قدمت حكومة عادل عبد المهدي مسودة مشروع الموازنة الاتحادية للعراق لعام 2019 إلى البرلمان لأجل المصادقة عليها واعتمادها، إلا أنها قوبلت بمعارضة ورفض عدد كبير من النواب من مختلف المحافظات، اعتراضات ورفض لفقرات عديدة وردت في مشروع الموازنة التي رأوا فيها تعديًا وعدم إنصاف لمحافظاتهم، الأسطر التالية تقرأ في حيثيات الموازنة الحاليّة والجدل المالي والقانوني الذي أثير بشأنها.
تحديات كثيرة
تواجه حكومة عادل عبد المهدي أول التحديات في مشوارها الذي يمتد قانونيًا لأربع سنوات مقبلة، إذ تمثل الموازنة أولى المواجهات بين الحكومة والبرلمان، في ظل حكومة لم تكتمل حتى اللحظة كابينتها الوزارية.
اعتراضات ولغط بشأن الموزانة، طالب خلالها النواب بإعادة المسودة إلى البرلمان، إلا أن اتفاقيات وتفاهمات بين الحكومة والبرلمان أفضت إلى تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين لدراسة الاعتراضات وإجراء التغييرات اللازمة، بحسب النائب عن محافظة الأنبار وعضو اللجنة المالية فيصل العيساوي.
النائب فيصل العيساوي
العيساوي كشف في حديثه لـ”نون بوست” أن مسودة مشروع الموازنة اقترحت 134 تريليون دينار عراقي موازنة عامة للبلاد، فموازنة العراق التي تعتمد بالمطلق على تصدير النفط، اعتمدت تسعيرة ثابتة بـ56 دولارًا للبرميل.
وكانت أشد الاعتراضات وأكثرها نقمة على مشروع الموازنة قد أتت من نواب المحافظات التي كانت تقبع تحت سيطرة تنظيم الدولة “داعش”.
يقول محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، إن حصة محافظة نينوى في الأعوام التي سبقت عام 2014 لم تتجاوز 2%، في الوقت الذي لم تخصص فيه مسودة الموازنة الحاليّة إلا 0.2% من حصة نينوى، الأمر الذي يجعل إعادة إعمار المحافظة بعيد المنال
العيساوي وفي حديثه لـ”نون بوست” أوضح أن الاعتراض على الموازنة كان في نقطتين أساسيتين: تتمثل الأولى بعدم مطابقة المنهاج والبرنامج الحكومي مع تبويبات الصرف في مشروع الموازنة التي يكتنفها بعض الغموض في حيثياتها، موضحًا أن النقطة الثانية تتمثل في أن مشروع الموازنة أهمل المتطلبات والخدمات للمحافظات التي كانت تقبع تحت سيطرة تنظيم “داعش” وهي كل من محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، وبناء على ذلك، فإن النواب طالبوا بتعديل هذه النقاط التي لا تتوافق مع تطلعات هذه المحافظات.
فالموازنات التشغيلية والاستثمارية لمحافظة نينوى في مشروع الموازنة المقدم إلى البرلمان لم تتجاوز 142 مليار دينار عراقي، في حين أن موازنة الأنبار بلغت 136 مليارًا، وصلاح الدين 163 مليارًا، أرقام تقل بأضعاف عما خصص لبقية محافظات العراق، إذ بلغت موازنة البصرة مثلاً تريليوني دينار عراقي.
يقول محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي في حديثه لـ”نون بوست” إن حصة محافظة نينوى ووفقًا للدستور العراقي الذي اعتمد عدد السكان في توزيع حصص الموازنة على المحافظات تبلغ 10% بعد استقطاع المصاريف السيادية التي تشمل وزارات الخارجية والدفاع والداخلية، كاشفًا أن محافظة نينوى لم تتلق حصتها من الموازنة كاملة خلال السنوات الماضية، إذ إن حصة محافظة نينوى في الأعوام التي سبقت عام 2014 لم تتجاوز 2%، في الوقت الذي لم تخصص فيه مسودة الموازنة الحاليّة إلا 0.2% من حصة نينوى، الأمر الذي يجعل إعادة إعمار المحافظة بعيد المنال.
أثيل النجيفي محافظ نينوى السابق
ويقدر النجيفي أن ما تحتاجه محافظة نينوى من مبالغ لإعادة إعمار المستشفيات والبنى التحتية المتعلقة بها لا يقل عن 3.5 مليار دولار، إلا أن الموازنة لم تضم أي بند عن إعادة إعمار المحافظات المدمرة، بحسب النجيفي.
يرى الخبير والمحلل الاقتصادي باسم جميل أنطوان في حديثه لـ”نون بوست” أن الخسائر التي مني بها العراق نتيجة اجتياح مقاتلي تنظيم داعش لمحافظات عدة لا تقل عن مئتي مليار دولار
ولا تقف الاعتراضات عند المحافظات آنفة الذكر، فعدد من نواب محافظات البصرة والنجف اعترضوا كذلك على الموازنة، إذ كشفت عضو البرلمان عن محافظة البصرة انتصار الموسوي أن نواب المحافظة اعترضوا على الموازنة المقترحة لعام 2019، حيث لم يدرج ضمنها حصة البصرة من إيرادات المنافذ الحدودية، الموسوي وفي تصريح صحفي لها أعلنت أن مجلس النواب لن يصوت على الموازنة بصيغتها الحاليّة، فهي تحتاج إلى الكثير من الوقت لإجراء التعديلات اللازمة عليها.
مطالب أخرى أعلنها بعض النواب قبل التصويت على الموازنة، إذ طالبت النائبة عن كتلة سائرون ماجدة التميمي في تصريح صحفي الحكومة بتقديم الحسابات الختامية للسنوات الستة الماضية.
أرقام مرعبة
يرى الخبير والمحلل الاقتصادي باسم جميل أنطوان في حديثه لـ”نون بوست” أن الخسائر التي مني بها العراق نتيجة اجتياح مقاتلي تنظيم داعش لمحافظات عدة لا تقل عن مئتي مليار دولار، تتضمن ما خسرته المؤسسات الأمنية من معدات وأسلحة والأضرار التي لحقت بالممتلكات العامة والخاصة.
ويضيف أنطوان أن الحكومة لم تقدر الخسائر التي لحقت بالمحافظات التي شهدت حربًا شرسة خلال السنوات الماضية بشكل صحيح، فقد أعلنت في بادئ الأمر أن 30 مليار دولار خسائر الحرب، ثم ارتفع الرقم إلى 88 مليار دولار في مؤتمر الكويت الذي عقد قبل أشهر، لافتًا إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
جدل قانوني
يعتقد أنطوان أن النواب المعترضين على مسودة الموازنة لم يقدموا بديلاً للبنود والفقرات التي اعترضوا عليها، ولم يدركوا أن الموازنة بشقيها التشغيلي والاستثماري شهدت بعض التعديلات بعد فك ارتباط عدة وزارات خدمية وإلحاق مسؤولياتها التشغيلية بالمحافظات.
المحلل السياسي رياض الزبيدي يرى في حديثه لـ”نون بوست” أن الموازنة لن تستطيع بأرقامها المعلنة أن تعيد المحافظات المنكوبة إلى سابق عهدها، محملاً الحكومة تبعات ذلك
ويعتقد النائب في البرلمان العراقي وعضو اللجنة القانونية عمار كاظم الشبلي أن لبسًا قانونيًا، أدى إلى اعتراض بعض النواب، موضحًا في حديثه لـ”نون بوست” أن ما أثير من لغط عن تخصيصات الموازنة للمحافظات المحررة نينوى وصلاح الدين والأنبار يظهر عدم دراية تامة بحيثيات وضع التخصيصات التشغيلية والاستثمارية.
وكشف الشبلي في حديثه لـ”نون بوست” أن المحافظات الثلاثة وبسبب وجود “داعش” واستمرار عمليات التحرير لم يتم تنفيذ ما ورد في قانون المحافظات من تطبيق اللامركزية الإدارية التي تعني فك ارتباط الدوائر الخدمية في ست وزارات وإلحاقها بالمحافظات.
ويضيف الشبلي أنه ونتيجة لفك ارتباط تلك الوزارات في بغداد وبقية المحافظات – التي نفذ فيها فك الارتباط – فإن الموازنة التشغيلية لتلك الدوائر أضيفت إلى تخصيصات المحافظات التشغيلية، في حين أن الموازنة التشغيلية للدوائر الخدمية في المحافظات المحررة بقيت ضمن موازنة الوزارات الاتحادية، مما أظهر فرقًا كبيرًا بين موازنة نينوى والبصرة على سبيل المثال.
أيًا كانت المشاكل التي تعترض مشروع الموازنة وإقراره، إلا أن المحلل السياسي رياض الزبيدي يرى في حديثه لـ”نون بوست” أن الموازنة لن تستطيع بأرقامها المعلنة أن تعيد المحافظات المنكوبة إلى سابق عهدها، محملاً الحكومة تبعات ذلك وواجبها في جلب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد لأجل النهوض بواقع تلك المحافظات المدمرة.