ترجمة حفصة جودة
من المقرر أن يجتمع قادة الفصائل الليبية اليوم الإثنين في باليرمو جنوب إيطاليا في محاولة لإعادة توحيد مؤسسات البلاد والعثور على مسار جديد للانتخابات؛ الأمر الذي فشل في تحقيقه المؤتمر الذي انعقد سابقًا في فرنسا.
يشير المؤتمر الذي سيستمر لمدة يومين إلى إصرار إيطاليا على استعادة المسؤولية الدبلوماسية في ليبيا بعد أن عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمرًا مفاجئًا في باريس مايو الماضي للحث على إجراء الانتخابات الليبية يوم 10 من ديسمبر.
تخشى إيطاليا من محاولات ماكرون أحادية الجانب لوضع بصمته في ليبيا، ويعتقد الساسة أن هذا الجدول الزمني السريع قد صُمم لصالح حفتر الرجل الأقوى في شرق ليبيا والمناهض للإسلاميين، وليس للحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة في طرابلس، وترى فرنسا في هذا الوقت أن جهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام قد توقفت والوضع بحاجة لمبادرة جديدة تحفز جميع الأطراف.
كشفت قمة باليرمو عن التوترات داخل الحكومة الإيطالية، فرئيس الوزراء جوزيبي كونتي لم يبلغ وزير الخارجية الإيطالية والأمم المتحدة بشأن المؤتمر قبل إعلانه، كان مبعوث الأمم المتحدة الخاص في ليبيا غسان سلامة قد حاول الأسبوع الماضي استعادة السيطرة على جدول الأعمال وذلك باعترافه أن هذ الجدول الزمني الواسع لا يمكن الوفاء به وعوضًا عن ذلك اقترح عقد مؤتمر في الأسابيع الأولى من 2019 من أجل عملية انتخابية تبدأ في 2019.
أعلن حفتر في الدقيقة الأخيرة أنه لن يتمكن من الحضور لوجود قطر وبعض داعمي القاعدة في المؤتمر
يستشهد سلامة بنتائج الاستطلاعات التي تقول إن 80% من الليبيين موافقون على الانتخابات، ويرى أن انتداب ديموقراطي جديد من شأنه أن يبعد الساسة من الشرق والغرب الذي يحاولون عرقلة المصالحة بشكل مستمر ويتركون البلاد في حالة انقسام للمؤسسات وغياب للقانون.
لكن فرص نجاح مؤتمر باليرمو انخفضت كثيرًا عندما أعلن حفتر في الدقيقة الأخيرة أنه لن يتمكن من الحضور لوجود قطر وبعض داعمي القاعدة في المؤتمر، وتقول مصادر إيطالية إن هناك جهودًا مبذولة لإقناعه بإعادة التفكير في قراره.
كانت ليبيا قد عصف بها العنف والفساد والانقسام السياسي المدعوم من قوى خارجية منذ الإطاحة بمعمر القذافي وقتله في ثورة 2011 المدعومة من الناتو، وتدعم إيطاليا بشكل كبير الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة في طرابلس التي تحظى بدعم الفصائل الإسلامية، ويعارضها حفتر المدعوم من مصر والإمارات العربية المتحدة وفرنسا، وتعود مصالح إيطاليا في ليبيا إلى تاريخها الاستعماري هناك وإلى النفط وموقع ليبيا كطريق رئيسي لآلاف المهاجرين الأفارقة إلى إيطاليا.
يقول طارق مجريسي المتخصص في الشأن الليبي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “هذا المؤتمر بالأساس لعبة قوة من الإيطاليين ضد فرنسا، إنهم يأملون في أن يصبح أكبر من قمة باريس ليبدو وكأنهم يتمتعون بمشروعية أكبر، لكن التكرار يحط من قيمته وهناك شك في حضور عدد من وزراء الخارجية الكبار، لكن من وجهة نظر الأمم المتحدة سيصبح المؤتمر ناجحًا إذا أدى إلى توحيد الوضع الأوروبي، بما في ذلك دعم الاتحاد الأوروبي لخطة الأمم المتحدة لإجراء مؤتمر وطني يقود للانتخابات”.
ماتيو سالفيني نائب رئيس وزراء إيطاليا اليميني المتطرف
ويضيف مجريسي أن أوروبا ينبغي أن تركز على عدد صغير من الأهداف في المؤتمر ومن بينها توحيد البنكين المركزيين المتنافسين، وإعادة تنشيط الترتيبات الأمنية المتوقفة في طرابلس وإعداد طريقة لمناقشة الوحدة العسكرية بين حفتر والقادة العسكريين في غرب ليبيا.
أما جليل حرشاوي أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة فرساي فيرى أن القمة تتعلق بشكل كبير بالوجود الإيطالي والفرنسي في السياسة الليبية، وأضاف: “لقد أصبح الدعم الفرنسي لحفتر أكثر علانية بعد انتقال جان إيف لدوريان (وزير الدفاع الفرنسي السابق) من وزارة الدفاع إلى وزارة الخارجية وقد نقل معه أولويات وزارة الدفاع في محاربة الإرهاب، حيث يرغب في قمع جماعة الإخوان المسلمين في شمال إفريقيا”.
ترى فرنسا أن حفتر له شرعية، لكن الخطة الفرنسية لانتخابات 2018 لم تنجح لأنها لم تكن واقعية، وربما تحقق قمة باليرمو خطوات صغيرة في اتجاه الاستقرار واحتواء الفوضى، ولأن الهجرة من ليبيا إلى إيطاليا أصبحت قليلة في الوقت الحاليّ، فبالتالي لم تعد القضية ملحة لأوروبا، وربما سيؤدي ذلك إلى عدد قليل من المنجزات في قمة باليرمو.
غياب حفتر عن القمة سيكون بمثابة ضربة للدبلوماسية الإيطالية، خاصة بعد سفر رئيس وزرائها شخصيًا لدعوة المارشال، كما أن غياب حفتر أيضًا سيذكرنا باستمرار التنافس بين الإسلاميين في مصراته وشرق ليبيا، وفي كل مرة يتم فيها تقويض الديموقراطية، تتجه ليبيا بخطوة صغيرة نحو انقسام لا رجعة فيه.
ترى نانسي بورسيا – باحثة ميدانية ليبية – أن نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني قد ساهم في تفاقم الوضع للأسوأ عندما طلب من ليبيا أن تتعاون مع سياسته المناهضة للاجئين، وتضيف: “يبدو مؤتمر باليرمو غامضًا للغاية، فمن الصعب أن نتخيل أن حكومة جديدة في روما لها القدرة على الفوز بدور قيادي في ليبيا أكبر من فرنسا”.
المصدر: الغارديان