ظهر قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو في خطاب مختلف مساء الأربعاء الماضي 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، اعترف فيه لأول مرة منذ اندلاع الحرب في السودان بتلقيه هزيمة موجعة على يد القوات المسلحة السودانية ضمن الهجوم المتواصل الذي تشنه على الدعم السريع منذ فجر 26 من سبتمبر/أيلول الماضي.
العملية غير المسبوقة للجيش التي أطلق عليها البعض اسم عملية العبور – في إشارة إلى تمكن قوات الجيش والمتطوعين من عبور 3 جسور إلى مدينتي الخرطوم وبحري – ألحقت الهزيمة بالدعم السريع في العاصمة الخرطوم منذ الساعات الأولى، حيث تمكنت القوات من التمركز في الجسور الثلاث قبل أن تتمدد لاحقًا وتنتشر في أحياء شمال بحري ومنطقة المقرن السياحية بعد دحر قوات حميدتي.
انعكست الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة في محاور الخرطوم، التي تزامنت مع صمود القوة المشتركة لحركات دارفور في مدينة الفاشر، إيجابًا على قوات الجيش التي تقاتل في محاور وسط السودان، إذ تمكنت من إلحاق هزيمة كبرى بالدعم السريع في منطقة جبل مويا الاستراتيجية، وهي الضربة الموجعة التي تسببت مع عوامل أخرى في ظهور حميدتي بخطابه الذي اتهم فيه مصر لأول مرة بإرسال طائرات مقاتلة لإسناد الجيش.
الواضح انه الحصل في جبل مويا وخصوصا في منطقة فنقوقة كان إبادة جماعية لقوات المليشيا بالطيران
— Yasser (@yasseralfadol) October 10, 2024
اتفق معظم المراقبين على أن قائد الدعم السريع بدا مهزوزًا ومضطربًا ومعترفًا بالهزيمة في خطاب الأربعاء، الذي يرجح أنه ألقاه من مقره غير المعلن بدولة الإمارات، وأكثر ما لفت الانتباه في حديثه أيضًا أنه كان ارتجاليًا وباللهجة العامية بعيدًا عن لغة الخطابات الرسمية، ما أوحى أنّه يخاطب جنوده بالدرجة الأولى عبر وسائل التواصل والإعلام العام، في ظل غيابه الطويل عن الميدان والهزائم التي لحقت بقواته بما يشبه حالة الانهيار في معظم المحاور التي يدور فيها القتال.
هو ليه بيوجهلهم رساله ع تويتر مش عارف يكلمهم ع الأرض؟ https://t.co/Ii9HMBw0wL
— حياة اليماني🦌🇵🇸 (@HaYatElYaMaNi) October 9, 2024
وجاءت أبرز محاور الخطاب على النحو التالي:
- قال إنّ قواته قادرة على تحقيق الانتصار في أي وقت، معلنًا استدعاء قوات الاحتياطي والجنود الذين ذهبوا في إجازات إلى ذويهم، وطالبهم بالعودة فورًا إلى الوحدات العسكرية التابعة للدعم السريع لبدء العمليات العسكرية.
- اتهم 6-7 دول بتقديم الدعم بطريقة مباشرة وغير مباشرة إلى الجيش السوداني ذكر منها مصر وإريتريا وجزء من إثيوبيا (تيغراي) بالاسم.
- وعد بحشد مليون جندي للعمليات العسكرية المرتقبة.
- زعم أن الطيران الحربي للجيش يقصف القرى والمناطق بحجة قصف الحواضن الاجتماعية للدعم السريع، واتهم في الوقت ذاته قبيلة “الشايقية” بالوقوف وراء الحرب ضده.
- أنكر تورط قواته في “الشفشفة”، وهو مصطلح يطلقه السودانيون على نهب الممتلكات من جانب جنود الدعم السريع الذين يطلق عليهم شعبيًا اسم “الشفشافة”، مطالبًا الشعب السوداني بتبرئة الدعم السريع من عمليات النهب واسعة النطاق التي تورطت فيها.
- شدد على قواته عدم تصوير المعارك العسكرية، وعدم التحقيق مع الأسرى وتركهم للوحدات المسؤولة عن التحري وعدم تصويرهم.
- انتقد حميدتي الاتفاق الإطاري، في انقلاب على أفكاره السابقة، مشيرًا إلى أن الاتفاق كان السبب في الحرب، موضحًا أنّه أبلغ الولايات المتحدة وشركاءها بهذا الأمر رغم تأييده للانتقال المدني.
- وزعم أنه طلب من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عدم شن هجمات لاستعادة منطقة الفشقة الحدودية من السودان مراعاة لظروف البلاد خلال الحرب، رغم أن هذا الأمر كان سيحقق فوائد عسكرية للدعم السريع في شرق السودان، بحسب قوله.
- اتهم عضو مجلس السيادة الجنرال إبراهيم جابر بإحضار 13 قناصًا لقتل شقيقه عبد الرحيم دون مراعاة لصلة الرحم.
خطاب في توقيت صعب
قال ضابط في الجيش السوداني إن خطاب قائد الدعم السريع يأتي في وقت تتراجع فيه قواته على الأرض بشكل غير مسبوق منذ بداية الحرب، مشيرًا إلى أنهم كانوا يتوقعون مقاومة شرسة من المليشيا في مدينة بحري وفي محور ولاية سنار.
وأضاف في حديث لـ”نون بوست” أن حميدتي أقرّ ضمنًا بتفوق تسليح الجيش، بحديثه عن إمداد بالسلاح من عدة دول بالإقليم بشكل مباشر وغير مباشر، مضيفًا أنه وبالمقابل نجحت القوة المشتركة لدارفور (حلفاء الجيش السوداني) في التضييق على خطوط الإمداد الإماراتي للدعم السريع من تشاد المجاورة، بعد سيطرة القوة على مواقع استراتيجية بولايتي شمال وغرب دارفور.
ولفت الضابط – رفض الكشف عن اسمه لكونه غير مخول بالحديث – إلى أن قائد الدعم السريع وجه جنوده خلال الخطاب بعدم هدر الذخيرة في الهواء لصعوبة وصول شحنات السلاح والذخيرة، موضحًا أن طياري القوات المسلحة أصبحوا أقل عرضة لمضادات الطيران بسبب النقص الحاد في الذخيرة لدى مقاتلي المليشيا.
وفيما يتعلق باتهامات قائد الدعم السريع لمصر بقصف تجمعات قواته في جبل مويا، سخر الضابط من الاتهام بالقول إن المقاتلات المصرية لا يمكنها عبور كل تلك المسافة إلى وسط السودان ومن ثم العودة إلى الأراضي المصرية، لافتًا إلى أن الأمر مكلف للغاية من الناحية التشغيلية ولا يوجد دليل على حدوث ذلك.
قائد قوات الدعم السريع الانقلابي محمد حمدان دقلو
يتهم الطيران المصري بدك قواته في جبل مويه
ويصف الطيران المصري بالقوة القاهرة لما تمتلكه من طيران حديث سوخوي وميج
ونسي الرافال والاف ١٦
السؤال : عرفت ازاي انه طيران مصري ؟@GeneralDagllo pic.twitter.com/QSOEBvpJHc
— محمد قنديل (@MrKandiel) October 9, 2024
تحويل الانتباه بعيدًا عن الإمارات
ترجح الصحفية إيمان كمال اتهامات محمد حمدان دقلو “حميدتي” لمصر بأنها تأتي في سياق خطة جديدة لأبو ظبي تهدف إلى تقليل الضغط عليها، وصرف الانتباه ولو جزئيًا عن الاتهامات الموثوقة التي وجهت إليها بالتورط في حرب السودان.
وقالت إن الخطة الجديدة بدأت في الأيام الماضية عندما وجهت الإمارات اتهامات للجيش السوداني بقصف مقر إقامة سفيرها في الخرطوم، مشيرة في حديث لـ”نون بوست”، إلى أنّ أبو ظبي تحاول نقل السودان من مربع الهجوم إلى الدفاع.
وأوضحت كمال أنه يمكن ملاحظة بدء الكوادر الإعلامية التابعة للدعم السريع وحتى المنصات المحسوبة على بعض القوى المدنية، في تسليط الضوء على ما أسموه تورط مصر في قتل السودانيين والتحالف مع إيران والجماعات الإرهابية والإخوان المسلمين.
مصر تقتل السودانيين بالطيران الحربى المصرى وبدعمها للاخوان المسلمين فى السودان وهى شريكة فى سفك دماء السودانيين في دارفور وكردفان مصر تدعم الإرهاب العابر للقارات وتتحالف مع إيران والجماعات الإرهابية فى السودان.
— Ayoub Osman Nahar (@AyoubNahar) October 9, 2024
وكانت مصر قد نفت تلك الاتهامات التي وصفتها بـ”المزاعم”، وقالت في بيان إنها تأتي في “خضم تحركات مصرية حثيثة لوقف الحرب وحماية المدنيين وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية للمتضررين من الحرب الجارية بالسودان الشقيق”.
البيان المصري وصف حميدتي – ولأول مرة – بـ”قائد ميليشيا الدعم السريع”، وهو تحول واضح في الخطاب الرسمي المصري الذي كان يتعامل مع الدعم والجيش كطرفي صراع، الأمر الذي قد يكشف تغيرًا قادمًا في الموقف المصري.
ويعكس اتهام حميدتي لمصر باشتراكها في هزيمة قواته بمعركة جبل مويا مقابل ثنائه الضمني على رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، حالة الاستقطاب التي تشهدها المنطقة من الحرب، إذ تصطف القاهرة إلى جانب الجيش السوداني بينما تنحاز إثيوبيا ضمنًا إلى صف الدعم السريع المدعومة من حليفتها دولة الإمارات، كما يمكن ملاحظة الانتقادات التي وجهها حميدتي في خطابه إلى 3 دول من الرباعية التي توسطت في الاتفاق الإطاري (السعودية وبريطانيا والولايات المتحدة) مع استثناء الإمارات بطبيعة الحال، وهو ما يعني إحباطه الشديد الذي دفعه إلى مهاجمة قوى دولية وإقليمية مهمة ومؤثرة في الشأن السوداني.
جدير بالذكر أن وزارة الخزانة الأمريكية فرضت قبل يومين عقوبات على شقيقه، القوني حمدان دقلو موسى، وقالت الخزانة إن العقوبات على القوني جاءت بسبب تورطه في شراء الأسلحة وغيرها من المعدات العسكرية التي مكّنت الدعم السريع من تنفيذ عملياتها الجارية في السودان، بما في ذلك هجومها على الفاشر.
ويدير القوني الذي يحمل رتبة رائد في قوات الدعم السريع شركة “تراديف للتجارة العامة المحدودة”، ومقرها الرئيسي في الإمارات، وهي شركة توريد سبق لها أن قامت بشراء سيارات لمليشيا الدعم السريع.
الاستعداد لسيناريو انتحاري
أخيرًا، ينبغي على قادة الجيش السوداني أخذ وعود قائد الدعم السريع بشن هجوم في قادم الأيام على محمل الجد، فرغم الخسائر التي تعاني منها قواته بعد عملية العبور يمكن أن يقدم على أي عملية انتحارية بهدف تحقيق انتصار، مهما بلغت الخسائر للتخفيف من وطأة الهزيمة الثقيلة، فقد يحشد جل قواته للهجوم على ولاية القضارف أو نهر النيل أو النيل الأبيض وفق مؤشرات خطابه المرتبك.
ومن الصعب تحليل خطاب حميدتي بمنهج سياسي منطقي، إذ غلب عليه الارتباك والاضطراب بين توجيه رسائل لجنوده المشتتين وهجومه على مصر والسعودية والولايات المتحدة، وهو في المجمل خطاب لا يخلو من اعتراف ضمني بالهزيمة وشعور بالخذلان، لكنه رغم ذلك يصر على المضي حتى لو غامر بخطوة انتحارية تقضي على ما تبقى من قواته.