تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي لليوم الثاني على التوالي قصفها لمواقع في قطاع غزة بعد هدوء استمر عدة ساعات، وسط استبسال من المقاومة المسلحة التي نجحت في إجهاض المخطط الاستخباراتي الصهيوني لاختراق القطاع وأسفرت عن سقوط ضابط برتبة مقدم فضلاً عن عشرات الإصابات بعضها حرجة، فيما ارتقى 10 شهداء فلسطينيين على رأسهم القيادي الحمساوي نور الدين بركة.
نجاح المقاومة في وأد العملية الصهيونية التي كان من المفترض أن تكون سرية مساء أول أمس الأحد 11 من نوفمبر، التي أجبرت رئيس وزراء الكيان المغتصب على قطع رحلته لباريس والعودة فورًا، فضلاً عن تكبيد جيش الاحتلال خسارة غير متوقعة في الأرواح والممتلكات، أصابت جيش العدو بحالة من الهذيان خاصة بعدما أسقطت هذه العملية – بعد كشفها – الشعارات التي كانت تتشدق بها تل أبيب بشأن رغبتها في السلام والدخول في عملية مفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
كشف تفاصيل العملية التي كانت تقوم بها إحدى الوحدات الخاصة في جيش الاحتلال داخل منطقة خان يونس جنوب قطاع غزة، وكانت تهدف وفق ما تم تسريبه إلى تثبيت أجهزة تنصت واتصال داخل بعض البقاع الداخلية، دفع الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، إلى اللعب على المكشوف، قصف هنا ورد هناك، شهداء هنا وقتلى هناك، ما يضع مستقبل المسار التفاوضي الذي كانت ترعاه مصر على المحك.
تصعيد ورد
بعد ساعات قليلة من التهدئة عقب غارات أمس عاودت القوات الإسرائيلية مجدددًا استهدافها عدة مناطق أخرى صباح اليوم، منها مجمع “أنصار” الأمني الحكومي، غرب غزة، وموقعين عسكريين آخرين يتبعان لـ”سرايا القدس”، الذراع المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، شرقي مدينة خانيونس (جنوبًا)، وفي مدينة دير البلح (وسط)، غير أنه لم ترد وقوع أي إصابات جراء تلك العمليات حتى كتابة هذه السطور.
كانت الغارات الصهيونية قد استهدفت قبل ساعات من بدء عمليات اليوم عقارًا مكونًا من 4 طوابق في حي “الرمال”، غربي مدينة غزة، ويعرف محليًا باسم “فندق الأمل”، حيث تم تدمير المبنى بصورة كلية، ما أسفر عن وقوع عدد من الإصابات، وإلحاق أضرار بالغة بالمنازل المحيطة به، كما دمرت مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي ثلاثة منازل سكنية بمدن غزة ورفح وخانيونس، حسب وكالة “الأناضول“.
استمرار جيش الاحتلال في القصف سيدفع المقاومة إلى توسيع دائرة المناطق المستهدفة داخل العمق الإسرائيلي
كما دمر القصف مقر فضائية “الأقصى” التابعة لـ”حماس” وألحق أضرارًا بالغة بالعديد من المنازل المحيطة به في مدينة غزة، ما تسبب في انقطاع البث المباشر عنها، وإن عاد بعد دقائق قليلة دون معرفة المكان الجديد الذي يتم منه البث بحسب مراسل الوكالة.
وفي المقابل فقد أسفرت الهجمات الصاروخية التي شنتها فصائل المقاومة ووصلت بحسب مصادر إسرائيلية إلى 370 قذيفة حتى مساء أمس، عن مقتل إسرائيلي وإصابة 29 أحدهم جراحه خطيرة حسبما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، صباح اليوم الثلاثاء.
الهيئة أشارت إلى أن جنديًا إسرائيليًا أصيب مجددًا إثر استهداف حافلة قرب حدود غزة مع الكيان الصهيوني ما يرفع حصيلة الجرحى من الإسرائيليين إلى 30 مصابًا، فيما تشير مصادر أخرى إلى 50، وقد بثت فضائية الأقصى مشاهد لعملية استهداف الحافلة، تظهر رصد “المقاومة” بغزة عشرات الجنود الإسرائيليين، قبل أن يتم إطلاق صاروخ على حافلة وإصابتها ما أدى لتدميرها واحتراقها.
https://www.youtube.com/watch?v=Yq98u9punoo
وجراء تبادل إطلاق النار بين الجانبين، فقد أصدر الجانب الصهيوني أوامر بتعطيل الدراسة في مستوطنات النقب لغاية 40 كيلومترًا من الحدود كذلك في جامعة بن غرويون في بئر السبع، فيما أعلن الكابينت السياسي والأمني لحكومة الاحتلال أنه سيجتمع اليوم لمناقشة القرارات العسكرية التي اتخذها رئيس الحكومة الإسرائيلية أمس مع وزير الأمن ورئيس أركان الجيش، فيما أعلن تعطيل الدراسة رسميًا في جميع أنحاء قطاع غزة.
قياديون في فصائل المقاومة حذروا من أن استمرار جيش الاحتلال في القصف سيدفع المقاومة إلى توسيع دائرة المناطق المستهدفة داخل العمق الإسرائيلي، وهو ما أشار إليه المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، أبو عبيدة، عبر تغريدة له على حسابه الرسمي على “تويتر”.
أبو عبيدة وفي تصريح مقتضب هدد باستهداف مدينة المجدل (تبعد 25 كيلومترًا عن غزة) بالصواريخ ردًا على تدمير المقاتلات الإسرائيلية 7 منشآت مدنية في القطاع بشكل كامل، بينها بنايات سكنية، كما توعد بتوسيع دائرة القصف واستهداف مدينتي “أسدود” و”بئر السبع” جنوبي “إسرائيل”، في حال تمادت “إسرائيل” في استهداف المباني المدنية بالقطاع.
https://twitter.com/spokesman2018/status/1062207683070169090
https://twitter.com/spokesman2018/status/1062094579980095488
3 سيناريوهات وفشل واحد
تباينت التأويلات المفسرة لدوافع هذه العملية على خلفية ما تم الكشف عنه، حيث جاء نجاح المقاومة في وأدها قبل إتمامها ليزيح الستار عن سيناريوهات 3 تطرقت للأهداف الحقيقية للعملية، غير أن الحقيقة المؤكدة تذهب إلى فشل كافة هذه السيناريوهات أيا كانت.
السيناريو الأول يذهب إلى أن العملية عسكرية في المقام الأول، فما تم كشفه بشأن رتب الجنود والضباط الذين قاموا بالعملية والعتاد العسكري المخصص لها، يشير إلى أنها عملية عسكرية تستهدف ضرب مناطق تمركز المقاومة في غزة، وهو ما لم يتحقق إثر مباغتة كتائب القسام للوحدة المكلفة بالعملية قبل الانتهاء منها، ، وهو ما ذهب إليه المحلل حمزة أبو شنب في تصريحات نقلتها “الأناضول“.
السيناريو الثاني لا يختلف كثيرًا عن الأول، غير أنه يرجح أن تكون العملية استخباراتية، بحسب أبو شنب، كونها ليست الأولى من نوعها التي تستهدف فيها تل أبيب زرع وسائل تجسس وتنصت لمراقبة تحركات عناصر المقاومة والخطط المعدة لاستهداف عناصر من الكيان الصهيوني.
المرجح وفق ما ذهب إليه محللون أن الهدف من هذه العملية كان استهداف أحد قياديي المقاومة بجانب عدد من الدوافع الأخرى منها الوصول إلى معلومات مهمة بشأن الأسرى الإسرائيليين لدى فصائل المقاومة
السيناريو الثالث وهو ما رجحته مصادر فلسطينية بشأن استهداف أحد قادة حماس، الشهيد نور الدين بركة، فبحسب مصادر خاصة لـ”نون بوست” كانت هناك سيارة من نوع “فلوكس فاجن” مدنية وفرها أحد العملاء لقوة خاصة تسللت عبر الحدود الشرقية لمنطقة خزاعة وعبسان الكبيرة وتوقفت السيارة بالقرب من القيادي الشهيد في منطقة بني سهيلا ما أثار شبهات، دفعته للشك فيها وملاحقتها بمرافقة عدد من المقاومين، ما دفع القوات الخاصة الإسرائيلية بفتح النار من المقاعد الخلفية تجاه المقاومين ليرتقي شهيدًا في الحال.
غير أن الجانب الإسرائيلي فند هذا السيناريو على لسان الجنرال تل روسو، القائد السابق لما يُسمى بالقيادة العسكرية للمنطقة الجنوبية والمختص بالعمليات الخاصة، الذي نفى أن يكون اغتيال القيادي الحمساوي هدف العملية الإسرائيلية، كاشفًا أن العملية تأتي في إطار عمليات روتينية ينفذها جيش الاحتلال “كل يوم وكل ليلة” في أماكن متفرقة من قطاع غزة.
العملية وإن نجحت في استهداف أحد قادة حماس غير أنها فشلت في السيناريوهين الآخرين، وهو ما مثل ضغطا كبيرًا على حكومة نتنياهو التي كانت تسعى لانتصار زائف تستعيد من خلاله بعضا من شعبيتها المفقودة.
المقاومة الفلسطينية تحذر من توسيع دائرة استهدافها داخل العمق الإسرائيلي
ضرب جهود التهدئة
تكشف العملية الإسرائيلية الأخيرة حالة من اللامنطق، فبدلاً من سعي نتنياهو إلى تحسين صورته الدبلوماسية خارجيًا وتخفيف حدة الضغط عليه داخليًا عبر الانخراط في مفاوضات غير مباشرة مع المقاومة الفلسطينية من خلال وساطة مصرية، ها هو يضع صورته وصورة كيانه المغتصب على المحك.
وبينما كان الإسرائيليون يتوهمون أنهم في نزهة خلوية لتنفيذ إحدى عملياتهم القذرة داخل العمق الفلسطيني، هاهي الأوضاع تنقلب رأسا على عقب، إذ أن فشل تلك العملية سيعزز الموقف التفاوضي للمقاومة على مسار التهدئة وسيعزز منجزاته، هذا في مقابل الورطة التي وجدت فيها دولة الاحتلال والتي باتت مطالبة بتبرير تلك العملية للقوى الدولية المعنية بالمسار التفاوضي، وذلك وفق المتخصص في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي الذي أكد على ضرورة استثمار المقاومة لفشل العملية سياسيًا والاكتفاء بالردود العسكرية حفاظا على ما حققته من مكتسبات حتى الآن.
الفشل في العملية يعد خلالاً استخباريًا وسياسيًا أمام الوسطاء السياسيين الذين كانوا يتدخلون لمحاولة فرض الهدوء
كما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تصريحات لقناة “فرانس 24” الفرنسية، عن أمله في انتهاء التوتر، محذرًا من “اندلاع حرب جديدة في غزة”، ومواجهة “مأساة كبيرة”، وفي بيان لها دعت الحكومة الأردنية إلى “وقف العدوان الإسرائيلي على غزة وحماية الأبرياء”، بحسب الوكالة الأردنية الرسمية للأنباء (بترا).
وبينما كان الإسرائيليون يتوهمون أنهم في نزهة خلوية لتنفيذ إحدى عملياتهم القذرة داخل العمق الفلسطيني، هاهي الأوضاع تنقلب رأسا على عقب، إذ أن فشل تلك العملية سيعزز الموقف التفاوضي للمقاومة على مسار التهدئة وسيعزز منجزاته، هذا في مقابل الورطة التي وجدت فيها دولة الاحتلال والتي باتت مطالبة بتبرير تلك العملية للقوى الدولية المعنية بالمسار التفاوضي، وذلك بحسب المتخصص في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي الذي أكد على ضرورة استثمار المقاومة لفشل العملية سياسيًا والاكتفاء بالردود العسكرية حفاظا على ما حققته من مكتسبات حتى الآن.
وهكذا وبعد إجهاض المخطط الإسرائيلي في التوغل إلى العمق الفلسطيني ونجاح المقاومة في تلقين جيش الاحتلال درسًا قاسيًا، تعرت الحقائق بصورة كبيرة، هذا إن كان لدى المجتمع الدولي عين ترى أو عقل يفكر، فبات من الواضح أن مفهوم التهدئة التي تسعى تل أبيب إلى دغدغة المشاعر على أوتاره يقتصر على وقف اعتصامات العودة وتجريد المقاومة من سلاحها ورضوخ السلطة لإملاءات حكومة نتنياهو ليترك الجيش الإسرائيلي أذرعه حرة طليقة في التوغل داخل الأراضي الفلسطينية متى شاءت وكيفما شاءت.