ترجمة وتحرير: نون بوست
تزامن إعلان السعودية يوم أمس الخميس عن عملها على إصدار أحكام بالإعدام، مع فرض الولايات المتحدة عقوبات ضد بعض أعضاء الفريق السعودي المشتبه بهم في قتل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. وبعد مرور شهر ونصف على مقتله، بات كل شيء واضحا: فقد باءت محاولة إقناع الناقد بالعودة إلى البلاد بالفشل بشكل فظيع، بعد ذلك تم تحديد المشتبه بهم، ثم فرضت عقوبات صارمة، ومن ثم أغلقت القضية.
في الأثناء، تم تبرئة محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية والبالغ من العمر 33 سنة. فقد أخبر وزير الخارجية في المملكة العربية السعودية، عادل الجبير، يوم أمس، الصحفيين في الرياض قائلا: “بالطبع، ليس لسمو ولي العهد أي علاقة بهذه القضية”. والجدير بالذكر أن العقوبات الأمريكية لا يمكن أن تطال ولي العهد، ولا أقربائه.
في الواقع، سواء كانت الرواية الأخيرة قادرة على طي صفحة قضية خاشقجي أم لا، فإن تركيا التي من الواضح أنها تملك تسجيل صوتي كامل لما حدث، والتي نشرت أجزاء منه بشكل مطرد لبعض الدول (في آخر التسجيل، كان أحد أعضاء الفريق المكلف بالقتل يخبر رئيسه عبر الهاتف قائلا:” أخبر رئيسك إنه المهمة قد أنجزت”) لن تصدق هذه القصة. وشدد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، على أن تنفيذ عملية القتل لم تكن فكرة وليدة اللحظة. وأضاف السيد جاويش أوغلو: “لقد تم جلب المعدات والأشخاص الضروريين لقتل خاشقجي ثم تقطيع جثته في وقت لاحق”.
الغضب الناجم عن حدوث عملية الاغتيال قد وضع عائلة آل سعود في موقف دفاعي، الأمر الذي أعطى أهم حليف ومورد للأسلحة نحو الرياض النفوذ لتوجيه المملكة أكثر نحو خدمة الأهداف الأمريكية
في الحقيقة، من الصعب جدا تصديق أن طائرة تحمل عملاء أمنيين، بما في ذلك اختصاصي في الطب الشرعي، قد قطعت كل هذه المسافة إلى اسطنبول فقط لإقناع خاشقجي بكل لطف، وهي أول محاولة تقوم بها العائلة المالكة لإقناع ناقد موجود في المنفى، بالرجوع إلى البلاد. قد لا تكون الحقيقة معروفة، خاصة إذا نجح المدعي العام السعودي في فرض عقوبة الإعدام ضد خمسة سعوديين من بين المشتبه بهم، وبالتالي، القضاء على الشهود الرئيسيين. لكن، ما هو واضح بالفعل هو أن العلاقة بين المملكة الغارقة في النفط والولايات المتحدة بحاجة إلى التغيير.
تجدر الإشارة إلى أن الغضب الناجم عن حدوث عملية الاغتيال قد وضع عائلة آل سعود في موقف دفاعي، الأمر الذي أعطى أهم حليف ومورد للأسلحة نحو الرياض النفوذ لتوجيه المملكة أكثر نحو خدمة الأهداف الأمريكية. كما وضعت حادثة الاغتيال والمحاولات المثيرة للشفقة للتستر عن الأمر، ولي العهد في موقف محرج.
عموما، تغافلت كل من الولايات المتحدة والقوى الغربية المتعطشة للنفط والدولارات المتأتية من الاستثمارات السعودية تماما عن الانتهاكات المستمرة التي ارتكبتها السعودية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، بما في ذلك قمع النساء وحريات الدين والتعبير. لم يقتصر هذا النهج الضيق فقط على المملكة العربية السعودية، فقد تعامل الغرب في العقود الأخيرة مع الاتحاد السوفياتي وعشرات من الأنظمة الاستبدادية الأخرى لمنع الحرب وضمان إمدادات النفط والمواد الخام الأخرى من أجل مكافحة الإرهاب.
في المقابل، ذهب الأمير الشاب إلى أبعد من ذلك وعلى مستوى العديد من الجبهات في المنطقة. وبهدف احتواء الخطر الإقليمي التي تشكله إيران في المنطقة، شن حربا غير مدروسة العواقب في اليمن، والتي تسببت في حدوث أبشع كارثة إنسانية. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية شريكا متواطئا في هذه الحرب نظرا لأنها تزود المملكة العربية بالأسلحة والدعم العسكري. فضلا عن ذلك، قام بن سلمان بفرض حصار على قطر، كما أنه احتجز رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري. وقد أدى هذا الإحباط الذاتي الذي يعاني منه إلى تحويل بلاده إلى خطر إقليمي رئيسي، بدلا من إيران.
خلال فترة حكمه التي اتسمت بالفوضى، استمر ولي العهد في التمتع بالدعم الذي تلقاه من قبل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنر، الذي تولى حقيبة الشرق الأوسط في البيت الأبيض على الرغم من افتقاره الجلي للمؤهلات اللازمة.
في السعودية، برز الأمير منذ بداية توليه منصبه في صورة قائد إصلاحات اجتماعية واقتصادية واعدة، على غرار رفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات. في المقابل، احتجز مجموعة من الأمراء من العائلة المالكة، ناهيك عن أصحاب المليارات المتأتية من الثروات النفطية الهائلة، لتعزيز سلطته وقمع معارضيه. وقد أدى كل ذلك إلى ارتكاب جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، سواء كان ذلك صادر بأمر منه أم لا.
وخلال فترة حكمه التي اتسمت بالفوضى، استمر ولي العهد في التمتع بالدعم الذي تلقاه من قبل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنر، الذي تولى حقيبة الشرق الأوسط في البيت الأبيض على الرغم من افتقاره الجلي للمؤهلات اللازمة. لقد اعتبر كل من ترامب وكوشنر هذا الأمير الشاب حليفا لهما في حربهما ضد إيران، جنبا إلى جنب مع إسرائيل، ناهيك عن كونه مشتريا لكميات لا حد لها من الأسلحة الأمريكية. وعلى إثر مقتل خاشقجي، تمثل أول رد فعل قام بها ترامب في التصريح بأن هذه القضية لن تؤثر على مبيعات الأسلحة المربحة.
من جهته، رشح الرئيس الأمريكي أخيرا سفيرا لدولته في الرياض، وهو منصب حساس بقي شاغرا منذ توليه رئاسة البلاد. ويعتبر سحب سفير من أهم المظاهر الأكثر شيوعًا للتعبير عن استياء الذي يشوب العلاقات الدبلوماسية بين بلدين.
ويُعد جون أبي زيد، وهو جنرال متقاعد، يملك معرفة واسعة بمنطقة الشرق الأوسط، خيارا جيدا لتولي هذا المنصب، ونأمل أن يتمكن من إنارة البيت الأبيض حول السعوديون.
أعطت جريمة قتل خاشقجي نفوذاً كبيراً للإدارة الأمريكية على حساب النظام السعودي الذي أصبح هشا إثر هذه القضية، لتبرئة بن سلمان من مقتل الصحفي السعودي من جهة، وإنهاء الحرب الكارثية في اليمن
على أي حال، تولد لدى البعض في واشنطن والعواصم الأخرى شعور بالخوف والحذر من ولي العهد محمد بن سلمان قبل وقت طويل من مقتل خاشقجي. وقد تسببت هذه الجريمة، التي وقعت في مدينة اسطنبول، في صدمة كبيرة، وساهمت الأشرطة الصوتية التي تمتلكها السلطات التركية في كشف النقاب عن هذه الجريمة. وقد سارعت الحكومات ورجال الأعمال والسياسيون إلى الحدّ من اتصالاتهم به.
في حقيقة الأمر، أعطت هذه الجريمة نفوذاً كبيراً للإدارة الأمريكية على حساب النظام السعودي الذي أصبح هشا إثر هذه القضية، لتبرئة بن سلمان من مقتل الصحفي السعودي من جهة، وإنهاء الحرب الكارثية في اليمن، وإعادة علاقاتها مع قطر، فضلا عن المساعدة في صنع السلام مع إسرائيل، والحفاظ على استقرار أسعار النفط. وبناء على ما ستؤول إليه نتيجة تحقيقات حول هذه الجريمة، سيتم استبدال ولي العهد بوريث أقل اندفاعًا وخطورة من الأمير الشاب.
ومع ذلك، فإن أي مطالب من هذا القبيل ستكشف عن نفاق كبير إن لم تكن مصحوبة بدعوة لإنهاء انتهاكات بحقوق الإنسان الأساسية التي تقوم بها المملكة. والجدير بالذكر أن حادثة مقتل خاشقجي لم تكن بداية سجل هذه الانتهاكات، ولكن يجب أن تكون إعلانا عن نهايتها، ونهاية التواطؤ الأمريكي معها.
المصدر: نيويورك تايمز