ترجمة حفصة جودة
عودة غير متوقعة لمهرجان لندن فلسطين السينمائي بعد توقف لمدة عامين لمشكلات تتعلق بالتمويل، يعرض المهرجان مجموعة غنية من السينما الفلسطينية في الماضي والحاضر ومناقشات كتب وبعض من أشهر الأفلام الفلسطينية في السنوات الأخيرة.
كان المهرجان قد بدأ لأول مرة عام 1988 بواسطة أحد طلاب كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن، وخلال الـ20 عامًا الماضية كان المهرجان يعرض جوانب مختلفة للتجربة الفلسطينية، ويقدم برامج تجمع بين الأفلام التاريخية مع أحدث منتجات السينما الفلسطينية، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الأنشطة الأخرى مثل المعارض الفنية وحلقات النقاش.
يُقام المهرجان في أكبر مراكز لندن الفنية مثل “باربيكان” و”كورزون سوهو” و”معهد الفنون المعاصرة”، وتعرض نسخة هذا العام مجموعة طموحة تركز على المنفى والسجن والذاكرة الجمعية لفلسطين وغزة.
يبدأ المهجان بالفيلم الوثائقي “اصطياد أشباح” لرائد أندوني والحاصل على جائزة أفضل وثائقي في مهرجان برلين السينمائي عام 2017، ويتحدث أندوني في تجربته الأخيرة المثيرة عن “المسكوبية” (مركز الاحتجاز الإسرائيلي سيء السمعة)، وهناك استخدم معتقلين سابقين للقيام بدور آسريهم.
هذه القصص تبدو ضرورة ملحة ومناسبة للوقت، وتتوافق مع التاريخ المؤلم الذي يعيد نفسه
تدريجيًا يبدأ السجناء بإخضاع مجموعة من الممثلين للتعذيب النفسي الذي تعرضوا له، ويتلاشى الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال، دراسة أندوني المثيرة للأسر والصدمة هي بدورها مثيرة ومربكة ومخيفة، ورغم مرور عامين على انطلاق الفيلم فما زال أحد أشهر الأفلام الوثائقية العربية في هذا القرن.
الحياة في غزة
يركز المهرجان هذا العام على قصص من غزة التي تقع تحت الحصار الإسرائيلي والمصري منذ عام 2007، وتلقي عدد من الأفلام القصيرة الضوء على الحياة في أثناء العمليات العسكرية الإسرائيلية الرئيسية الثلاثة التي استهدفت غزة بين عامي 2008 و2014.
ونظرًا للهجمات الإسرائيلية الأخيرة على غزة التي خلفت 7 شهداء من الفلسطينيين والاحتجاجات التي خلفت أكثر من 200 شهيد، فهذه القصص تبدو ضرورة ملحة ومناسبة للوقت، وتتوافق مع التاريخ المؤلم الذي يعيد نفسه.
يتضمن البرنامج قصة قصيرة لدينا ناصر بعنوان “دقيقة واحدة” (2015) وهو عرض مؤثر عن الدقائق الأخيرة لامرأة قبل غارة إسرائيلية، ويعرض أيضًا الوثائقي القصير “صيف حار جدا” (2016) للمخرجة أريح أبو عيد الذي يحكي عن الذكريات الشخصية للمخرجة برمضان في أثناء حرب 2014.
نادي أمواج غزة
أما فيلم “الإسعاف” (2016) لمحمد جبلي فيحكي عن جهود فريق المسعفين خلال 51 يومًا من حرب 2014، يُعرض أيضًا الوثائقي المثير للمخرجين ميكي يامين وفيليب غنادت “نادي أمواج غزة” (2016) وهو يرسم صورة متفائلة لمشهد ركوب الأمواج الذي انتشر مؤخرًا في غزة.
فلسطينيون في المنفى
من أبرز الأصوات التي قدمها المهرجان المخرج الفلسطيني الدنماركي مهدي فليفل الذي أحدث ضجة في المهرجان بفيلمه الوثائقي الطويل الذي صدر عام 2012 “العالم ليس لنا” وهو يحكي قصة 3 أجيال من الفلسطينيين في المنفى بمخيم عين الحلوة وهو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
كما يقدم المهرجان 5 أفلام قصيرة لفليفل أخرجها بين عامي 2014 و2018 وساهمت في شهرته كشاعر السينما الفلسطينية المعاصرة في المنفى، في فيلمه “الغريب” عام 2014 يتتبع فليفل قصة مجموعة من الشباب الفلسطيني المهاجر من مخيم عين الحلوة حيث يكافحون للبقاء على قيد الحياة في مدينة أثينا المدمرة اقتصاديًا.
في فيلمه “عودة الرجل” (2016) وهو التتمة غير الرسمية لفيلم “الغريب” يؤرخ المخرج لعودة أحد اللاجئين لعين الحلوة، وهو الآن مدمن هيروين لكنه يحاول أن يبدأ حياة جديدة بينما تلقي الحرب السورية بظلالها على المخيم.
وفي عام 2017 أخرج فليفل أول فيلم روائي له الذي نافس في مهرجان كان بعنوان “رجل يغرق” وهو فيلم مشابه لفيلم الغريب ويحكي قصة لاجئ شاب فلسطيني يكافح للتعامل مع العدائية في أثينا.
أكثر هذه الأفلام هزلًا هو فيلم “لقد وقعت على العريضة” (2018) وهو قصة ساخرة ومضحكة لشاب فلسطيني يدرس عواقب توقيعه على عريضة لمقاطعة “إسرائيل” ثقافيًا، الأكثر سخرية وأكثر مرارة أيضًا فيلم “20 مصافحة سلام” (2014) وهو عبارة عن تحليل للمصافحة الشهيرة بين ياسر عرفات وإسحاق رابين وبيل كلينتون يوم اتفاقية أوسلو 13 من سبتمبر 1993 بالإضافة إلى التعليق الصوتي الغاضب للأديب والناقد الفلسطيني الشهير عالميًا إدوارد سعيد.
يحاول الفيلم الخالي من الحوار إعادة يافا المفقودة للشعب الفلسطيني
نجح عدد قليل آخر من المخرجين في إنعاش الذاكرة الفلسطينية ومن بينهم المخرج التجريبي كمال الجعفري الذي ظهر لأول مرة في فيلم “ميناء الذاكرة” (2010) وهو أحد أهم الأفلام الفاصلة في هذا العقد ويحكي عن نزوح الفلسطينيين من يافا، يعود الجعفري – المقيم في برلين – إلى يافا مرة أخرى بفيلمه “استعادة” (2015) وهو فيلم وثائقي مبتكر عن المدينة الساحلية ويعرض لقطات مختارة من مصادر متنوعة ما بين 1960 و1990.
ومن خلال إزالة أي وجود إسرائيلي في تلك اللقطات، يحاول الفيلم الخالي من الحوار إعادة يافا المفقودة للشعب الفلسطيني الذي لم يعد له مكان في المدينة التي كانت يومًا ما مركزًا ثقافيًا لفلسطين.
تم اكتشاف طريقة أخرى واضحة للتعامل مع الذاكرة الفلسطينية المفقودة في “سينما الثورة الفلسطينية” وهو برنامج حيوي يتكون من 5 أفلام وثائقية قصيرة بين عامي 1969 و1984، يتضمن البرنامج فيلم علي صيام “زهرة المدائن” (1969)، الذي يظهر الحياة الفلسطينية المتناغمة في القدس التي كانت تحت سيطرة الأردن قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967.
يقدم المهرجان مدخلاً قيمًا لإضفاء الطابع الإنساني على الشعب الذي كان دائمًا مجرد أرقام في نشرات الأخبار
أما فيلم “عين” (1976) فهو يسجل حياة المصور هاني جوهرية أحد الآباء المؤسسين للسينما الفلسطينية، وفيلم “وهج الذكريات” (1972) الذي يحكي عن الفنان التشكيلي المخضرم إسماعيل شموط.
أكوان بائسة
أحد الأفلام المميزة أيضًا ثلاثية الخيال العلمي “هجرة إلى الفضاء” (2008) للفنانة الفلسطينية لاريسا صنصور، وفيلمها الشهير أيضًا “ممتلكات أمة” الذي يتخيل فلسطين كناطحة سحاب عملاقة تقع وسط الأراضي المحتلة.
من أبرز الفعاليات الأخرى فيلم “البرج” (2018) للمخرج ماتس غرود ويحكي ملحمة حميمة لفتاة عمرها 11 عامًا تعيش في مخيم برج البراجنة في بيروت، ويتتبع الفيلم 4 أجيال من النازحين الفلسطينيين على مدى 70 عامًا.
يعرض المهرجان أيضًا فيلم “أطفال المخيم” (2017) للمخرج سامر يلامة وهو يتحدث عن مخيم اليرموك للفلسطينيين في سوريا منذ بدء الحرب، يقدم المهرجان أيضًا مناقشة لكتاب “السينما الفلسطينية في أيام الثورة” للكاتبة نادية يعقوب رئيس قسم الدراسات الآسيوية في جامعة نورث كارولينا.
ومع عودة فلسطين مرة أخرى إلى عناوين الأخبار، يقدم المهرجان مدخلاً قيمًا لإضفاء الطابع الإنساني على الشعب والأمة الذين كانوا دائمًا مجرد أرقام في نشرات الأخبار.
المصدر: ميدل إيست آي