لم يغب حزب التجمع اليمني للإصلاح يومًا عن العين الإماراتية التي تطلعت في اليمن إلى أبعد من الحرب الجارية بين الشرعية والانقلابيين، فأبو ظبي التي تحث الخُطى مستعينة بأذرعها الأمنية المحلية لبسط سيطرتها، خاصة على جنوب اليمن، لا ترى موقع لإخوان ذلك البلد في المشهد الذى تسعى لترتيبه، وهي التي تقود حرب إلغاء ضدهم في شرق العالم العربي وغربه.
على عكس هذه الخصومة، لم تكن الصور المتداولة لاستقبال ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد رئيس الحزب محمد اليدومي وأمينه العام عبد الوهاب الآنسي في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، مجرد صور للقاء عابر، فالمضيف يكره ضيوفه إلى حد تمنيه قتلهم الواحد تلو الآخر.
حدث من هذا القبيل لم يكن ليغيب عن متابعي الشأن اليمني لما يمثله من بوادر محتملة في علاقة أبو ظبي – ومعها الرياض – بحزب محسوب تنظيميًا وفكريًا على جماعة الإخوان المسلمين التي لا تكن لها العاصمتان ودًا كبيرًا، فماذا استجد الآن وخلط أوراق اللعبة؟
“إخوان اليمن” في أبوظبي لأول مرة
كان ظهور رئيس حزب الإصلاح وأمين عام الحزب في صور بثتها وسائل إعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، في العاصمة الإماراتية، مفاجئًا، في وقت لم يجر الإعلان رسميًا عن الزيارة سواء في الإعلام الإماراتي أم الإعلام التابع للحزب اليمني إلا بعد أيام من انتهاء الزيارة التي جرت الأسبوع الماضي.
محمد بن زايد يستقبل محمد عبد الله اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح وعبد الوهاب أحمد الآنسي الأمين العام للتجمع. pic.twitter.com/VqmDEZ1SLv
— محمد بن زايد (@MohamedBinZayed) November 14, 2018
لكن الإعلان كان مفتقرًا للتفاصيل، فبحسب ما أفادت وكالة الأنباء الإماراتية، بحث الطرفان التطورات ومستجدات الأوضاع على الساحة اليمنية، وتبادلوا وجهات النظر بشأن عدد من القضايا، مع التأكيد على “حرص الإمارات على دعم كل الجهود المبذولة لمساعدة الشعب اليمني على استعادة أمن وطنه واستقراره“.
وبينما لم يعلن الجانبان – حزب الإصلاح والإمارات – الأهداف الرئيسية للزيارة، أوضحت مصادر “للجزيرة” أن قيادات من الحزب موجودة في الإمارات منذ أكثر من ثلاثة أيام ضمن إطار جهود حثيثة تبذلها السعودية لإنهاء التوتر بين أبو ظبي والحزب من أجل إحداث تقدم في ملف اليمن الذي أصبح يحاصر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وبحسب المصادر ذاتها، جاءت زيارة قيادات حزب الإصلاح بداعي المشاركة في منتدى سياسي أُطلق عليه “المواطنة الشاملة”، ونظمته وكالة “ويلتون بارك” البريطانية بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت إلى الإمارات.
الدور السعودي والإماراتي في اليمن رُسمت ملامحه منذ الثورة ليكون مقوضًا بشكل أساسي لحزب الإصلاح ذي القاعدة العريضة
لكن هذا التفسير ترك الباب واسعًا، أمام تساؤلات عدة عما يمكن أن تشكله من قيمة سياسية، في صعيد التوجهات الإماراتية المعادية للحزب ذي الخلفية الإسلامية، فالدور السعودي والإماراتي في اليمن رُسمت ملامحه منذ الثورة ليكون مقوضًا بشكل أساسي لحزب الإصلاح ذي القاعدة العريضة والشريك الأساسي في ثورة الـ11 من فبراير.
هذه التساؤلات دفعت أيضًا لوجود قراءات عديدة للقاء “الأعداء” المفاجئ على أرض الإمارات في هذا التوقيت، حيث غاب محمد بن سلمان عن اللقاء، ثم تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن بلاده لم تكن ترغب في توسيع الحرب باليمن، وتزامن ذلك مع مذكرة لنواب مجلس الشيوخ الأمريكي لفرض عقوبات على السعودية بسبب مقتل خاشقجي، وكذلك بسبب حرب اليمن.
ما لم تقله أبو ظبي
حين تتوالى الرهانات الخاسرة يفتش أصحابها عن أي ورقة للبقاء على قيد اللعب، وفي ساحة اليمن تخيم مشاهد المأزق الذي تعلق فيه السعودية والإمارات على مشارف اكتمال العام الرابع من حربهما “الفاشلة” في إحراز أي نتيجة، وفي أجواء كهذه لا بد من إعادة البحث لا في الدفاتر القديمة فقط بل والمزعجة أيضًا.
تأزم موقف التحالف كما يبدو فتح قناة مباشرة مع “إخوان اليمن”، فالرياض وأبو ظبي في حاجة لحشد أطراف يمينة أساسية استعدادًا لمرحلة تصعيد جديدة ضد الحوثيين
وبعد سنوات من شيطنة متواصلة لحزب التجمع اليمني للإصلاح بحكم انتمائه الفكري لمدرسة الإخوان المسلمين، تستدعى ورقته إلى الطاولة على عجل وقلة في الخيارات، فغير مسبوق من حيث المستوى والظروف السياسية، اللقاء الذي جمع محمد بن سلمان ومحمد بن زايد بالرياض في نوفمبر الماضي، بقيادة حزب الإصلاح اليمني، وهو ذاته الحزب ذو الخلفية الإسلامية، والناهم من فكر جماعة الإخوان المسلمين.
سارع الإصلاحيون إلى وصف لقائهم الأول من نوعه مع ابن زايد، والثاني خلال شهر مع ابن سلمان، بأنه إيجابي ومثمر، وأثنوا على دور التحالف الذي تقوده السعودية في دعم شرعية اليمن، وهو ما لم يختلف عن اللقاء الأخير، فبحسب وسائل الإعلام الإماراتية، أعرب الضيوف عن “شكرهم وتقديرهم لدور الإمارات والتحالف العربي الذي تقوده السعودية في دعم الشعب اليمني”.
محمد بن زايد ومحمد بن سلمان خلال لقاء أعضاء حزب الإصلاح العام الماضي
بعبارة أوضح، استدعى تأزم موقف التحالف كما يبدو فتح قناة مباشرة مع “إخوان اليمن”، فالرياض وأبو ظبي في حاجة لحشد أطراف يمينة أساسية استعدادًا لمرحلة تصعيد جديدة ضد الحوثيين، لكن لا يُعرف مدى جدية التحالف في تصحيح مسار العلاقة مع حلفائه من أجل مواجهة المشروع الذي ترفع جماعة الحوثي لواءه في اليمن.
من الوهلة الأولى، قد يبدو الأمر تحولاً إماراتيًا في التعامل مع تشكيل يمني مؤيد للشرعية اليمينة وللتحالف العربي منذ الأيام الأولى لعاصفة الحزم التي أوقفت قبل أيام قليلة عملياتها العسكرية في الحديدة، وفي حال كهذه يبرز السؤال: ماذا تريد السعودية والإمارات من حزب الإصلاح؟ وماذا يأمل هو منهما؟
قد لا تبدو أمام الحزب خيارات سوى التنسيق مع الدولتين لاستعادة قدرته على القيام بدور ما في مستقبل اليمن القريب، أما الرياض وأبو ظبي فيبدو أن أوراقهما أمام الحوثيين، وخاصة بعد مقتل صالح، آخذة في التضاؤل وقد تعد قواعد الإصلاح بنظرهما عامل توازن سياسي وربما عسكري أمام الحوثيين.
يبدو أن نكسة رحيل صالح وفشل رهان حلفاء اللحظة الأخيرة على انتفاضة واسعة على الحوثيين اقتضت إستراتيجية جديدة لمجابهة مشرروعهم ومن ورائهم إيران
أما أبو ظبي، فهي تحاول الآن إعداد ملف أحمد نجل صالح، ومؤخرًا أرسل رئيس الوزراء اليمني بن دغر إشارات قبول لفكرة كهذه قائلاً: “عفا الله عما سلف”، لكن هل تشاركه الأطراف الأخرى هذا الرأي؟ ربما في ظل بؤس الحال على كل صعيد وبلوغ المأساة الإنسانية مستويات غير مسبوقة قد تجد كل الأطراف حتى الحوثيين ألا خيار لها سوى الجلوس معًا قبل أن لا يتبقى هناك يمن ليحكمه أحد.
وبالنسبة للرياض التي أبقت على صلاتها بالحزب، يبدو أنها قد لعبت دور “الإطفائي” بينه وبين إمارة أبو ظبي، كما يبدو أن نكسة رحيل صالح وفشل رهان حلفاء اللحظة الأخيرة على انتفاضة واسعة على الحوثيين اقتضت إستراتيجية جديدة لمجابهة مشروعهم ومن ورائهم إيران، فلا قوة في الساحة اليوم إلا للحوثيين الذين زارت صواريخهم سماء العاصمة السعودية أكثر من مرة في بضعة أسابيع.
هل تحوَّل موقف أبو ظبي؟
بالنظر إلى ما يسميه البعض “النهج الإماراتي تجاه الإصلاح الذي يتسم بطابع عدائي”، تساءل مراقبون عن إمكانية حدوث تحول في موقف أبو ظبي تجاه الحزب، كون هذه الزيارة هي الأولى للعاصمة الإماراتية منذ انطلاق عمليات التحالف، وبعد عام من لقاء “يتيم” بين قيادة الحزب وولي عهد أبو ظبي وولي العهد السعودي في العاصمة السعودية.
ما صيغت المبادرة الخليجية ولا ضمنت سلامة صالح إلا كي لا يقع اليمن تحت حكم الإخوان الذين تعاديهم كل من الرياض وأبو ظبي
لكن حسابات قطبي ذلك الحلف غيبتهم سياسيًا وعسكريًا، فما حال دون تحرير محافظة تعز بشكل كامل إلا مخافة أن يستتب الأمر لحزب الإصلاح فيها، بل إن الحزب دفع ثمن مرجعياته الفكرية من خلال اقتحام مقاره وحرقها، وتصفية كوادره أو اعتقالهم على يد ميليشيات مدعومة من الإمارات صاحبة الحساسية المفرطة من الإسلاميين.
وما صيغت المبادرة الخليجية ولا ضمنت سلامة صالح إلا كي لا يقع اليمن تحت حكم الإخوان الذين تعاديهم كل من الرياض وأبو ظبي، ولكل منهما أسبابه، بل إن الحوثيين لم يُتركوا ليتمددوا وتستفحل قواتهم سنوات من قبل ومن بعد إلا لذات السبب، وهو “إجهاض الإصلاح”، كما أن سجون الدولتين وقوائمهما المتوالية للكيانات الإرهابية تغصب المنتمين بل حتى كثير من المتعاطفين مع ذلك التيار.
حدث ذلك بينما كانت تلك الجهات توثق صلاتها بفصائل سلفية تكن العداء لحزب الإصلاح، وهي ذاتها الجهات التي تهيئ نجل صالح المقيم لأدوار ما في يمن الغد، والآن لا يُعرف إن كان لقاء الرياض يؤطر لتحالف سعودي إماراتي إستراتيجي مع حزب محسوب على “الإخوان المسلمين”، الذين شُيطنت قطر وحوصرت – ضمن أسباب أخرى – بزعم دعمهم.
دفع الحزب اليمني ثمن مرجعياته الفكرية من خلال اقتحام مقاره وحرقها
هذه الخلفيات حملت مراقبين على استبعاد أن يكون التقارب الأخير مع الإصلاح تراجعًا مبدئيًا بقدر ما هو تكتيك دفعت إليه ورطة الحرب الراهنة، فلم يعلن الحزب اليمني تغييرًا في أفكاره كما لم تتوقف السعودية والإمارات حتى اللحظة عن عداء كل ما يمت بصلة لتيار الإخوان المسلمين في اليمن وغيره.
أما الخيارات التي كانت متاحة للسعودية والإمارات في اليمن لم تعد متاحة اليوم، وهي ورقة علي عبد الله صالح ونجله أحمد غير المهيأ للدور وغير القادر على تغيير الحقائق على الأرض، خاصة أن إمكاناته المادية والسياسية غير متاحة لأن تركة والده تمزقت تمامًا واستولى عليها الحوثيون وفرضوا واقعًا خطيرًا في العاصمة صنعاء.
كما ستكون هناك تكلفة عالية إذا قرر التحالف مواجهة الحوثيين، ولذلك فإن التحالف في حاجة ماسة إلى ترميم علاقاته مع حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تعرض للظلم والإقصاء طوال الفترة الماضية؛ كما لم يعد هناك خيار أمام الرياض وأبو ظبي غير التحالف مع حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يمثل فكر الإخوان في اليمن.
ووسط هذه التأويلات، يبقى السؤال: هل ينوي ابن زايد الاستفادة حقًا من قوة حزب الإصلاح المعارض للأجندة الحوثية، أم أنها خطة لإنهاك الحزب ووضعه من جديد في الخطوط الأمامية للمعركة مع الحوثيين؟ حينها قد يقول قائل إن التحالف سيستميت في القتال حتى آخر “إصلاحي”.