ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقا لثلاثة أشخاص مطلعين على خفايا الحكم في السعودية، طلب مسؤولو مخابرات سعوديون مقربون من ولي العهد، محمد بن سلمان، من مجموعة صغيرة من رجال الأعمال خلال السنة الماضية أن يستخدموا شركات خاصة لاغتيال مسؤولين إيرانيين ذوو توجهات معادية للمملكة.
ورد استفسار هؤلاء المسؤولين السعوديين في وقت كان خلاله الأمير محمد بن سلمان، الذي كان يشغل منصب نائب ولي العهد ووزير الدفاع، بصدد ترسيخ قواه وتوجيه مستشاريه لتصعيد العمليات العسكرية والاستخباراتية خارج المملكة. وتشير المناقشات التي جرت قبل حوالي سنة من مقتل الصحفي جمال خاشقجي، إلى أن كبار المسؤولين السعوديين بدأوا النظر في إمكانية القيام بالاغتيالات منذ تولي ولي العهد لمهامه.
من جهتهم، صور المسؤولون السعوديون وفاة خاشقجي على أنها عملية قتل عرضية أمر بها مسؤول وقع فصله بسببها. في المقابل، حضر اللواء أحمد العسيري، المسؤول عن عملية القتل، اجتماعا في شهر آذار/ مارس من سنة 2017 في العاصمة الرياض، وذلك لمناقشة خطة الأعمال البالغة قيمتها 2 مليار دولار التي وضعها رجال الأعمال لاستخدام عملاء المخابرات الخاصة لمحاولة تخريب الاقتصاد الإيراني.
خلال هذه المناقشة، وكجزء من سلسلة الاجتماعات التي حاول خلالها رجال الأعمال الحصول على التمويل السعودي لخطتهم، استفسر كبار مساعدي العسيري عن إمكانية قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، نظرا لاعتباره عدوا لدودا للمملكة العربية السعودية.
استفسر كبار مساعدي العسيري عن إمكانية قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي يعد أحد أقوى المسؤولين في البلاد
يعتبر الاهتمام بالاغتيالات والعمليات السرية والحملات العسكرية التي يشرف عليها ولي العهد محمد بن سلمان، على غرار الحرب على اليمن، بمثابة تغيير بالنسبة للمملكة. فلطالما تجنبت الدولة الخليجية على مر تاريخها اعتماد سياسة خارجية قائمة على المغامرة نظرا لإمكانية خلقها لحالة من انعدام الاستقرار وتعرض وضع المملكة المريح للخطر، لا سيما وأنها واحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم.
من جهتهم، رأى رجال الأعمال الذين يمتلكون خلفيات استخباراتية أن خطة الاغتيالات الموجهة ضد الإيرانيين مربحة، فضلا عن كونها فعالة فيما يتعلق بإعاقة بلد يعتبرونه تهديدا جديا. والجدير بالذكر أن رجل الأعمال اللبناني الأمريكي، جورج نادر، عمل على تنظيم هذا الاجتماع، وكان قد التقى بالأمير محمد في وقت سابق وقص أطوار الخطة الإيرانية على مسؤولي دونالد ترامب في البيت الأبيض. علاوة على ذلك، شارك رجل الأعمال الإسرائيلي، جويل زامل، في هذه الاجتماعات، نظرا لامتلاكه علاقات وطيدة مع الاستخبارات والسلطات في بلاده.
في سنة 2016، قامت شركة الاستخبارات الخاصة السرية “بيسي غروب” التي يملكها زامل بوضع الخطة الترويجية لحملة دونالد ترامب الانتخابية بالاستناد على التلاعب بمواقع التواصل الاجتماعي
تجدر الإشارة إلى أن كل من نادر وزامل كانا حاضرين في تحقيقات المستشار الخاص روبرت مولر بصفتهما شاهدين. وفي خضم التحقيقات، سألهم المدعون العامون حول النقاشات التي أجروها مع المسؤولين السعوديين والأمريكيين حول المقترح الإيراني. ومن غير الواضح كيف يتلاءم هذا النوع من التحقيقات مع التحقيقات الأوسع نطاقا التي يتولاها مولر.
في سنة 2016، قامت شركة الاستخبارات الخاصة السرية “بيسي غروب” التي يملكها زامل بوضع الخطة الترويجية لحملة دونالد ترامب الانتخابية بالاستناد على التلاعب بمواقع التواصل الاجتماعي. وبشكل مماثل لمحامي نادر وزامل، رفض متحدث باسم الحكومة السعودية التعليق على هذا الموضوع.
وفقا لثلاثة أشخاص على دراية بمجريات المناقشات التي دارت خلال اجتماع عُقد في شهر آذار/ مارس من سنة 2017 حول خطة تخريب الاقتصاد الإيراني، سأل السعوديون رجال الأعمال عما إذا كانوا قد قاموا بعمليات اغتيال، مضيفين أنهم مهتمون بقتل كبار المسؤولين الإيرانيين. نتيجة لذلك، تردد رجال الأعمال قائلين إنهم يحتاجون إلى استشارة محاميهم حول هذا الموضوع.
أفاد مسؤول سعودي أن اللواء أحمد العسيري، وهو مستشار رفيع المستوى ومقرب من محمد بن سلمان، قام بتنظيم عملية اغتيال جمال خاشقجي.
رفض المحامي خطة السعوديين، ليتوجه رجال الأعمال للقول إنهم لن يشاركوا في أي اغتيالات. وفي شأن ذي صلة، عمد نادر إلى إخبار المسؤولين السعوديين عن شركة تديرها قوات العمليات الخاصة البريطانية السابقة في لندن ومن شأنها قبول هذا العقد، لكن هوية الشركة التي قدمت هذا المقترح لا تزال غير معلومة.
قبل الإطاحة به خلال الشهر الماضي، كان اللواء العسيري يعتبر واحدا من أقرب المستشارين التابعين لولي العهد محمد بن سلمان، ويمكن القول إن صعود العسيري الصاروخي تخطى تدرج ولي العهد السريع في المناصب. وفي سنة 2016، أصبح اللواء وجه العدوان السعودي على اليمن، حيث اضطلع بتقديم التقارير حول حالة الحرب. علاوة على ذلك، كان العسيري كثير السفر إلى واشنطن، حيث عمدت جماعات الضغط التي يدفع لها السعوديون في مراكز البحث إلى استدعائه بهدف تقديم تقييمات إيجابية للتقدم الذي تحققه الحرب السعودية في اليمن، فضلا عن إشادته باهتمام النظام السعودي بمصلحة شعبه.
يعتقد المحللون الغربيون أن الأمير محمد بن سلمان نقل العسيري إلى هذا المنصب لعدة أهداف من بينها مراقبة رئيس الاستخبارات، خالد بن علي بن عبدالله الحميدان، المعروف باسم أبو علي، الذي كان مقربا من وكالات الاستخبارات الغربية وتم الاشتباه فيه بكتمان ولائه لواحد من المنافسين الملكيين لولي العهد
مع حلول سنة 2017، كانت الحرب السعودية التي يشرف عليها اللواء العسيري في اليمن قد وصلت إلى طريق مسدود. وعلى الرغم من تأكيداته، قادت الحملة السعودية البلاد إلى كارثة إنسانية أيضا. وفي المقابل، عزز حاكمه، ولي العهد محمد بن سلمان، سلطته على جميع الأجهزة الأمنية في البلاد، وعمد إلى ترقية اللواء العسيري إلى منصب نائب رئيس الاستخبارات العامة، جهاز المخابرات الرسمي في السعودية.
يعتقد المحللون الغربيون أن الأمير محمد بن سلمان نقل العسيري إلى هذا المنصب لعدة أهداف من بينها مراقبة رئيس الاستخبارات، خالد بن علي بن عبدالله الحميدان، المعروف باسم أبو علي، الذي كان مقربا من وكالات الاستخبارات الغربية وتم الاشتباه فيه بكتمان ولائه لواحد من المنافسين الملكيين لولي العهد. وقد تم عزل اللواء العسيري خلال الشهر الماضي حين اعترفت الحكومة السعودية بقتل جمال خاشقجي، حيث أشارت إلى أن اللواء هو من نظم العملية. ويوم السبت، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن حكومته قدمت تسجيلا لعملية مقتل خاشقجي للولايات المتحدة والسعودية والمملكة المتحدة وفرنسا، للضغط على ترامب من أجل معاقبة السعوديين بقسوة أكبر على جريمة القتل.
جورج نادر والأمير محمد بن سلمان. رتب نادر اجتماعات بين شركات خاصة ومسؤولين سعوديين
يعود تاريخ خطة جورج نادر وجويل زامل إلى بداية سنة 2016، حين بدآ مناقشة حملة طموحة لحرب اقتصادية ضد إيران مماثلة لتلك التي أطلقتها إسرائيل والولايات المتحدة خلال العقد الماضي بهدف إجبار إيران على وضع حد لبرنامجها النووي. وقد رسم الرجلان عمليات مثل الكشف عن الأصول المخفية في العالم لفيلق القدس الإيراني، وإنشاء حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة الفارسية لإثارة الاضطرابات في إيران، وتمويل جماعات المعارضة الإيرانية، فضلا عن نشر الاتهامات، الحقيقية منها والوهمية، ضد كبار المسؤولين الإيرانيين لجعلهم ينقلبون على بعضهم البعض.
قال مصدر سعودي مطلع على التحقيق في مقتل خاشقجي إن اهتمام اللواء العسيري بالاغتيالات لم يكن مفاجئا ولكنه غير مألوف بالنسبة للسياسة الرسمية
الجدير بالذكر أن نادر يعد مستشار ولي العهد في الإمارات، وهي دولة حددت، جنبا إلى جنب مع السعودية وإسرائيل، إيران على أنها التهديد الرئيسي للاستقرار في الشرق الأوسط. وقد كان كل من نادر وزامل يعتقدان أن فوز هيلاري كلينتون المتوقع في انتخابات سنة 2016 يعني استمرارا للاتفاق النووي الإيراني الذي وقعه الرئيس السابق، باراك أوباما، واهتماما قليلا في واشنطن بحملة مدبرة لشلّ الاقتصاد الإيراني.
نتيجة لذلك، قررا طرح الخطة على المسؤولين السعوديين والإماراتيين، ووصل بهما الأمر إلى تقديم اقتراح للعسيري خلال اجتماع في بلجيكا. في الأثناء، غيّر انتخاب دونالد ترامب حسابات الرجليْن، وبعد ذلك بفترة قصيرة، سافر نادر وزامل إلى نيويورك لإقناع كل من مسؤولي ترامب الانتقاليين والجنرالات السعوديين، بخطتهما المتعلقة بإيران. وقد تم التطرق إلى مبادرة نادر لمحاولة الإطاحة بالاقتصاد الإيراني للمرة الأولى في آيار/ مايو من قبل صحيفة نيويورك تايمز. وقد تحدثت صحيفة “ديلي بيست” خلال الشهر الماضي عن مناقشات نادر في نيويورك مع اللواء العسيري ومسؤولين سعوديين آخرين.
مكان تذكاري للصحفي المقتول، جمال خاشقجي، في إسطنبول خلال الشهر الماضي
جنّد نادر وزامل الرئيس السابق لشركة بلاك ووتر ومستشار فريق ترامب الانتقالي، إريك برنس. وقد ناقشا بالفعل عناصر من خطتهما مع برنس، في اجتماع عندما علما بمقترحاته الخاصة شبه العسكرية التي خطط لمحاولة بيعها للسعوديين. ورفض متحدث باسم برنس التعليق على هذه المسألة. وفي جناح أحد الطوابق العليا في فندق ماندارين أورينتال في نيويورك، تحدث زامل ونادر إلى اللواء العسيري ومساعديه حول خطتهما المتعلقة بإيران. وكان السعوديون مهتمين بالفكرة لكنهم وصفوها بالاستفزازية للغاية ومن المحتمل أنها مزعزعة للاستقرار، لذلك أرادوا الحصول على موافقة إدارة ترامب القادمة آنذاك قبل أن تدفع السعودية ثمن الحملة.
بعد تنصيب ترامب في كانون الثاني/ يناير سنة 2017، التقى نادر بشكل متكرر مع مسؤولي البيت الأبيض لمناقشة خطة التخريب الاقتصادي. وقد قال مصدر سعودي مطلع على التحقيق في مقتل خاشقجي إن اهتمام اللواء العسيري بالاغتيالات لم يكن مفاجئا ولكنه غير مألوف بالنسبة للسياسة الرسمية. وقد أظهر التحقيق اللواء كمبتدئ متسم بالمبالغة وطموح في الاستخبارات الذي سعى إلى التأثير في ولي العهد بمخططات غير مرخص لها لعمليات سوداء، وفقا لما أفاد به المصدر السعودي.
في المقابل، يعتبر قرب العسيري المعروف من ولي العهد عائقا يحول دون تمكن مؤيدي ولي العهد من استبعاده من المقترحات، وذلك بشكل مماثل لقدرة هذه الروابط نفسها على إقناع وكالات المخابرات الغربية أن الأمير السعودي كان على علم بالمؤامرة التي كانت تحاك ضد خاشقجي. والجدير بالذكر أن العسيري سبق له حضور عدة اجتماعات عقدها ولي العهد مع مسؤولين أمريكيين.
علاوة على ذلك، كان العسيري ومساعدوه يلتقون بنادر بالتزامن مع اجتماعاته التي كان يجريها مع ولي العهد محمد بن سلمان، وذلك وفقا لتصريحات بعض المسؤولين السعوديين. وحسب ما ورد في رسائل بريد إلكتروني تحصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز، أشار نادر في حديثه إلى أحد شركاء أعماله إلى المحادثات التي أجراها مع ولي العهد السعودي، فضلا عن المشاريع الأخرى التي ناقشها مع اللواء العسيري. وفي بداية سنة 2017، عمد نادر إلى مناقشة العقود السعودية المحتملة في أحد رسائله الإلكترونية وقال: “لقد عقدت اجتماعا رائعا للغاية مع محمد بن سلمان”، وقد نصحه “بمراجعة العقود ومناقشتها مع اللواء أحمد العسيري”.
المصدر: نيويورك تايمز