ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بوقت قصير، اتصل أحد أفراد فريق القتل المتورط في الجريمة بأحد المسؤولين الأعلى رتبة منه على الهاتف، وقال له “أخبر رئيسك”. ووفقا لثلاثة أشخاص على دراية بتسجيلات عملية اغتيال خاشقجي التي جمعتها الأجهزة الاستخباراتية التركية، من المرجح أن يكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو الشخص، الذي يرغب أفراد فريق القتل في إبلاغه بنجاح مهمة الاغتيال.
يُعتبر هذا التسجيل الذي وقع تشاركه، خلال الشهر الماضي، مع مديرة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جينا هاسبل، بالنسبة لمسؤولي الأجهزة الاستخباراتية من بين الأدلة القوية التي تورط بن سلمان في حادثة اغتيال خاشقجي، الذي كان يقطن في ولاية فيرجينيا ويعمل كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست. وقد أثارت عملية اغتياله موجة من الاستياء في مختلف أنحاء العالم.
على الرغم من أن اسم بن سلمان لم يُذكر بشكل صريح، إلا أن الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية أكدت أن الشخص المقصود من كلمة “رئيسك” هو الأمير محمد بن سلمان. ويُقال إن ماهر عبد العزيز مطرب، وهو أحد أفراد فريق القتل المكون من 15 شخصا الذين توجهوا إلى إسطنبول لمواجهة خاشقجي في مقر القنصلية السعودية هناك، هو الشخص الذي أجرى المكالمة الهاتفية وكان يتحدث باللغة العربية.
حذرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية ومسؤولون حكوميون من أنه وعلى الرغم من هذا التسجيل قد يبدو مقنعا، إلا أنه لا يزال دليلا قابلا للتشكيك فيما يتعلق بتورط ولي العهد السعودي في قضية اغتيال خاشقجي.
أخبر مسؤولون في الاستخبارات التركية موظفي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بأن مطرب، وهو مسؤول أمني غالبا ما كان يرافق بن سلمان في كل رحلاته، كان يتحدث إلى أحد مساعدي ولي العهد السعودي. وعلى الرغم من أن الترجمة من اللغة العربية لبعض العبارات قد تكون مختلفة، إلا أن الأشخاص الذين اطلعوا على فحوى المكالمة، أكدوا أن مطرب قال لهذا المساعد عبارات بما معناه أن “المهمة قد أنجزت”. في هذا الصدد، أفاد بروس. أو. ريدل، وهو عميل سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويعمل حاليا في معهد بروكينغز بأن “تعد مكالمة هاتفية مثل تلك أقرب دليل قاطع على الجريمة يمكنك الحصول عليه. إنها تعتبر دليل إدانة واضح”.
أكد المسؤولون الأتراك أن التسجيل الصوتي لا يدين الأمير محمد بن سلمان بشكل قاطع، في حين حذرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية ومسؤولون حكوميون من أنه وعلى الرغم من هذا التسجيل قد يبدو مقنعا، إلا أنه لا يزال دليلا قابلا للتشكيك فيما يتعلق بتورط ولي العهد السعودي في قضية اغتيال خاشقجي.
في حال افترضنا أن مطرب كان يعتقد أن بن سلمان أصدر أوامر بتنفيذ عملية الاغتيال، لربما كان قد أساء الفهم بشأن الجهة التي أصدرت الأمر بالقتل. في الحقيقة، لم يُذكر اسم الأمير محمد بن سلمان بشكل صريح في التسجيل الصوتي، ومن جهة أخرى، لا يعد المسؤولون الاستخباراتيون على يقين تام من أن مطرب كان يقصد ولي العهد من خلال عبارة “رئيسك”.
يوم الاثنين، صدر بيان نفى فيه مسؤولون سعوديون أن يكون بن سلمان “على علم بمقتل خاشقجي بأي شكل من الأشكال”. وبالرجوع إلى التسجيل الصوتي الذي يأمر فيه مطرب أحد المسؤولين قائلا “أخبر رئيسك”، ذكر البيان أن “تركيا سمحت لأجهزتنا الاستخباراتية بالاطلاع على فحوى التسجيلات. ولم نجد أي أثر لكلمة أخبر رئيسك في أي منها”. من المرجح أن الأتراك يملكون تسجيلات كثيرة بما في ذلك المكالمات الهاتفية المراقبة، ومن الواضح أن السلطات التركية قد شاركت هذا التسجيل الصوتي مع جهات محددة.
سمحت السلطات التركية بتشغيل التسجيلات أمام الأمريكيين وبعض وكالات الاستخبارات الأخرى، فضلا عن تقديم النصوص المصاحبة لها
في واقع الأمر، كانت هذه المكالمة جزءا من التسجيل الذي قام المسؤولون الأتراك باطلاع جينا هاسبل عليه خلال زيارتها إلى العاصمة التركية أنقرة الشهر الماضي، لكنهم لم يسمحوا لها بإعادته معها إلى الولايات المتحدة الأمريكية. خلال السبت الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن حكومته شاركت التسجيل الصوتي مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وعدة حلفاء آخرين.
وفقا لتصريحات أحد المسؤولين الأتراك، سمحت السلطات التركية بتشغيل التسجيلات أمام الأمريكيين وبعض وكالات الاستخبارات الأخرى، فضلا عن تقديم النصوص المصاحبة لها، إلا أنهم لم يعمدوا إلى تسليمها لهذه الجهات لكي يتم التحقق منها بشكل مستقل. من جهته، صرح رئيس مركز الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين آلتون، يوم الاثنين الماضي أن “تركيا شاركت الأدلة التي تملكها مع عدد من الدول الصديقة”.
ردا على الانتقادات الفرنسية حول تولي تركيا للتحقيق في قضية مقتل خاشقجي، أورد آلتون أن الحكومة التركية عرضت تسجيلا صوتيا على المخابرات الفرنسية وقدمت لها النصوص المصاحبة لهذه التسجيلات. وأردف آلتون، قائلا: “دعونا لا ننسى أن هذه القضية كان سيتم التستر عنها لولا جهود تركيا ومثابرتها لمنع ذلك من الحدوث”.
من المؤكد أن الأدلة المتزايدة حول تورط ولي العهد السعودي في مقتل جمال خاشقجي ستزيد من حجم الضغوط المسلطة على البيت الأبيض، الذي بدا عازما على استغلال نقص الأدلة الملموسة التي تحيل إلى تورط بن سلمان في مقتل الصحفي السعودي حتى يتسنى له المحافظة على العلاقة التي تجمعه به. والجدير بالذكر أن الأمير الشاب وضع أسس علاقة متينة مع صهر الرئيس الأمريكي وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، ناهيك عن تحويل إدارة ترامب المملكة العربية السعودية للشريك العربي الأكثر أهمية في واشنطن.
وقع مشاركة التسجيل الصوتي لعملية قتل جمال خاشقجي مع مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، جينا هاسبل
عمد بعض المستشارين التابعين لترامب إلى القول إنهم في حاجة إلى أدلة دامغة حول تورط ولي العهد محمد بن سلمان في مقتل جمال خاشقجي، وذلك قبل معاقبته أو تبني نهج أكثر قسوة في معاملتهم له. في المقابل، أفاد المسؤولون الأتراك أن التسجيل الصوتي يحتوي على أدلة تحيل إلى أن العملية كانت حادثة قتل متعمد، حيث قام مسؤولون سعوديون بخنق خاشقجي بسرعة وتقطيع أوصاله بشكل وحشي بواسطة منشار عظام.
وفقا للمسؤولين الحاليين والسابقين، تأمل إدارة ترامب بأن يؤدي اتخاذ بعض العقوبات الشكلية وتقليص الدعم الموجه للحرب السعودية في اليمن إلى إرضاء المنتقدين، لاسيما السياسيين في الكونغرس الأمريكي. ولكن في ظل تغير موازين القوى في الكونغرس، حيث سيتولى كل الديمقراطيون السيطرة على زمام الأمور ابتداء من شهر كانون الثاني/ يناير القادم، سيتعزز الضغط على الإدارة الأمريكية لمعاقبة السعوديين.
من المقرر أن تقوم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وعدة مسؤولين استخباراتيين باطلاع الكونغرس على مستجدات التحقيق في مقتل خاشقجي هذا الأسبوع، وهو ما سيدفع القادة داخله إلى حث جينا هاسبل على إصدار تقييم يبرز مدى تورط ومسؤولية محمد بن سلمان في عملية قتل خاشقجي. من جانبه، أوضح دونالد ترامب أن المزيد من المعلومات المتعلقة بالجريمة ستظهر في المستقبل. كما قال ترامب في تصريحه للصحفيين في البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي، “سيكون لدي رأي متشدد أكثر حول هذا الأمر خلال الأسبوع القادم، إنني بصدد تكوين رأي قوي بشأن هذه المسألة”.
شدد المسؤولون الاستخباراتيون الحاليون والسابقون على أنه من النادر جدا توفر جميع قطع الأحجية المعقدة لاكتشاف كل الحقائق فيما يتعلق بقضية مقتل خاشقجي
في الآونة الأخيرة، تواترت المؤشرات التي تحيل إلى أن إدارة ترامب قد بدأت تتخذ موقفا متصلبا إزاء قضية خاشقجي. وقد أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية بيانا حاد اللهجة يوم الأحد للدلالة على أن وزير الخارجية مايك بومبيو اتصل بالأمير محمد بن سلمان هاتفيا لإخباره بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستُخضِع جميع المتورطين في مقتل جمال خاشقجي إلى المساءلة.
يخطط المسؤولون السعوديون لإجراء تحقيقاتهم الخاصة خلال الأيام المقبلة، لكن إعلان تركيا بأنها لديها نسخة من التسجيلات شاركتها مع المسؤولين الغربيين، قد يجعل السعوديين في حالة ارتباك قبل تقديم أي عرض كانوا قد خططوا له مسبقا. حتى دون وجود أدلة قاطعة، استنتجت وكالات الاستخبارات أن الأمير محمد بن سلمان هو الذي أمر بقتل خاشقجي، نظرا للطابع الشخصي لحكمه وعمق سيطرته على المملكة. ووفقا لأشخاص كانوا قد أطلعوا على المعلومات الاستخبارية، أظهرت أدلة من التسجيل أن خاشقجي قد قُتل فور دخوله إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، حيث كان الفريق الأمني في انتظاره، وهو دليل إضافي على أن عملية القتل كان مخططا لها.
شدد المسؤولون الاستخباراتيون الحاليون والسابقون على أنه من النادر جدا توفر جميع قطع الأحجية المعقدة لاكتشاف كل الحقائق فيما يتعلق بقضية مقتل خاشقجي. ووفقا لمسؤول استخباراتي سابق، لا يعد عمل الاستخبارات بسيطا كما قد يصور فيلم تجسس أو برنامج تلفزيوني بوليسي، حيث يمكن حل القضية بسهولة.
في شأن ذي صلة، قال النائب آدم ب. شيف، وهو ديمقراطي من كاليفورنيا كان من المقرر أن يترأس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب في العام المقبل، إنه من غير المرجح أن يجد المحققون دليلا قاطعا يربط ولي العهد بعملية القتل. وأضاف شيف في إحدى المقابلات قائلا: “لن يقوم أي فرد من الفريق الذي نفذ جريمة القتل هذه بالكشف عن الشخص الذي تلقوا منه الأوامر أو عن الأشخاص المتورطين، فمن غير المعقول أن نتوقع حدوث ذلك”.
أورد النائب آدم ب. شيف قائلا: “لقد اعتمد ترامب وعائلته على ولي العهد بشكل كبير لدرجة أنهم يرون أن هذه العلاقة الآن أكبر من أن تفشل”
في الواقع، لم يمنع غياب الأدلة المباشرة فريق الاستخبارات من إلقاء المسؤولية على عاتق الأمير محمد بن سلمان. فغالبا ما يتضمن تقييم المعلومات الاستخباراتية أنسب حكم صادر عن الوكالة حول ما حدث، وذلك بناء على الحقائق المتوفرة والخبرة التي يتمتع بها المسؤولون. وقد وعد السيد شيف أنه بمجرد أن يتولى مسؤولية لجنة الاستخبارات، سيحقق في مقتل خاشقجي وينظر في ممارسات المملكة العربية السعودية على نطاق أوسع في الشرق الأوسط، بما في ذلك حملتها العسكرية في اليمن، التي تسببت في أزمة إنسانية.
في السياق ذاته، صرح شيف قائلا: “نحن في حاجة إلى بذل الجهود المطلوبة، كما يجب أن نتأكد من حصولنا على معلومات استخباراتية دقيقة، فضلا عن التأكد من أن الإدارة لا تسيء للبلد مثل ما تفعل الجهات الأجنبية”. ومع ذلك، قال كل من المسؤولين الحاليين والسابقين إنهم لا يتوقعون أن يتخلى ترامب عن دعمه للأمير محمد بن سلمان.
في هذا الإطار، أورد شيف قائلا: “لقد اعتمد ترامب وعائلته على ولي العهد بشكل كبير لدرجة أنهم يرون أن هذه العلاقة الآن أكبر من أن تفشل”. حسب قول المسؤولين الاستخباراتيين الحاليين والسابقين، سيحدد صناع القرار، الذي لن تكون هاسبل أو دان كوتس، وهما مدراء الاستخبارات القومية، من ضمنهم، نوع العلاقة مع الأمير محمد بن سلمان، فضلا عن العقوبة التي يجب أن تنالها المملكة العربية السعودية على خلفية عملية قتل خاشقجي.
المصدر: نيويورك تايمز