ترجمة وتحرير: نون بوست
شن الجيش الإسرائيلي هجومًا كبيرًا جديدًا على شمال غزة، حيث حاصر المدن الثلاث الواقعة في أقصى شمال القطاع والمناطق المحيطة بها. وفي وقت مبكر من صباح يوم الأحد، أمر الجيش حوالي 400,000 من السكان المتبقين في شمال القطاع بالانتقال إلى ما يُعرف بـ “المنطقة الإنسانية” في الجنوب استعدادًا لعملية عسكرية جديدة.
رفض العديد منهم مغادرة منازلهم، وتعرض سكان جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا لقصف مكثف منذ ظهر الأحد، مع انقطاع الاتصال عن مدينة غزة في الجنوب حيث تُطلق الدبابات والطائرات المسيّرة النار على من يحاولون الفرار.
قُتل أكثر من 120 فلسطينيًا بالفعل في المنطقة منذ بدء العملية الأخيرة نتيجة للغارات الجوية ونيران المدفعية وإطلاق النار من قبل جنود إسرائيليين وطائرات مسيرة رباعية المراوح. ولم تدخل أي مساعدات إنسانية إلى المناطق المحاصرة، كما قصفت إسرائيل آخر مخبز يعمل في جباليا.
وأمر الجيش أيضًا بإخلاء جميع الطاقم الطبي والمرضى من المرافق الطبية الرئيسية الثلاثة في المنطقة: مستشفى كمال عدوان والمستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا ومستشفى العودة في جباليا. وأفاد سكان مخيم جباليا للاجئين، مركز الغزو البري الحالي للجيش، أن الجثث متناثرة في الشوارع، مع عدم قدرة سيارات الإسعاف على انتشالها.
وقال محمد شهاب، وهو أحد السكان البالغ من العمر 27 سنة، لمجلة +972 من داخل المخيم: “تحلق طائرات مسيرة رباعية المراوح على ارتفاع منخفض فوق الشوارع، وتطلق النار على أي شيء يتحرك. ويتمركز القناصة على أسطح المنازل، ويستهدفون أي شخص يخرج. وفي الوقت نفسه، اقتحم الجنود والدبابات المخيم، وهدموا المنازل وجرفوا الطرق والحقول”.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، الذي يتبادل إطلاق النار مع قوات حماس في المنطقة وتكبد خسائر فادحة، أن العملية الجديدة تهدف إلى القضاء على محاولات المجموعة لإعادة بناء قدراتها العملياتية في شمال القطاع. ولكن الهجوم يأتي بعد أسابيع فقط من التقارير التي تفيد بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان يدرس اقتراحًا، يُعرف باسم خطة الجنرالات، لتطهير شمال غزة بالكامل عرقيًا من خلال حملة تجويع وإبادة. وعلى هذا النحو، هناك مخاوف واسعة النطاق – بما في ذلك بين سكان غزة الذين تحدثوا إلى +972 – من أن إسرائيل قد تضع هذه الخطة موضع التنفيذ الآن.
وقال شهاب: “بدأ القصف العنيف فجأة بعد ظهر يوم الأحد”؛ حيث كان في المنزل في ذلك الوقت مع صديقه عبد الرحمن بحر وشقيقه محمد، مضيفًا: “خرج عبد الرحمن ليرى ما حدث، أعتقد أنهم ربما قصفوا مدرسة أو ملجأ، ولم يعد أبدًا”.
وتابع شهاب: “بعد ساعات، خرجتُ أنا ومحمد للبحث عنه. فجأة، بدأت الطائرات المسيرات في إطلاق النار علينا. وأصيب محمد، بينما تمكنتُ من الفرار. وما زلتُ لا أعرف ماذا حدث لمحمد أو عبد الرحمن”.
واستهدفت القوات الإسرائيلية أيضًا الصحفيين الفلسطينيين الذين يغطون اقتحام الجيش لجباليا. ففي يوم الأربعاء، قتلت غارة جوية محمد الطناني الصحفي بقناة الأقصى، وأصابت زميله تامر لبد. كما أطلق قناص إسرائيلي النار على المصور الصحفي في قناة الجزيرة فادي الوحيدي في رقبته، وتمكن زملاؤه من إخلائه إلى المستشفى، حيث لا يزال في حالة حرجة.
ويأتي هذا بعد أيام فقط من مقتل صحفي آخر، وهو حسن حمد البالغ من العمر 19 سنة، في غارة جوية استهدفت منزله في مخيم جباليا للاجئين، مما رفع إجمالي عدد الصحفيين الذين قتلوا في غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 168 وفقًا لنقابة الصحافيين الفلسطينيين.
وتساءل شهاب: “يريدون منا أن نذهب جنوبًا، ولكن هل هناك أي أمان حقًا هناك؟”، مضيفًا: “قُتل أخي في هجوم إسرائيل على المواصي [حيث يُطلب من النازحين من الشمال الذهاب إليها]. فغزة بأكملها ساحة معركة”.
“لا أعلم إن كنا سننجو”
للمرة الثالثة منذ بدء الغزو البري الإسرائيلي لغزة في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2023، تتقدم القوات الإسرائيلية عبر مخيم جباليا للاجئين. إنهم يتحركون من الشرق، مع تمركز الدبابات أيضًا عند دوار التوام وأبو شرخ إلى الغرب، مما أدى إلى محاصرة السكان داخل منازلهم. وقال صحفي داخل المخيم إن السكان يصفون أبو شرخ الآن بأنه “تقاطع الموت”، حيث تطلق القوات الإسرائيلية النار على أي شخص تراه في المنطقة.
وقال مداح أبو وردة، 55 سنة، لـ +972 يوم الثلاثاء: “نحن محاصرون في شقتنا، والجثث منتشرة في الشوارع، وصوت الدبابات قريب جدًا. لقد رفضنا مغادرة منزلنا منذ بداية الحرب. فكيف يمكننا المغادرة الآن، بعد كل الأهوال التي رأيناها؟ أنا هنا مع سبعة أفراد من عائلتي، ولا أعرف ما إذا كنا سننجو”.
وفي محاولة يائسة من أجل السلامة، حاول بعض السكان الهروب من القوات الإسرائيلية الغازية. فقد حاول محمد شحادة، البالغ من العمر 29 سنة من جباليا، الفرار مع عائلته إلى حي الرمال في مدينة غزة، لكنهم تعرضوا لإطلاق النار على طول الطريق. وقال: “اندلعت النيران حولنا، وأصيبت أختي الصغرى، آية، التي تبلغ من العمر 12 سنة فقط، برصاصة في ساقها بواسطة طائرة مسيرة”.
وأضاف: “كانت سيارات الإسعاف بعيدة بسبب خطر استهدافها، وكنت أعلم أنها لن تتمكن من الوصول إلينا، لذلك حملت أختي إلى أقرب نقطة طبية”، وتابع: “كلما اقتربنا، زاد شعوري بالخوف، لكنني لم أستطع تركها ورائي. وكان قلبي ينبض بالقلق وأنا أحاول إنقاذ حياتها”. وتمكن شحادة في النهاية من نقل آية إلى المستشفى الأهلي في مدينة غزة حيث تلقت العلاج.
وشاهد أحد سكان المخيم، وهو حمزة صالحة البالغ من العمر 22 سنة، جده يموت متأثرًا بجرح شظايا بعد أن بدأت إسرائيل “قصفًا عشوائيًا” للمنطقة المحيطة بمنزله يوم الإثنين، وقال صالحة: “لقد مات هناك أمامنا مباشرة. وظل جسده مُلقى على الأرض طوال اليوم لأننا كنا خائفين جدًا من التحرك [في حالة رصدهم الجنود الإسرائيليون وفتحوا النار عليهم]. وعندما حول الجنود أخيرًا تركيزهم إلى منطقة أخرى، تمكننا من دفنه في المنزل. لقد كانت لحظة من الألم والعجز لا توصف”.
وبعد ذلك؛ استغل صالحة لحظة قصيرة من الهدوء للفرار من المخيم، مع تخطيط بقية أفراد عائلته للحاق به، لكنهم لم يأتوا أبدًا. وقال: “هربت بمفردي، والآن ليس لدي أي فكرة عن مكان عائلتي”.
حتى في مواجهة هذه المخاطر، يصر العديد من السكان على البقاء في منازلهم؛ حيث قال أحمد ناصر، 43 سنة – محاصر في المخيم مع عائلته منذ يوم الأحد دون الوصول إلى الطعام أو الماء – لـ +972: “لن أغادر، ولن أتخلى عن منزلي أو المخيم الذي نشأت فيه، على الرغم من الدمار المنتشر من حولنا وما تعتبر وكأنها مجاعة”.
وفي وصفه للمشهد داخل المخيم، قال ناصر إن “الجثث في كل مكان، والجرحى يرقدون في الشوارع ولا أحد قادر على مساعدتهم. والتحرك في أي مكان أمر صعب لأن المخيم مليء بأنقاض المنازل والسيارات المدمرة، والقناصة الإسرائيليون متمركزون على المباني العالية”.
وأضاف: “لكنني أرفض أن أترك الموت من أجل المزيد من الموت، فلا يوجد مكان آمن لا في الشمال ولا في الجنوب، الاحتلال يحاول تنفيذ خطته لإخلاء شمال غزة بالكامل وتحويلها إلى منطقة عسكرية، وصمودنا سيفشلهم”.
وفقدت عبير ماضي (51 عاماً) ابنيها عندما قصف منزلها في المخيم في 14 أيار/مايو، ترفض أيضًا ترفض الإخلاء، وقالت؛ “لماذا نترك مخيمنا ونذهب إلى الجنوب كما يريد الاحتلال؟ هذه أرضنا، لن أغادر إلا إلى السماء”، وأضافت: “لا معنى لترك منزلي فقط لأقتل في خيمة في الجنوب. الاحتلال لا يهتم بأرواح المدنيين، فهو يستهدفهم في كل مكان”.
ودعت زملاءها من السكان، قائلة: “لا تكرروا خطأ من فروا في وقت سابق، لا تغادروا، ابقوا في شمال غزة وموتوا هناك”.
“حكم الإعدام على آلاف المرضى”
وأفادت وزارة الصحة في غزة مساء الثلاثاء أن الجيش الإسرائيلي أمر بإخلاء مستشفى كمال عدوان والمستشفى الإندونيسي ومستشفى العودة. وكان مستشفى آخر في جباليا، وهو مستشفى اليمن السعيد، هدفًا لغارات جوية أسفرت عن مقتل 16 شخصًا على الأقل كانوا يحتمون في الخيام.
وبدأ طاقم مستشفى كمال عدوان يوم الأربعاء في إخلاء الأطفال الخدج وغيرهم من المرضى مع اقتراب الدبابات والجنود الإسرائيليين وتهديدهم بتدمير المستشفى. ونشر حسام أبو صفية، المدير العام للمستشفى، تحديثًا اليوم يحذر من الظروف الكارثية في المنشأة بسبب نقص الطاقم الطبي والإمدادات والوقود.
وقال الدكتور مروان السلطان، مدير عام المستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا لـ +972 الأربعاء، إن قرار الجيش بإخلاء المستشفيات في شمال غزة بالقوة “يعادل حكم الإعدام لآلاف المرضى والجرحى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية مستمرة”.
وأكد السلطان أن “المستشفى ما زال يخدم المرضى والجرحى ولم نُخْلِه بعد، وهناك 28 مريضًا يتلقون العلاج منهم اثنان في العناية المركزة، برفقة 17 من الطاقم الطبي، ولكننا لا نعرف ماذا ستحمل الساعات القادمة، وقد نضطر للإخلاء في أي لحظة”. ودعا إلى الضغط بشكل عاجل على إسرائيل لإلغاء أمر الإخلاء، وضمان إيصال إمدادات الوقود والغذاء إلى الشمال، وحماية المستشفيات والطواقم الطبية.
وأكد الدكتور محمد صالحة مدير مستشفى العودة في جباليا لـ +972 الأربعاء أن “المستشفى سيواصل عمله رغم التهديدات الإسرائيلية، ولن نخليه تحت أي ظرف من، الظروف”، وأضاف: “المستشفى مكتظ بالجرحى والنساء المحتاجات للولادة والعمليات القيصرية، وما زال 48 جريحًا يتلقون العلاج في المستشفى، وهم بحاجة إلى رعاية طبية مستمرة، والإصابات التي نستقبلها تفوق قدرة المستشفى”.
وأعرب عبيدة الشوا، المسؤول في وزارة الصحة، عن مخاوف ملحة بشأن تدهور الوضع في مستشفى كمال عدوان، موضحًا: “أعطى جيش الاحتلال الإسرائيلي مساء الثلاثاء إدارة المستشفى إنذارًا صارمًا لمدة 24 ساعة لإخلاء المستشفى بالكامل، وهذا إجراء مرعب يهدد بانهيار النظام الصحي بأكمله في الشمال، والذي أصبح بالفعل على حافة الهاوية”.
وأضاف الشوا: “إن إخلاء مستشفى كمال عدوان أمر مستحيل في ظل الحصار الإسرائيلي، حيث يستهدفون كل ما يتحرك. وقد تلقينا اتصالات من زملاء يقولون إن الجيش رفض حتى الآن تنسيق ممر آمن لسيارات الإسعاف لإخلاء الجرحى ونقلهم إلى مستشفى آخر”.
وبالنسبة للشوا، فإن الظروف اليائسة التي يواجهها المحاصرون داخل جباليا تؤكد فقط على الحاجة إلى استمرار عمل المستشفيات، وأوضح: “لقد تلقينا شهادات من الناجين من الحصار تشير إلى وجود عشرات الجثث ملقاة على الأرض [داخل المخيم]. ولم تتمكن الطواقم الطبية من الوصول إلى هؤلاء الأفراد لأن المنطقة محاصرة بالكامل”.
وتواصلت +972 مع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للحصول على تعليق بشأن أمر الجيش بإخلاء المستشفيات، واستهداف الصحفيين، وشهادات حول الجثث المتناثرة في الشوارع والقناصة والطائرات المسيرة التي تطلق النار على المدنيين الذين يحاولون الفرار، وسيتم إضافة ردهم فور استلامه.
المصدر: +972