ترجمة وتحرير: نون بوست
على مدى الأيام العشرة الماضية، قامت فرح سلكا وفريقها من الموظفين والمتطوعين في منظمة لبنانية مناهضة للعنصرية بالرد على آلاف الرسائل اليائسة من النساء اللواتي لا يجدن مكانًا يختبئن فيه من القنابل. قبل بدء الغارات الجوية الإسرائيلية، كان عمل سلكا كرئيسة لحركة مناهضة العنصرية في لبنان يتضمن الدفاع عن حقوق 400,000 عاملا أجنبيا في البلاد والقيام بحملات من أجل الدفاع عن حقوقهم.
أما الآن، أصبحت هي وفريقها من العاملين في المجال الإنساني في الخطوط الأمامية؛ حيث يكافحون من أجل توفير المأوى والحماية لعاملات المنازل الأجنبيات من دول مثل إثيوبيا وسيراليون، اللاتي تخلى عنهم أصحاب العمل اللبنانيين ولا سبيل أمامهن للعودة إلى أوطانهن.
تقول سلكا: “بصراحة، كان الوضع الذي تواجهه العديد من العاملات الأجنبيات اللاتي ندعمهن في لبنان مروعاً حتى قبل بدء القصف، ولكننا الآن نرى النساء اللاتي جئن إلى العمل هنا كعاملات في المنازل مستلقيات في الشارع مثل الغسالات المستعملة، أو متروكات داخل المنازل بينما يهرب أرباب عملهن من الخطر، أو على قارعة الطريق بلا مأوى في بلد مزقته الحرب ولا يتحدثن لغته”.
أدت عمليات القصف الجوي التي شنتها إسرائيل خلال الأسابيع الماضية إلى موجة نزوح داخلي ضخمة في جنوب لبنان؛ حيث اضطر 1.2 مليون شخص – أي حوالي 20 بالمئة من سكان البلاد – إلى مغادرة منازلهم وبلداتهم والبحث عن مأوى في أماكن أخرى.
ويقول العاملون في الخطوط الأمامية إنه مع وصول المزيد من النازحين إلى العاصمة بيروت بحثًا عن مأوى من القصف الذي تتعرض له الضاحية الجنوبية للمدينة، أصبح المئات من العمال المهاجرين واللاجئين بلا مأوى ودون أي وسيلة للحصول على الطعام أو الصرف الصحي.
تنام مجموعات من العمال المهاجرين في العراء في ساحة الشهداء ببيروت، بعضهم ينامون على فُرُش رقيقة على الأرض، والبعض الآخر في ملاجئ مؤقتة بُنيت من أي شيء يجدونه في الشوارع.
تقول سلكا: “في خضم فوضى النزوح، نرى أعدادًا كبيرة من العمال المهاجرين، بما في ذلك العديد من النساء، فرادى ولا حيلة لهم للحصول على مأوى، إذا يتم إبعادهم عن الملاجئ الرسمية لأنهم ليسوا لبنانيين، وينامون في الشارع دون حماية، وليس لديهم أي وسيلة للعودة إلى بلدانهم”.
قالت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي إن المدارس الحكومية البالغ عددها 900 مدرسة، والتي تم تحويلها إلى ملاجئ في مختلف أنحاء لبنان، قد امتلأت، أما أولئك الذين لم يتمكنوا من الحصول على مأوى فقد لجأوا إلى الأصدقاء والأقارب، أو لجأوا إلى منازل مهجورة أو فنادق أو ملاهي ليلية فارغة.
مع ذلك، فإن الكثير من الأشخاص الذين تحاول مجموعات مثل “حركة مناهضة العنصرية في لبنان” مساعدتهم ليس لديهم مكان يلجؤون إليه.
وفي ظل القباب الزرقاء لمسجد محمد الأمين، تم تحويل الإطار السلكي الذي تُحمل عليه شجرة عيد الميلاد الموجودة في ساحة الشهداء، والمغطى بلافتات سوداء وبيضاء مكتوب عليها “بيروت لا تموت أبدًا”، إلى خيمة يتجمع الناس تحتها.
يقول راجو مريجا، وهو عامل مهاجر من بنغلاديش، مشيرا إلى عشرات النساء الجالسات على البطانيات وسط الساحة: “هذا الرجل من السودان، ونحن جميعًا من بنغلاديش، وهؤلاء النساء من سوريا”، ويوضح أنه فر من الضاحية الجنوبية مع مجموعة من العمال البنغال قبل أسبوع، بعد غارة جوية إسرائيلية بالقرب من منزلهم.
ويضيف: “كان هناك انفجار ضخم، وكنا خائفين للغاية. ركض الجميع إلى الشارع ثم فروا إلى هنا، فالمنطقة هنا آمنة نوعًا ما”.
بجانب مريجا، كان هناك عدد من العمال السودانيين، وكانت حقائبهم مكدسة إلى جانب أسطوانة غاز، ويقولون إن أملهم ضئيل في أن تقوم حكومتهم بإجلائهم إلى بلدهم الذي يعاني بدوره من حرب أهلية.
وتقول جميلة بيغوم، وهي معينة منزلية من بنغلاديش، إنها والعاملات الأخريات لم يحاولن العثور على مكان في أحد الملاجئ، لشعورهن بأنهن لن يكنّ موضع ترحيب بعد أن قيل لهن إن الملاجئ ستكون مفتوحة للمواطنين اللبنانيين فقط.
وتقول بيغوم وهي تعدِّل حجابها الأحمر والأزرق وتمسك بحقيبة ظهرها: “كنت أعمل معينة منزلية، ولكننا لا نملك الآن أي مال، لم نكن نريد المجيء إلى بيروت، لكننا اضطررنا إلى الفرار”.
تضيف بيغوم أنها والآخرين ينامون في الساحة ويعتمدون على التبرعات من المتطوعين والجمعيات الخيرية التي تتدافع لمساعدة أولئك الذين يعيشون في المخيمات المؤقتة التي انتشرت في جميع أنحاء المدينة.
وتقول سلكا: “تتولى مجموعات صغيرة من المتطوعين في الخطوط الأمامية، وكثير منهم من النساء، الاستجابة لهذه الكارثة. إن العمل الذي يقومون به مذهل لكنهم مرهقون وخائفون، فلا شيء مما نقوم به مستدام، والدعم الذي تقدمه السلطات يكاد يكون معدومًا، والصورة العامة كئيبة للغاية”.
تقول إحدى السيدات اللاتي ينسقن تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين، والتي لم ترغب في ذكر اسمها خشية أن يؤثر ذلك على عملها، إن وضع اللاجئين السوريين “ميؤوس منه”.
وتضيف: “في الأسابيع القليلة الماضية، كنا نحاول مساعدة أولئك الذين يستطيعون العودة (إلى سوريا) عبر الحدود، لكن هذا الطريق أصبح الآن خطيرًا للغاية، وقد سمعنا أيضًا تقارير عن أشخاص عادوا إلى هناك وتم اعتقالهم”.
وتتابع قائلة: “السوريون الذين يعيشون هنا في بيروت، والذين نجوا من الحرب الأهلية في بلادهم وقصف حلب، يعانون من الصدمة بسبب ما يحدث؛ حيث لا يُسمح لهم بدخول الملاجئ ويتعرضون لسلوك عدائي في الشوارع، وليس لديهم أي وسيلة للحصول على الطعام. نحاول أن نخبرهم أن كل شيء سيكون على ما يرام، ولكننا نخشى أن تكون هذه هي بداية المأساة فقط”.
المصدر: الغارديان