في رسالة غير مسبوقة أصدرها مكتبه أمس – الأربعاء -، قدم رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” تعازي تركيا لأحفاد قتلى الأرمن، وذلك عشية ذكرى مذبحة الأرمن التي وقعت منذ قرن تقريبًا، واصفًا مقتلهم في أحداث الحرب العالمية الأولى، بأنها “ذاكرة آلام مشتركة لنا جميعا”.
وقال أردوغان في بيان له بالتركية والأرمنية و7 لغات أخرى بينها العربية، إن ترحيل الأرمن في عام 1915، كان له “عواقب وخيمة وغير إنسانية”.
ووصف أردوغان في الرسالة التي حصل نون بوست على نسخة منها أحداث العام 1915 بأنها “غير إنسانية”، ورأى وجوب “النظر إلى تلك القضية التاريخية من منظور الذاكرة العادلة للتاريخ”، مكرّرًا الدعوة إلى “تأسيس لجنة بحث تاريخية علمية مشتركة، لدرس أحداث العام 1915”.
ووَرَدَ في رسالة أردوغان: “أتمنّى أن يرقد الأرمن الذين فقدوا حياتهم خلال الظروف التي عصفت بالمنطقة مطلع القرن العشرين، بسلام”، معربًا عن تعازيه لأحفادهم. وأضاف: “إنه واجب إنساني، فهم الأرمن ومشاركتهم في استذكار الآلام التي عاشوها، مثل سائر مواطني الإمبراطورية العثمانية في تلك الفترة العصيبة”.
ويحيي الأرمن، في 24 أبريل، ذكرى ما يعتبرها مؤرخون أول “إبادة” في القرن العشرين، إذ قُتل خلالها 1.5 مليون شخص أثناء ترحيل الأرمن في عهد السلطنة العثمانية، وترفض تركيا مصطلح الإبادة الجماعية، حيث تعتبر أن الأرقام مبالغ فيها، خاصةً وأن القتلى كانوا من الجانبين مع انهيار الإمبراطورية العثمانية.
وأحدثت الرسالة، التي وجهها أردوغان، ردود فعل إيجابية وواسعة في العديد من الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية.
وذكرت وكالة “أسوشيتد برس” في خبر لها حول هذا الموضوع، أن “أردوغان بعث برسالة لا مثيل لها من أجل أن يأسر قلوب الأرمن”، بينما قالت صحيفة “واشنطن بوست” في مقال نُشر بأحد أعمدتها، إن “أحداث عام 1915 من الموضوعات التي لا يتم التطرق إليها كثيرًا في تركيا منذ سنوات، الأمر الذي يشير إلى أهمية الرسالة التي وجهها أردوغان”.
وأفادت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” بأن “الزعيم التركي يقدم التعازي للأرمن بسبب الإبادة”، مضيفة أن “رسالة أردوغان تمت ترجمتها لـ9 لغات مختلفة”، مشيرة إلى أنه “لازال يرفض الاعتراف بأن ما حدث بحق الأرمن إبادة، ويقدم التعازي لأحفاد الضحايا قبل الذكرى الـ99 على مرورها”.
ورأت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن “أردوغان عشية الذكرى السنوية لإبادة الأرمن قدم رسالة تدعو إلى التصالح لم يُر لها مثيل من قبل”.
وفيما يلي نص الرسالة
رسالة رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” بخصوص أحداث 1915
“يمثل يوم 24 نيسان الذي له مكانة خاصة لدى مواطنينا الأرمن وجميع الأرمن في سائر أنحاء العالم فرصة قيمة لتبادل الأفكار حول قضية تاريخية بحرية، لا يمكن إنكار أن السنوات الأخيرة للإمبراطورية العثمانية شهدت أحداث مؤلمة تعرض لها ملايين المواطنين العثمانيين بعض النظر عرقهم أو دينهم من أتراك وأكراد وعرب وأرمن.
يفرض تبني موقفًا إنسانيًا مستند على العدالة والضمير تفهم الأحداث الأليمة التي حدثت في تلك الحقبة التاريخية بعض النظر عن الدين أو العرق.
في الواقع لن يجدي لحالة الألم نفسها إنشاء سلمًا من الآلام أو مقارنة الآلام ببعضها البعض أو مسابقة تلك الآلام مع بعضها البعض، فكما قال أجدادنا (النار تحرق الأرض التي تحتها).
إنه من الواجب الإنساني تفهم ومشاركة الأرمن في تذكر الآلام التي تعرضوا لها في تلك الحقبة مثلهم مثل باقي مواطني الإمبراطورية العثمانية.
إن الإفصاح عن أفكار وآراء مختلفة حول أحداث 1915 ووجود وجهة نظر تعددية، يعتبر ضرورة للثقافة الديموقراطية والمعاصرة.
ومن الممكن وجود أشخاص في تركيا ينظرون إلى جو الحرية المتاح كوسيلة للإفصاح عن مقولات وادعاءات تتسم بالاتهام والإيذاء وحتى التحريض في بعض الأوقات.
ولكن من الطبيعي النظر إلى الادعاءات المختلفة بتسامح ووضع أنفسنا في مكان الآخرين وتوقع تفهم مماثل من كافة الأطراف، إذا كان الهدف هو فهم القضايا التاريخية بأبعادها القانونية وتحويل الخصومات إلى صداقات من جديد.
ستستمر الجمهورية التركية بتبني كل وجهة نظر تتوائم مع قيم القانون العالمية، ولكن ليس من المقبول تحويل أحداث 1915 إلى حجة لتبني مواقف مناهضة لتركيا وجعلها قضية نزاع سياسي.
إن الأحداث التي جرت خلال الحرب العالمية الأولى هي ذاكرة آلام مشتركة لنا جميعًا.
إن تقييم هذا التاريخ المؤلم من منظور ذاكرة عادلة، هو مسؤولية إنسانية وعلمية.
إن الأحداث التي جرت خلال الحرب العالمية الأولى التي فقد خلالها ملايين البشر حياتهم من كافة الأديان والأعراق والتي أدت أيضًا إلى نتائج غير إنسانية مثل التهجير، لا يجب أن تكون عائقًا لإيجاد تعاطف بين الأتراك والأرمن وتبني مواقف إنسانية متبادلة.
ففي عالمنا المعاصر، ليس من المقبول إخراج خصومات من التاريخ وإيجاد نزاعات جديدة، فإن ذلك ليس من المجدي أيضًا لإنشاء مستقبل مشترك.
إن روح العصر تجعل من الضروري التحاور بالرغم من النزاعات، ومحاولة فهم الآخر من خلال الاستماع إليه وتقييم سبل التفاهم ونبذ الكراهية والإعلاء من شأن التسامح.
ومن أجل ذلك ناشدت الجمهورية التركية لإنشاء لجنة من المؤرخين بهدف دراسة أحداث ٩١٩١ من وجهة نظر علمية، وما تزال هده المناشدة قائمة حتى الآن، حيث سيلعب ذلك دورًا هامًا في فهم التاريخ بطريقة صحيحة وتوضيح ما جرى في عام 1915 من خلال الدراسة التي سيقوم بها مؤرخون أتراك وأرمن ودوليين.
وفي هذا الإطار قمنا بفتح أرشيفاتنا لكافة الباحثين، حيث تم تسخير مئات الآلاف من الوثائق الموجودة في الأرشيفات في خدمة كافة الباحثين.
إن تركيا بصفتها دولة تنظر للمستقبل بثقة ستقوم على الدوام بدعم الدراسات العلمية والشاملة من أجل فهم التاريخ بصورة صحيحة. إن شعب الأناضول الذي عاش سويًا لمئات السنين بغض النظر عن العرق أو الدين والذي شغل أفراده مناصب متعددة في إدارة الدولة والدبلوماسية وعملوا في التجارة والفنون وأنتجوا قيمًا مشتركة، لقادرون اليوم على إنشاء مستقبل جديد.
ومن هنا نود التقدم بالتعازي لأحفاد الأرمن الذين فقدوا حياتهم خلال الظروف التي شهدها مطلع القرن العشرين ونتمنى لأمواتهم أن يخلدوا بطمأنينة، وذلك بالإيمان والأمل بأن تقوم الشعوب التي لها عادات وقيم متشابهة في هذه المنطقة الجغرافية القديمة والتي ليس لها مثيل بالتحاور حول الماضي بنضج وتذكر الضحايا سويًا بطريقة تليق بهم.
وفي نفس الوقت نتمنى الرحمة والمغفرة لكافة المواطنين العثمانيين الذين فقدوا حياتهم في نفس الفترة وبظروف متشابهة، بغض النظر عن عرقهم أو دينهم”.