قبل خمسة أيام من الآن، قرر مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة بالإجماع رفع العقوبات المفروضة على دولة إريتريا منذ قرابة العشر سنوات، فهل يمهد هذا القرار إلى تحول هذا البلد العربي إلى دولة مركزية في منطقة القرن الإفريقي، بعد أن كانت مجرد دولة هامشية في هذه المنطقة الحيوية التي تعرف أطماعًا أجنبية متزايدة؟
كوريا الشمالية الخاصة بإفريقيا
رفعت الأمم المتحدة الأربعاء الماضي، الحظر المفروض على توريد الأسلحة، وحظر السفر للمسؤولين في إريتريا، وتجميد أرصدة الدولة في البنوك الدولية، والجزاءات المستهدفة التي فرضت سنة 2009 لمعاقبتها بسبب دعمها لبعض الحركات المسلحة في الصومال، وهو اتهام رفضته أسمرة دائمًا.
مشكلات إريتريا لم تكن مع الصومال ودعمها المسلحين هناك فقط، بل كانت مع دول جارة أخرى كجيبوتي واليمن وإثيوبيا أيضًا، وهو ما كان سببًا لإطلاق اسم كوريا الشمالية الخاصة بإفريقيا عليها في الأوساط الدبلوماسية العالمية.
خاضت البلاد التي تنعت بأنها عدوة للجميع صراعًا طويل الأمد مع إثيوبيا قبيل وبعيد استقلالها عنها مطلع التسعينيات، تاركة جارتها الكبيرة كدولة حبيسة بلا أي منافذ على البحر، وأنفقت إريتريا وإثيوبيا، وهما من أفقر بلدان العالم، مئات الملايين من الدولارات طوال سنوات الصراع، وتكبدتا عشرات الآلاف من الخسائر كنتيجة مباشرة للنزاع، وكانت نتيجة الحرب تغييرات طفيفة في الحدود.
القرار لم يأت إلا ليزيد الأطماع الخارجية التي تتمثل في الثروة الوطنية في باطن الأرض
بخلاف ذلك، فقد انخرطت إريتريا مطلع العقد الحاليّ في نزاع حدودي مع جارتها الصغيرة، جيبوتي، بعدما نشرت القوات الإريترية قواتها في مثلث دميرة إلى داخل الحدود الجيبوتية، مما أدى إلى نشوب معارك محدودة وأزمة لم يتم حلها إلا مع تدخل الدوحة للوساطة بين البلدين، وإبرام اتفاق للمصالحة تضمن نشر قوات قطرية على الحدود بينهما.
داخليًا أيضًا، تشهد علاقات النظام الإريتري بشعبه توترًا كبيرًا، فمع اشتعال الصراع في أكثر من واجهة، سجن نظام إريتريا السياسيين المعارضين والصحفيين المستقلين، وأجبر الكثير من السكان على الخدمة الوطنية الدائمة، وأدى القمع إلى فرار مئات الآلاف من الإريتريين الذين قام العديد منهم برحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا بحثًا عن اللجوء وحياة أفضل.
كل هذه الأسباب، جعلت إريتريا منعزلة عن العالم الخارجي، ومنعزلة أيضًا على شعبها الذي يعارض سياسات الرئيس إسياس أفورقي الماسك بزمام السلطة منذ سنوات عدة، وهو ما جعل البلاد دولة هامشية في منطقة حيوية.
فرص التدارك والتحول إلى دولة مركزية
قرار رفع العقوبات على إرتريا، من شأنه أن يحوّل البلاد من دولة هامشية إلى دولة مركزية في المنطقة، وأن يسهم في انخراط البلاد بشكل كبير، وفق بعض المراقبين، في العلاقات السياسية وإعادة ترتيب أوضاع في القرن الإفريقي.
وكانت إرتريا منضوية تحت الاستعمار الإيطالي بين عامي 1890 و1941، ثم وُضعت تحت الانتداب البريطاني لما يقرب من عشرة أعوام في أعقاب هزيمة الإيطاليين في الحرب العالمية الثانية، وذلك في الفترة بين عامي 1941 و1952، وبعد خروج البريطانيين من إرتريا، تم ربطها بإثيوبيا عبر اتحاد كونفدرالي من العام 1952 إلى سنة 1991 حيث تحرّرت البلاد، وأعقب ذلك تنظيم استفتاء شعبي تحت إشراف الأمم المتحدة انتهى بإعلان الاستقلال عام 1993.
ويعاني الاقتصاد الإرتري من وضع كارثي، تقول السلطات إنه ناجم عن العقوبات المفروضة على البلاد، لذلك فإنها تروّج لعهد جديد من الاصلاحات سيأتي عقب الاعلان عن رفع قرار حظر العقوبات عن البلاد. ويرى بعض المتابعين للشأن الإرتيري أن النظام الإرتري بمقدوره تدارك الأمر وإعادة البلاد إلى المسار الطبيعي من جديد، إذا استغلّ هذه الفرصة الأممية، ودعّمها بإصلاحات داخلية ترتقي بالبلاد وتنتشلها من الفشل الذي تعرفه منذ الاستقلال.
تواصل التهميش
هذا الرأي يخالفه المدير التنفيذي لمنظمة عفر البحر الأحمر لحقوق الإنسان في لندن، إسماعيل قبيتا، الذي يعتقد أن “موضوع الحظر شكلي لدور هذا النظام المزعزع للاستقرار في المنطقة وحروبه مع دول الجوار ودعمه للجماعات المسلحة، فالحظر لم يكن مؤثرًا كثيرًا في دولة هي نفسها تفرض الحصار على شعبها”.
ويؤكد إسماعيل قبيتا في تصريح لنون بوست، أن هذا الحظر “لم يكن مؤثرًا كثيرًا، فهو لم يكن حظرًا على التجارة ولا على سفر المواطنين، فالمواطنون كانوا ممنوعين من السفر للخارج وممنوعين من الاستثمار وممارسة أي حياة، فالشعب الإريتري كان يعيش حظرًا داخليًا من النظام منذ سنة 1991”.
المدير التنفيذي لمنظمة عفر البحر الأحمر لحقوق الإنسان في لندن، إسماعيل قبيتا
يقول قبيتا في حديثه لنون بوست: “الحظر لم يكن مفروضًا من الأمم المتحدة بل من السلطات الحاكمة في البلاد، ولا أعتقد أن هذا القرار ممكن أن يحول البلاد من دولة هامشية إلى دولة مركزية في منطقة القرن الإفريقي لوجود لاعبين أساسيين بالدرجة الأولى كإثيوبيا والصومال وجيبوتي وكينيا”.
وأضاف “لا أعتقد أن هذه الدولة التي يحكمها نظام يحتقر الشعب، ويملأ السجون بمساجين الرأي الذين فاق عددهم 80 ألف، أن تتحول بين عشية وضحاها من دولة هامشية إلى مركزية في القرن الإفريقي، فللوصول إلى هذه المكانة لا بد من وجود دستور في البلاد وقوانين تشجع الاستثمار”.
واستدرك المدير التنفيذي لمنظمة عفر البحر الأحمر لحقوق الإنسان بقوله: “إريتريا لا ينطبق عليها اسم الدولة، فليس لها دستور ولا قانون ولا برلمان ولا أي جهة تشريعية أو قضائية أو تنفيذية، فهي مجرد عصابة تحكم البلاد، بالتالي ليس هناك ما يمكنها أن تكون دولة مركزية في هذه المرحلة، فوصف الدولة منعدم عندها”.
وأوضح محدثنا أن النظام سيحاول الاستفادة من كل الإمكانات والتسهيلات الدولية والإقليمية، لقمع الشعب وإثارة المشاكل وعدم الاستقرار في المنطقة، فطبيعة النظام الذي يحكم بقوة السلاح والنار، لا تسمح بالتغيير والمضي نحو الازدهار والتطور.
تزايد الأطماع الخارجية
القرار لم يأت إلا ليزيد الأطماع الخارجية التي تتمثل بالثروة الوطنية في باطن الأرض، وفق إسماعيل قبيتا الذي يقول: “نعلم أن العديد من الشركات الكندية والأسترالية تستثمر في استخراج البوتاسيوم من إقليم عفر بحر الأحمر وفي مناطق مختلفة أخرى من البلاد، وأيضًا هناك مناجم الذهب بكميات كبيرة جدًا في منطقة “بيشا” في غرب البلاد”.
وتقع إريتريا ضمن أرض المعدن (الدرع العربي النوبي) الذي يحاذي الساحل الغربي للبحر الأحمر، وتقول بعض الدراسات الجيولوجية الحديثة إن إريتريا تحتفظ ضمن أراضيها بنحو 70% من حزام الحجر الأخضر الذي يرجح بأنه مصدر مختلف المعادن الثمينة، وقد أشارت المسوحات التي أجريت في مختلف المراحل في إريتريا وجود كميات كبيرة من الذهب وصل ما تم كشفه إلى 3 ملايين أوقية.
تمثل دولة الإمارات التي توجد قواتها في منطقة عصب الأطماع الأجنبية في ثروات إريتريا
يأتي منجم بيشا الذي يقع غرب إريتريا في المقدمة، حيث يحتوي على 50% من جملة الاحتياطي، ثم منجم زرا ويحتوي على 30% ثم عدي نفاس، كما قدر احتياطي الفضة بـ25 مليون أوقية، أما النحاس فقدر بنحو مليار ونصف مليار طن، وثلاثة مليارات من الأرطال الزنكي، كما يوجد في إريتريا الغاز الطبيعي والبترول والملح.
فضلاً عن ثرواتها الباطنية، تتمتع البلاد بموقع إستراتيجي يطل على البحر الأحمر بطول 1000 كيلومتر وقربها من الممر المائي الإستراتيجي باب المندب الذي يربط بين القارات الثلاثة إفريقيا وآسيا وأوروبا، كما تمتلك عدد مهم من الجزر المطلة على البحر الأحمر وعددها 126 جزيرة، ومن ضمنهم جزيرتي “حالب وفاطمة”، وهما الأكثر أهمية لوقوعهما أمام باب المندب، ويقعان أمام أرخبيل حنيش البالغ عدده 43 جزيرةً الذي يتبع اليمن، كما تطل جزرها على الجزر السعودية.
ماذا عن الأطماع الإماراتية؟
يقول المدير التنفيذي لمنظمة عفر البحر الأحمر لحقوق الإنسان في لندن، إسماعيل قبيتا: “هذا القرار من شأنه أن يزيد الأطماع الغربية وعملائها في المنطقة على البلاد، هذه الأطماع تمثلها دولة الإمارات التي توجد قواتها في منطقة عصب، التي هجرت قرا بأكملها وشردت المواطنين من مساكنهم وقتلت عددًا منهم في منطقة عفر البحر الأحمر”، ونتيجة التقرب إلى النظام الإريتري، حصلت دولة الإمارات على عقد إيجار لمدة 30 عامًا للاستخدام العسكري لميناء عصب العميق ذي الموقع الإستراتيجي، ومطار عصب المجاور مع مدرج بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة الهبوط عليه بما في ذلك طائرات “سي 17 جلوب ماستر” الضخمة.
ومنذ تاريخ توقيع الاتفاقية بين الطرفين، أصبح ميناء عصب شريان للحياة البحرية وقاعدة جوية مهمة للإمارات في مضيق باب المندب، فقد تحول المكان من صحراء خالية إلى قاعدة جوية حديثة، وميناء على المياه العميقة، ومنشأة للتدريب العسكري، وبفضل هذه الاتفاقية تحركت سفن الإنزال الإماراتية والسفن التجارية المستأجرة بين قاعدة الإمارات البحرية الجديدة في الفجيرة وميناء عصب البدائي.
يتهم النظام الإرتيري بانتهاك حقوق الإنسان
ويتوقع عدد من المحللين الإرتيرين أن تتضاعف هذه الأطماع، وأن تكون وبالاً على الشعب الإريتري كما هو الحال في الوقت الحاليّ، حيث يوجد القمع والقتل والتنكيل والسجون. وتمتلك الإمارات هناك قاعدة عسكرية تخدم كمنطقة دعم لوجستي ومركز قتالي يسع لواءً إماراتيًا مدرعًا، وتتألف هذه القوات من سربين من دبابات القتال الرئيسية من نوع ليكليرك، وكتيبة من عربات القتال، وبطاريات من مدافع الهاوتزر G6، ومجموعة طائرات قيادة العمليات الخاصة من طراز شينوك، بلاك هوك، وطائرات الهليكوبتر بيل سيفن، وطائرات مقاتلة من طراز ميراج 2000، لتكون بذلك أول موقع إماراتي للسلطة خارج الوطن.
يؤكد كلام المدير التنفيذي لمنظمة عفر البحر الأحمر لحقوق الإنسان، خشية العديد من الإريتريين من التدخل الأجنبي في بلادهم، خاصة تدخل دولة الإمارات العربية المتحدة التي تسعى إلى الاستفادة من ثروات البلاد وموقعها المهم المطل على مضيق باب المندب دون مراعاة مصالح الشعب والبلاد.