بعد ثماني سنوات من التعب والمثابرة وقبيل أشهر من الوصول إلى الحلم الذي عاش من أجله أعوامًا، جاء قرار الحكومة الموريتانية المفاجئ والصادم بسحب تراخيص مركز تكوين العلماء (أحد أكبر الصروح العلمية بالبلاد) الذي يرأسه العلامة المعروف والعضو بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين محمد الحسن ولد الددو، ليوقف حلم الفتى عبد الرحمان أحد طلاب مركز تكوين العلماء القدامى.
تظاهرات الطلبة
تعددت الأسئلة عن الأسباب التي دفعت نظام الجنرال محمد ولد عبد العزيز إلى اتخاذ القرار في هذا التوقيت وهذه الظرفية، وبدأت المطالبات والاعتراضات التي تحولت إلى احتجاجات أمام مقر وزارة الشؤون الإسلامية، نظمتها رابطة طلاب مركز تكوين العلماء بموريتانيا، مطالبين بإعادة فتح المركز من جديد ليعود إلى طلب العلم هناك، وتلك غاية نبيلة حرموا منها منذ الـ23 من ديسمبر الماضي.
مركز جديد تابع للدولة
لم يمض شهر على إغلاق المركز، حتى جاء قرار آخر زاد الجدل بشأن الملف وهو إقامة مركز جديد لتأهيل وتكوين العلماء في مدينة أكجوجت، تتولى وزارة الشؤون الإسلامية، بالتعاون مع رابطة علماء موريتانيا المقربة من رأس النظام الحاكم، الإشراف عليه وتمويله، ما دفع بعض المعارضين للنظام لاتهام الجنرال ولد عبد العزيز بالسعي للسيطرة على المنابر الدينية في البلاد والسماح للأيادي الخارجية بالتدخل في شؤون البلاد، أسوة ببقية الأنظمة العسكرية في البلاد العربية.
التدخلات الخارجية
الطالب بمركز تكوين العلماء الفتى عبد الرحمان وفي تصريح لـ”نون بوست” يرى أن المركز الذي تنوي الدولة إقامته، يأتي ضمن صفقة خارجية تم خلالها إغلاق المركز الأول، متهمًا دولة الإمارات بأنها رأس الحربة بكل ما يحدث في موريتانيا.
أبدى مسؤولون إماراتيون استعدادهم لتقديم الدعم المالي للمركز الجديد الذي ستشرف عليه الدولة الموريتانية بحسب ما نقلته وكالة الأخبار الموريتانية
شكوك يعززها ما نقلت وكالة الأخبار الموريتانية، عن لقاء حدث في الـ22 من أكتوبر الماضي بين وزير الشؤون الإسلامية أحمد ولد أهل داوود والسفير السعودي بنواكشوط هزاع بن ضاوي المطيري، وتطرق اللقاء بحسب الوكالة للمركز الجديد وتعهدت السعودية بتقديم الدعم المالي له.
كما أبدى مسؤولون إماراتيون استعدادهم لتقديم الدعم المالي للمركز الجديد الذي ستشرف عليه الدولة الموريتانية بحسب ما نقلته وكالة الأخبار الموريتانية.
محمد الحسن ولد ددو
الظرفية
يضاف إلى ذلك الظرفية التي جاء فيها إغلاق المركز، فهو يأتي بعيد أسابيع قليلة من انتخابات بلدية وبرلمانية، افتتحها الجنرال محمد ولد عبد العزيز بالهجوم على التيار الإسلامي والتعهد بإلحاقه بنظرائه في بعض الدول العربية.
وزاد من غضب الجنرال على الإسلاميين، النتيجة المبهرة التي حققها الحزب المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين في موريتانيا (تواصل) الذي حل في المركز الثاني ونافس الحزب الحاكم في أهم ولايات الوطن (نواكشوط العاصمة)؛ ما دفع بتعجيل قرار إغلاق المركز واستبداله بآخر بحسب المراقبين، خاصة أن من بين التهم التي استخدمها النظام في إغلاق المركز، الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.
الشارع الموريتاني
أبدى غالبية الموريتانيين سواء على منصات التواصل الاجتماعي أم حتى في الشوارع والأسواق، غضبهم واستنكارهم لإغلاق مركز تكوين العلماء، ودشن نشطاء عبر مواقع الفيسبوك وتويتر الموريتانية، حملة #افتحوا _مركز_ تكوين العلماء، ولم يبد الشارع الموريتاني سخطه من المركز الذي تنوي الدولة إقامته، بل كان هناك ترحيب بالفكرة ولكن ليس على أنقاض المركز الأول.
المركز الذي أنشأه العلامة محمد الحسن ولد ددو في العام 2008 ظل نموذجًا فريدًا في البلاد والمنطقة من ناحية تدريس العلوم الشرعية
النائب البرلماني الموريتاني والصحفي محمد الأمين سيدي مولود يرى في تصريح لـ”نون بوست” أنه كان على النظام الموريتاني إعادة فتح المركز الأول قبل التفكير في افتتاح مركز جديد، مبديًا عدم معارضته لفكرة فتح مركز جديد لتكوين وتأهيل العلماء فهو أمر إيجابي بحسب رأيه ولكن ليس على أنقاض مركز تكوين العلماء الأول.
مصير طلبة المركز
المركز الذي أنشأه العلامة محمد الحسن ولد ددو في العام 2008 ظل نموذجًا فريدًا في البلاد والمنطقة من ناحية تدريس العلوم الشرعية، ويستقطب سنويًا عشرات الطلبة ويقدر عدد طلابه 500 طالب، إلى جانب المسابقات السنوية التي ينظمها المركز لتحفيز الطلبة على تدارس العلوم الشرعية.
اليوم يجد مئات الطلاب من المركز أنفسهم في الشارع نحو المجهول، ومئات غيرهم من الحالمين بأن يصحبوا علماءً، على خطى علماء بلاد شنقيط، لتبقى العديد من الأسئلة التي دارت بعد إغلاق المركز مطروحة دون إجابات ولعل أهمها: هل يسعى نظام الجنرال محمد ولد عبد العزيز للسيطرة على المنابر الدينية؟