخياراته.
ولتحقيق النجاح في مسعى إيران – يختم ظريف – يتحتم على الدول الأخرى أن تقبل الدور الإيراني البارز في الشرق الأوسط، والاعتراف واحترام حقوق إيران المشروعة ومصالحها ومخاوفها الأمنية، كما أنه من المهم على الغربيين وخاصة الأمريكيين تعديل فهمهم لإيران وللشرق الأوسط وتطوير فهم أفضل لواقع المنطقة، أما القيادة فإن عليها اغتنام هذه الفرصة التاريخية والتي قد لا تأتي مرة أخرى.
يجب ألا تضيع هذه الفرصة!