أعلنت أربعة أحزاب سياسية ليبرالية مصرية (المحافظين والاتحاد والمصري الديمقراطي الاجتماعي والإصلاح والتنمية) أمس الثلاثاء، تأسيس كيان جديد يحمل اسم “نادي الأحزاب المدنية الديمقراطية” في إطار مواجهة محاولات العودة لعصر الحزب المسيطر على مقاليد الحكم، وأي محاولات لتعديل الدستور والدفع نحو تعزيز الديمقراطية.
الإعلان المدون من رؤساء الأحزاب الأربع أثار حالة من الجدل لا سيما أن بعض الأسماء الموقعة عُرف عنها تأييد النظام الحاليّ مثل أكمل قرطام رئيس حزب المحافظين، وأخرى كانت قيادات بارزة في الحزب الوطني المنحل مثل حسام البدراوي وهو ما أثار تساؤلات عن كون التكتل تأسيسًا لمعارضة رسمية برعاية النظام الحاليّ.
آخرون ذهبوا إلى أنها ربما تكون خطوة نحو الطريق الصحيح وحجر قد يحرك المياه الراكدة منذ سنوات، خاصة مع وجود الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذي اشتهر بمواقفه المناوئة لكثير من السياسات الحاليّة، إضافة إلى وجود واحد من أبرز رموز المعارضة خلال الأعوام الخمس الأخيرة وهو النائب المسقط عضويته محمد أنور السادات.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تدشن فيها مثل هذه التكتلات التي تستهدف فرض مدنية الدولة وتعزيزالديمقراطية، غير أن حزمة من التساؤلات فرضها إعلان هذا الكيان الوليد، فهل يصبح النادي الجديد حراكًا حقيقيًا يكسر جمود الأفق السياسي المنغلق أم شو إعلامي كغيره من التجارب السابقة؟
تأسيس دولة مدنية حديثة
جاء في بيان التأسيس الموقع من كل من أكمل قرطام رئيس حزب المحافظين، وحسام بدراوي مؤسس حزب الاتحاد ورئيس مجلس الأمناء، وفريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ومحمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، المنشور على صفحات الأحزاب الرسمية على موقع “فيسبوك” أن الفكرة من إنشاء هذا الكيان كانت من باب إدراك “الأحزاب المجتمعة الموقعة بضرورة الإسراع في وضع الأُسس اللازمة للتحول إلى دولة مدنية حديثة ركائزها الرئيسية، الديمقراطية التعددية والحكم الدستوري الرشيد”.
خمسة أهداف حددها البيان يسعى النادي الوليد إلى تحقيقها تمثلت في: تقوية الحياة الحزبية التعددية والعمل على تمكين الأحزاب باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتفعيل الدستور وتحقيق الديقراطية السياسية والتصدي لأي محاولات رجعية تستهدف الاستحواذ أو الإقصاء أو التحايل والعودة إلى نظام الحزب المسيطر المصنوع من مؤسسات الدولة.
تحسين المستوى الاقتصادي وتعزيز الحريات أبرز ما يهم الشارع المصري في الوقت الراهن، فهل يحقق النادي هذا الهدف أم يقتصر على الوصول إلى أكثر عدد من المقاعد البرلمانية عبر التحالفات المزمع تدشينها استعدادًا للاستحقاقات القادمة
كذلك العمل على جعل الديمقراطية أسلوب حياة واحترام الدستور سليقة غريزية لدى المواطنين والمؤسسات الوطنية، وتشجيع حرية التعبير والانتقاد، والحفاظ على الدستور وترسيخ قيمه العليا في نفوس المواطنين، وتعزيز قيم الديمقراطية وتطويرها لتصبح أسلوب حياة للمواطنين وأساس وفلسفة لنظم إدارة المؤسسات الوطنية، والتأكيد على حرية الرأي والاعتقاد والحق في تنظيم الاجتماعات السلمية والمظاهرات، وخلق حراك ثقافي ومجتمعي لتطوير قيم المجتمع الأخلاقية والاقتصادية والإنسانية لخلق رأي عام مستنير قادر على حماية ومراقبة مؤسسات الدولة والتأثير عليها.
وخلص البيان إلى تعهد الأحزاب المؤسسة – على تباينها السياسي – بأن تحاول من خلال هذا النادي الوصول الى رؤية شاملة لعملية الإصلاح والتنمية من خلال الحوار بين الأحزاب أعضاء النادي وبينهم وبين كل القوى السياسية والحزبية الفاعلة وبينهم وبين مؤسسات الدولة ذات الصلة.
فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي
5 تساؤلات مشروعة
بعد ساعات قليلة من إعلان تأسيس “نادي الأحزاب المدنية الديمقراطية” خمسة تساؤلات رئيسية فرضت نفسها على ساحة النقاش المجتمعي والسياسي، الأول: ما الفارق بين هذا التكتل وبقية الأشكال القديمة سالفة الذكر التي منيت جميعها بالفشل؟ بمعنى آخر هل من الممكن أن يقدم هذا الكيان جديدًا غير الذي قُدم من قبل؟
الثاني: البيان التأسيسي لم يشر لا من قريب أو بعيد إلى إستراتيجية واضحة للتنفيذ على أرض الواقع، تحدث فقط عن أهداف عامة بعضها مطاطي، فما آليته لترجمة تلك الأهداف إلى ممارسات ميدانية؟ وما المدة الزمنية المحددة لذلك؟ الثالث: خلال السنوات الماضية كان هناك تضييق واضح على المجتمع المدني من السلطات الحاكمة.. فهل تقوم الأحزاب المؤسسة للنادي بدور المجتمع المدني في تحريك المياه الراكدة؟
التحدي الأكبر الآن أمام هذا الكيان الجديد مدى قدرته على مقاومة الضغوط المتوقع ممارستها عليه من السلطات الحاكمة التي من البديهي ألا تتركه يعمل في هدوء وأريحية
الرابع: تحسين المستوى الاقتصادي وتعزيز الحريات أبرز ما يهم الشارع المصري في الوقت الراهن، فهل يحقق النادي هذا الهدف أم يقتصر على الوصول إلى أكثر عدد من المقاعد البرلمانية عبر التحالفات المزمع تدشينها استعدادًا للاستحقاقات القادمة؟
ثم السؤال الخامس والأكثر حرجًا: قبل فترة ليست بالطويلة خرجت بعض الأصوات التي تنادي بتدشين ما سمي “المعارضة الوطنية” على رأسهم رئيس حزب الوفد المستشار بهاء الدين أبو شقة، والمرشح الرئاسي الأسبق ورئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، وهي نوع جديد من المعارضة (المستأنسة) تهدف إلى دعم النظام الحاليّ، فهل يخدم النادي الجديد هذه الفكرة ويدجن الحياة السياسية في مصر أم سيكون له رأي آخر؟
الدكتور حسن نافعة يطالب الإسلاميين بعدم اتخاذ أي موقف مسبق تجاه الكيان الجديد
حراك حقيقي أم شو إعلامي؟
“الفكرة تتمثل في قيام نادٍ يسعى لتفعيل سبل الحوار بين الأحزاب المشتتة التي تعاني من انقسامات واضحة استعدادًا للاستحقاقات الانتخابية والدستورية خلال المرحلة المقبلة على رأسها الانتخابات البرلماية وقانون المحليات ثم الانتخابات الرئاسية” هكذا كشف أنور السادات عن هوية الكيان الجديد.
السادات وخلال مداخلة له أمس مع برنامج “بتوقيت مصر” المذاع على “التليفزيون العربي” أشار إلى أن نادي الأحزاب المدنية ليس ببعيد عن الحركة المدنية الديمقراطية المؤسسة العام الماضي، غير أن الفارق بينهما أن الأخيرة بها شخصيات عامة غير أعضاء في أحزاب سياسية بينما يقتصر النادي على الأحزاب فقط، مشيرًا إلى أن أبواب النادي مفتوحة لبقية الأحزاب للانضمام وتشكيل تحالف قوي على أرضية الدولة الوطنية التي تحترم الدستور وسيادة القانون.
أما فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فاستنكر الاتهامات المسبقة التي تشير إلى أن الهدف الأساسي لهذا الكيان هو الشو الإعلامي، لافتًا إلى أن حزبه خاض معارك ضارية ضد النظام الحاليّ على رأسها تيران وصنافير، فضلاً عن الضريبة التي دفعها هو شخصيًا ورموز التيار المدني جراء مواقفهم المناوئة للسلطة الحاكمة، ومن ثم فليس من المنطقي أن يدخل الحزب في تحالف يهدف للدعاية وفقط.
المعارض المصري كشف أن هناك 3 اتجاهات مختلفة ومترابطة يستند إليها التحالف الجديد في تحركاته: التعمق في الهوية والعدالة الاجتماعية بتوجهها الاقتصادي والاجتماعي وبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، متفقًا مع ما ذهب إليه السادات بأن النادي يتسع للذين يؤمنون بالعدالة الاجتماعية وللقوى الديمقراطية واليسارية والليبرالية، كاشفًا أن الهدف الرئيسي يتمثل في بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة.
“ليس على الأحزاب الإسلامية أن تأخذ موقفًا مسبقًا من هذه الخطوة، سواء كان مع أم ضد، لتترك لهم الفرصة كاملة، فإن نجحت التجربة يمكن الحديث بعدها عن إمكانية الانضمام وفق أرضية مشتركة يتم الاتفاق عليها” الدكتور حسن نافعة
من جانبه اعترض الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، على إطلاق مسمى “تحالف أو تكتل” على هذا الكيان، لافتًا إلى أنهم كانوا حريصين من البداية على توضيح حقيقة هويتهم كونهم “نادي” يسعى لتقريب وجهات النظر بين الأحزاب المتفرقة وتوحيد صفوف المعارضة الممزقة.
نافعة في حديثه لـ”نون بوست” رحب بالخطوة ابتداءً شريطة ألا يتحول إلى نادٍ مغلق على أعضائه فقط دون السماح للبقية بالمشاركة، فالواقع الآن بحاجة إلى تجميع فصائل الحركة المدنية المتعثرة فيما بينها، ودون وحدة تلك الفصائل فلن تكون هناك تجربة مدنية في مصر على الإطلاق.
وبسؤاله عن احتمالية مشاركة الإسلاميين في هذا التحالف، قال: “ليس على الأحزاب الإسلامية أن تأخذ موقفًا مسبقًا من هذه الخطوة، سواء كان مع أم ضد، لتترك لهم الفرصة كاملة، فإن نجحت التجربة يمكن الحديث بعدها عن إمكانية الانضمام وفق أرضية مشتركة يتم الاتفاق عليها”.
واختتم أستاذ العلوم السياسية حديثه بأن التحدي الأكبر الآن أمام هذا الكيان الجديد مدى قدرته على مقاومة الضغوط المتوقع ممارستها عليه من السلطات الحاكمة التي من البديهي ألا تتركه يعمل في هدوء وأريحية حال تجاوزه للخطوط الحمراء، وهنا ربما يكتسب شعبية كبيرة تصبح فيما بعد ظهيرًا سياسيًا له، أما إن خضع والتزم بالسقف المحدد له فحينها سيكتب شهادة وفاته مبكرًا ويصبح رقمًا في قائمة التجارب السابقة التي منيت بالفشل.
جدير بالذكر أن هذا التحالف ليس الأول من نوعه، فمنذ ثورة الخامس والعشرين من يناير2011، شهدت الحياة السياسية في مصر عددًا من التكتلات والكيانات الناشئة التي هدفت إلى إحداث تغيرات واضحة في خريطة الدولة السياسية، وفق حزمة من الأيديولوجيات والأهداف التي تكشف فيما بعد أنها كانت سلمًا لوأد منجزات الثورة الأولى حتى وإن أقرت بخطئها فيما بعد.
البداية كانت في 2012 حين نجح الإخوان المسلمون في الوصول إلى الحكم، حين أُعلن تأسيس “التيار الشعبي” بزعامة المرشح الرئاسي الخاسر حمدين صباحي، هذا التجمع الذي ضم عددًا من القوى والشخصيات اليسارية والليبرالية في مواجهة صعود الجماعة والأحزاب الإسلامية الأخرى.
وفي العام ذاته، وتحديدًا في 22 من نوفمبر، عقب الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، أُعلن تدشين ما سمي بـ”جبهة الإنقاذ الوطني” التي تشكلت من قرابة 35 حزبًا سياسيًا وحركة سياسية وثورية وجميعها ذات أيدلوجيات ليبرالية ويسارية.
وبعدها بعامين تم تأسيس التيار المدني الديمقراطي الذي كان يضم عددًا من الاحزاب التي كانت تنادي بمدنية الدولة فضلاً عن بعض الشخصيات المعروف ميولها اليسارية، توسع في 2017 تحت مسمى الحركة المدنية الديمقراطية ليضم عددًا من الأحزاب الأخرى منها: حزب الدستور وحزب الكرامة وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب العيش والحرية.
التجارب السابقة وإن حركت المياه الراكدة – على الأقل إعلاميًا – لفترات محدودة إلا أن الوفاة كانت النتيجة الطبيعية لها، وهو ما أفقد الشارع المصري أو على الأرجح نسبة كبيرة منه الثقة في مثل هذه التحركات، ولعل هذا يمثل التحدي الأكبر أمام النادي الجديد ومدى قدرته على تغيير الصورة الذهنية السلبية عن مثل هذه الكيانات وقدرتها على إحداث الفارق خاصة بعدما وصل الأفق السياسي إلى مرحلة حرجة من الانسداد.