في مايو/ آيار 2011، قامت الشرطة السرية باقتيادي من منزلي في المملكة السعودية في منتصف الليل، بينما كان ابني البالغ من العمر 5 سنوات نائما. كنت حينها لأختفي دون أي أثر، لولا شجاعة شاهد عيان وهو عمر الجهني، الذي خاطر بحياته عبر نقل تلك الحادثة مباشرة عبر تويتر.
ولكن تويتر، المنصة التي أنقذت حياتي في يوم من الأيام، باتت الآن تشكل تهديدا بالنسبة لي. حيث أن الأحداث والتطورات التي تلت اغتيال جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، أظهرت لي أن أرواح الصحفيين الآخرين والنشطاء هي أيضا مهددة.
وبعد 7 سنوات من انقاذ تويتر لي، اتخذت مؤخرا قرارا بمحو حسابي على تويتر مباشرة أمام الناس، وأمام حوالي ألف من المتابعين. وقد كان حسابي الذي أغلقته يتابعه 295 ألف شخص، ولكنني قررت الانقطاع عن التواصل معهم إلى الأبد.
انخرط الناس في هذه المنصات حتى يشاركوا في القضايا التي يؤمنون بها. وكان تقرير شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي يظهر سنة بعد أخرى أن الأمة السعودية هي الرقم واحد عربيا في عدد المستخدمين النشطاء وعدد التغريدات اليومية
لقد عشت تحت النظام الملكي المطلق والاستبداد السعودي، أين تسيطر الدولة على الهواء الذي نتنفسه. وقد وفرت منصات التواصل الاجتماعي فرصة غير مسبوقة بالنسبة لنا، لنتكلم بحرية.
وبينما قامت الدولة بأقصى جهدها لمراقبة كل تكنولوجيا جديدة، ومن بينها الانترنت، فإنها لم تتمكن من فعل هذا الأمر مع منصات التواصل الاجتماعي. حيث أن هذه المنصات كانت خارج سيطرتها، على الأقل لبضعة سنوات. وقد رد أحد الأصدقاء على تغريدة لي في 2011، عندما أصبح تويتر رمزا للحرية في السعودية، وكتب: “أشعر بالإحراج لأنني انتظرت كل هذا الوقت حتى انضمت أمي إلى تويتر وبدأت تتابع حملتك قبل أن أنضم أنا”.
وقد انخرط الناس في هذه المنصات حتى يشاركوا في القضايا التي يؤمنون بها. وكان تقرير شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي يظهر سنة بعد أخرى أن الأمة السعودية هي الرقم واحد عربيا في عدد المستخدمين النشطاء وعدد التغريدات اليومية.
ولكن الحكومات الاستبدادية حين تكتشف قوة هذه الأدوات، فإنها تختار استغلالها. وتعتمد الحكومات القمعية على وسائل المراقبة الجماعية، وتتلاعب بالحوار العام وتفرض روايتها هي للأحداث.
وقد أظهر الباحثون كيف قامت الحكومة السعودية فعليا بتوجيه وتحريف الحوارات على تويتر بالاعتماد على الحسابات المدارة آليا وحسابات المشاغبين مدفوعة الثمن، بينما قامت أيضا، في الآن ذاته، بتوجيه التهديدات المباشرة والغير مباشرة، والمضايقات وعمليات الاعتقال والسجن ضد كل أصحاب الآراء المؤثرة، الذين تجرؤوا على عدم الترويج للحكومة.
تعرضت عدد من الأصوات البارزة في تويتر للضغوط، من أجل حذف حساباتها أو التوقف عن التغريد. وقد اكتشفنا لاحقا أن البعض منهم تعرضوا للإعتقال والرمي وراء القضبان، تحت ذريعة محاربة الإرهاب
وقد أصبح تويتر مليئا بالمضايقات، والتهديدات بالقتل، والترهيب والأخبار الكاذبة حولنا نحن الذين قررنا الخروج والتحدث في العالم العربي. إلا أن تويتر لم يقم بأي تغيير حقيقي لجعل هذه المنصة أكثر أمنا بالنسبة لنا، وهو ما دفع كثيرين أعرفهم لمغادرة هذه المنصة. ورغم ذلك فإنني واصلت التعبير عن آرائي هنالك، وآمنت بأن تلك الحكومات هي التي يجب أن تكون خائفة وليس نحن. واعتقدت بأنني أخيرا أصبح لدي صوت، ويجب عليا الاستفادة منه.
إلا أن الأمور شهدت تغييرات دراماتيكية خلال العام الماضي، عندما أطلقت الحكومة السعودية حملة شعواء ضد أصحاب الحسابات المؤثرة في تويتر. وكان سعود القحطاني، رئيس الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة، والمستشار السابق لولي العهد، والذي يعتقد أنه يقف وراء الجيش السيبراني، أو من يسميهم نشطاء حقوق الإنسان “الذباب الالكتروني”.
فقد أنشأ القحطاني “وسم قائمة سوداء” خلال العام الماضي بعد أن تم فرض الحصار على قطر، يدعو فيه مستخدمي تويتر للتبليغ عن كل الحسابات التي تتعاطف مع قطر.
وقد تعرضت عدد من الأصوات البارزة في تويتر للضغوط، من أجل حذف حساباتها أو التوقف عن التغريد. وقد اكتشفنا لاحقا أن البعض منهم تعرضوا للإعتقال والرمي وراء القضبان، تحت ذريعة محاربة الإرهاب. وأحد هذه الشخصيات المعروفة في تويتر هو عصام الزامل، رجل الأعمال والخبير الاقتصادي الذي انتقد خطط الطرح الأولي لأسهم أرامكو، وهو الآن متهم بقضايا متعلقة بالإرهاب.
كما أن البعض من أولئك الذين نجو من الاعتقالات تم الاتصال بهم هاتفيا أو استدعائهم، وإجبارهم على التوقيع على تعهدات بالتوقف عن النشاط في تويتر. وخلال نفس الشهر، تلقيت مكالمتين عبر الهاتف على شريحة رقمي الأسترالي من عضو في الأمن الوطني، كان يطلب مني نفس الشيء. ولكنني رفضت الخضوع للصمت وواصلت التغريد حول القضايا السعودية. وخلال نفس الفترة، بدأ النشطاء يكتشفون أن الأجهزة الأمنية كانت بصدد تلفيق الاتهامات لعدد أكبر من مستخدمي تويتر.
وكثيرون منهم بدأوا بمحو أرشيف تغريداتهم، ولكن الخطر بالنسبة لنا لم يتوقف هنا، لأنه حتى بعد محو هذه التغريدات، لم يؤكد لنا موقع تويتر أنها اختفت من الأرشيف أم أن التغريدات المحذوفة لا تزال متاحة ليطلع عليها المطورون.
عندما انهار المسؤولون السعوديون في النهاية تحت الضغوط واعترفوا بمقتله في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، أصبح ثالث أكثر الوسوم تداول هو جملة “أنا عربي ومحمد بن سلمان يمثلني”. وفي ذلك اليوم، أصبح واضحا بالنسبة لي أننا فقدنا السيطرة على منصات التواصل الاجتماعي لفائدة الدكتاتوريين
ورغم أن بعض الحسابات مجهولة الهوية قامت في البداية بتحدي السلطات، فإنها في النهاية تم إسكاتها في آذار/ مارس من العام الماضي. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن أجهزة المخابرات السعودية تمكنت من اختراق هذه الحسابات عبر عميل لها داخل شركة تويتر، وهو علي آل زبارة (متحدث باسم تويتر رفض التعليق على هذه القضية). كما أن تركي الجاسر، المحرر الصحفي الذي يعتقد أنه مالك أحد هذه الحسابات، كشفت تقارير عن وفاته تحت التعذيب، بعد اعتقاله في 15 آذار/ مارس.
وقد تواصل معي شخصيا أفراد لم يكشفوا عن هوياتهم أكدوا لي اختفاء هذا الرجل الذي كان يقف وراء حساب باسم @Sama7ti، كما أن هنالك حساب آخر رفض الخضوع لضغوط السلطات (أعرف أيضا الهوية الكاملة لصاحب هذا الحساب).
وعندما تابعت المواضيع المتداولة في تويتر في السعودية وأنحاء العالم في الأسابيع التي تلت اختفاء جمال خاشقجي، أصبحت الأمور واضحة بالنسبة لي. إذ أنه في الأسبوع الأول، بينما كان باقي العالم ينشر تحت وسم #جمال_خاشقجي، كان الوسم السائد في السعودية هو #اختطاف_نملة_و_صرصور ووسم #الجمال_جمال_الروح.
وكانت هنالك تغريدات كثيرة تحت هذين الوسمين، الهدف منها هو إغراق أي وسم آخر يتحدث بجدية حول قضية جمال، مستغلين التشابه بين الجمال جمال الروح واسم هذا الصحفي.
وعلى مدى أسبوعين، بينما كانت باقي دول العالم في سباق لكشف ملابسات اختفاء خاشقجي وامكانية مقتله، كان الأمر كما لو أن السعوديين يعيشون في فقاعة بمفردهم. وعندما انهار المسؤولون السعوديون في النهاية تحت الضغوط واعترفوا بمقتله في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، أصبح ثالث أكثر الوسوم تداول هو جملة “أنا عربي ومحمد بن سلمان يمثلني”. وفي ذلك اليوم، أصبح واضحا بالنسبة لي أننا فقدنا السيطرة على منصات التواصل الاجتماعي لفائدة الدكتاتوريين.
يجب على القائمين على هذه المنصات عدم السماح لأصحاب النفوذ والثروة بالتلاعب بالنقاش العام والتحكم فيه. لأن حرية التعبير تحمي باقي الحريات، ومسؤوليتنا هي حمايتها
وتويتر الذي كان في ما مضى أداة لتغيير الخطاب العام، ومنح صوت لمن لا صوت لهم، والدفع نحو العدالة الاجتماعية، أصبح الآن بمثابة فخ، تستخدمه أنظمتنا لإصطيادنا وإسكاتنا.
والآن يتم استخدام تويتر لنشر الأخبار المزيفة و بروباغاندا النظام على نطاق أوسع مما كان عليه الأمر في السابق.
ورغم أن تويتر قام في النهاية بغلق 70 مليون حساب وهمي ومزيف في الفترة بين مايو/ أيار ويونيو/ حزيران من ذلك العام، فإن هذه الخطوة لم تكن كافية. أنا أدعو اليوم صانعي التقنية لبناء شبكات تواصل اجتماعي لامركزية، لا تقوم بتخزين وبيع بياناتنا، بل أريد منصات مبنية على مبدأ الاستخدام العادل والنزيه، والتي تكافئ المحتوى الأصلي والحقيقي، عوضا عن مكافأة الحسابات المدارة آليا والمزيفة.
يجب على القائمين على هذه المنصات عدم السماح لأصحاب النفوذ والثروة بالتلاعب بالنقاش العام والتحكم فيه. لأن حرية التعبير تحمي باقي الحريات، ومسؤوليتنا هي حمايتها.
المصدر: واشنطن بوست