ترجمة وتحرير: نون بوست
يمثل عدم القدرة على الوصول إلى الخدمات المصرفية عائقا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ووفقا لأحدث الأبحاث، يؤخر الوصول إلى هذه الخدمات في المنطقة العالم ما يؤدي بدوره إلى تراجع النمو الاقتصادي. في المقابل، هناك العديد من القدرات التي لم يتم استغلالها والتي حان الوقت لإطلاق العنان لها، لا سيما تلك المتعلقة باستخدام التكنولوجيا المالية. بمعنى آخر، يمكن إصلاح هذه المعضلة التي تعاني منها المنطقة.
من المستحيل فصل كل من الاستخدام المتنامي للتكنولوجيا المالية، والنظام المصرفي، والنمو الاقتصادي عن بعضهم البعض. لذلك، يعني انتشار التكنولوجيا المالية أن المزيد من الأشخاص والشركات سيستخدمون الخدمات المصرفية، ما من شأنه أن يدفع بعجلة اقتصاديات المنطقة. وفي الواقع، أشار التقرير الذي نُشر مؤخرا من قبل معهد التمويل الدولي، وهو خلية تفكير مقرها واشنطن، إلى أن “الولوج التنامي إلى الموارد المالية من شأنه أن يساهم في نمو اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسق أسرع”.
علاوة على ذلك، أشار معهد التمويل الدولي إلى أنه من المحتمل أن تتحسن المكاسب الاقتصادية بنسبة نمو إضافية تصل في المعدل إلى واحد بالمائة سنويا. وستكون هذه النسبة بمثابة خطوة كبير مقارنة بمعدلات النمو المتوقع أن تصل إليها جميع دول المنطقة.
فشل في بلوغ الهدف
صرّح ماركوس شينيفيكس، محلل شؤون الشرق الأوسط لدى مؤسسة “تي إس لومبارد” التي تتخذ لندن مقرا لها، أنه “على مدى العقود الماضية، حققت البنوك الإقليمية ربحا جيدا بسبب إعادة تدوير ريع النفط. لذلك، تعد فكرة بناء قاعدة ضخمة للمستهلكين، فكرة جديدة نسبيا”. بعبارة أخرى، لم تحفّز الأموال السهلة المتأتية من عائدات النفط المصرفيين أو أصحاب البنوك من أجل توسيع خدماتهم حتى تتجاوز الأفراد أو الشركات الكبرى.
أفادت أكثر من ثلاث شركات صغرى ومتوسطة من أصل 10 بأن الصعوبة الكبرى التي تواجهها هذه الشركات فيما يتعلق بالحصول على التمويل تحد من نموها
في الواقع، تظهر هذه الحقيقة من خلال البيانات، حيث تحتل المنطقة آخر المراتب مقارنة ببقية دول العالم فيما يُسمى بمقاييس الشمول المالي. وتبين هذه المقاييس حجم السكان المنخرطين ضمن النظام المصرفي. وفي هذا الصدد، أشار أحد التقارير الصادرة عن معهد التمويل الدولي، إلى أن أقل من نصف سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا البالغين يملكون حسابات في إحدى المؤسسات المالية، مقارنة بحوالي 60 بالمائة في الاقتصادات النامية والناشئة، حيث تملك حوالي 35 بالمئة فقط من النساء حسابات في إحدى هذه المؤسسات.
تجدر الإشارة إلى وجود تباين كبير على مستوى الشمول المالي في جميع أرجاء المنطقة، مع العلم أن دول مجلس التعاون الخليجي حققت نسبة عالية نسبيا فيما يتعلق بهذه المقاييس. ووفقا لتقرير مصاحب نشره معهد التمويل الدولي، يعد تبني المنطقة للتكنولوجيا المالية ضعيفا. فعلى سبيل المثال، يتم استخدام أنظمة الدفع الإلكترونية في كل من تونس والجزائر ومصر بنسبة أقل مقارنة بالمكسيك وكينيا.
يعني ذلك أنه في المتوسط، يعد سكان المكسيك وكينيا أكثر استعدادا لدفع فواتيرهم إلكترونيا مقارنة بكل من تونس، والجزائر أو مصر. ويعد نقص التمويل المتاح للشركات الصغيرة والمتوسطة، أحد مواطن الضعف الخطيرة التي يتسم بها الشمول المالي.
الشركات الصغيرة تتعثر
حسب معهد التمويل الدولي، أفادت أكثر من ثلاث شركات صغرى ومتوسطة من أصل 10 بأن الصعوبة الكبرى التي تواجهها هذه الشركات فيما يتعلق بالحصول على التمويل تحد من نموها. وبكل بساطة، تشمل الشركات الصغيرة والمتوسطة العديد من النواقص ما من شأنه أن يخلق مشاكل أكبر.
وفقا للبيانات التي جمعها موقع “ترايدينغ إيكونومكس” فإن نسبة البطالة في مصر بعيدة كل البعد عن كونها غير اعتيادية، فقد وصلت في الوقت الحالي إلى 9.9 بالمائة
من جانبه، صرح كبير الاقتصاديين لدى معهد التمويل الدولي الذي يعنى بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غاربيس إيراديان، بأن “الشركات الصغرى والمتوسطة في المنطقة تتمتع بقدرة أقل على الوصول إلى رأس المال”. وأضاف إيراديان: “لقد أجرينا بعض الدراسات التجريبية للاقتصادات الناشئة التي تظهر أن الشركات الصغرى والمتوسطة التي تحظى بإمكانية الوصول إلى التمويل المصرفي، تنمو بشكل أسرع”.
في الحقيقة ستحتاج الدول الغنية بالنفط لهذا العنصر على نحو متزايد مع عزم باقي دول العالم تخفيض وارداتها من الطاقة. وفي هذا السياق، أوضح إيراديان أنه “عندما يتعلق الأمر بالبلدان المصدرة للنفط، فإن معظم نشاطها الاقتصادي متأتي من القطاع العام والمؤسسات الكبرى الخاصة. وفي المستقبل، ستحتاج هذه البلدان إلى الاعتماد بشكل أكبر على الشركات الصغرى والمتوسطة لتحقيق النمو”.
في سياق متصل، بين إيراديان أنه بغض النظر عما إذا كانت الدولة تصدر النفط أما لا، فإن الشركات الصغرى والمتوسطة عادة ما تكون هي المحرك الأساسي لخلق فرص العمل في أي اقتصاد. ويثير هذا الموضوع قضية شائكة في المنطقة، التي تفتقر بشكل عام إلى فرص الشغل. ووفقا لمعهد التمويل الدولي، فإن نسبة البطالة، خاصة بين صفوف الشباب، مرتفعة في منطقة الشرق الأوسط أكثر من أي منطقة أخرى.
وفقا للبيانات التي جمعها موقع “ترايدينغ إيكونومكس” فإن نسبة البطالة في مصر بعيدة كل البعد عن كونها غير اعتيادية، فقد وصلت في الوقت الحالي إلى 9.9 بالمائة. وفي حال قامت البنوك والمؤسسات المماثلة بتسويق خدماتها بنشاط أكبر إلى قاعدة أوسع من العملاء، فإن الاقتصادات يمكن أن تزدهر. ويمكن أن يأتي التأثير الإيجابي نفسه من اعتماد المزيد من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول.
يشير تقرير معهد التمويل الدولي إلى أنه في حال زيادة الشمول المالي، قد يتسارع معدل النمو السنوي بأكثر من النصف
حسب ما ورد في تقرير معهد التمويل الدولي، فإن شركات التكنولوجيا المالية ستعزز التجارة الإلكترونية وتستفيد من نموها. ومن المتوقع أن تزيد نسبة اعتماد حلول الدفع الإلكتروني بسرعة مع ارتفاع انتشار الهواتف المحمولة والإنترنت، إضافة إلى زيادة استخدام الهواتف الذكية.
المزيد من النمو
وفقاً لتقرير صادر في يناير/ كانون الثاني عن البنك الدولي، بلغ متوسط معدل النمو في المنطقة 1.8 بالمائة سنة 2017، وقد تم تسجيل نمو متواضع نسبيا على الرغم من تضاعف أسعار النفط من مستوى منخفض بلغ 26 دولار للبرميل الواحد في أوائل سنة 2016 إلى نحو 58 دولارا في الآونة الأخيرة. وعلى مر الزمن، كانت ثروات المنطقة الاقتصادية مرتبطة ارتباطا وثيقا بقوة سوق النفط.
في شأن ذي صلة، يشير تقرير معهد التمويل الدولي إلى أنه في حال زيادة الشمول المالي، قد يتسارع معدل النمو السنوي بأكثر من النصف. وهذا يحيل بدوره إلى أن التحكم في نمو التضخم يمكن أن يبلغ نسبة تصل إلى واحد بالمائة سنويا عبر المنطقة؛ ما من شأنه أن يزيد من متوسط معدل النمو من 1.8 بالمائة إلى 2.8 بالمائة.
في هذا الصدد، أفادت كريستينا هوبر، وهي من كبار الاستراتيجيين في الأسواق العالمية في شركة “إنفيسكو” في نيويورك، بأن “نقص الخدمات يمثل بالتأكيد فرصة للبنوك الغربية”. كما قالت هوبر إن المنطقة لديها ممارسات ثقافية مختلفة، مما يعني أن ما يصلح للبنوك في أتلانتا بجورجيا، قد لا يكون مناسبا للقاهرة”. وشددت هوبر على ضرورة أن “يكون هناك وعي بالطريقة التي تتم بها إدارة الأعمال، كي لا يكون هذا النهج نمطيا بالنسبة البنوك”.
أما أهم جزء في كيفية إنجاز الأعمال هو الثقة، خلافا لما هو متعارف عليه في الولايات المتحدة. وقد بين راندال بيترسون، وهو المدير الأكاديمي في معهد القيادة في كلية لندن للأعمال في المملكة المتحدة أن “الثقة مستمدة إلى حد كبير من التفاعل الشخصي. وبمقدورنا أن نُتم العمل بفضل الروابط الأسرية أيضا”. كما أورد بيترسون أنه غالبا ما يكون هناك انعدام في الثقة في البنوك المحلية مقابل البنوك المملوكة للأجانب، “والسبب هو أنه على الرغم من أن البنية التحتية الإقليمية قد تم إصلاحها، إلا أنك قد لا ترى زيادة في عدد المصرفيين مثلما هو الحال في الصين”. لكن هذا يعني أيضا أن هناك فرصة كبيرة محتملة للبنوك الأجنبية الموثوق بها لسد الفجوة من خلال تقديم المزيد من الخدمات المالية.
المصدر: ميدل إيست آي