ترجمة وتحرير: نون بوست
تكهن المراقبون، على امتداد سنتين، بأن حملة البريكست في حزيران/ يونيو 2016 في المملكة المتحدة قد خدمت إلى حد ما حملة دونالد ترامب الرئاسية في الولايات المتحدة. والآن هناك دليل جديد يؤكد الصلة القائمة بينهما، إذ تكشف رسائل البريد الإلكتروني أن مستشار ترامب السابق ستيف بانون، وشركة البيانات الضخمة التي كان يعمل لحسابها حينها “كامبريدج أناليتيكا”، كانا يسيّران معا وفي ذات الوقت الحركات السياسية القومية سنة 2015.
في هذا السياق، كشفت الخبيرة الأكاديمية في مجال المعلومات المضللة في جامعة جورج واشنطن، إيما براينت، عن رسائل إلكترونية جديدة يبدو أنها توثق أول دور لعبه بانون في اتفاقية البريكست. كما تبرهن رسائل البريد الإلكتروني، التي يعود تاريخها إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2015، أن بانون الذي كان آنذاك نائب رئيس الشركة الأميركية التي يملكها الملياردير الأمريكي روبرت ميرسر “كامبريدج أناليتيكا” كان في محور المناقشات بين شركته وقادة المنظمة القومية اليمينية المتطرفة “ليف.إي يو”.
في الشهر التالي، أطلقت منظمة “ليف.إي يو” حملة تهدف إلى إقناع الناخبين البريطانيين بالتصويت لصالح استفتاء يدعم خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وقد صوت البريطانيون بصعوبة لصالح البريكست في استفتاء حزيران/ يونيو 2016، لكن الضجة التي أثارها كان لها وقع كبير على المملكة المتحدة منذ ذلك الحين، مما يهدد عمل حكومة رئيسة الوزراء المحافظة تيريزا ماي.
يكتنف الغموض الدور الحساس المثير للجدل الذي تلعبه الكيانات الأجنبية في الترويج للبريكست وحتى تمويله
من جهته، رفض بانون الإدلاء بأي تعليق حيال هذا الشأن إلا أن اسمه وعنوان البريد الإلكتروني الخاص به يظهران بتسلسل في ثلاثة رسائل إلكترونية بتاريخ تشرين الأول/ أكتوبر 2015، بين مديرة تطوير البرامج في كامبردج أناليتيكا، بريتاني كايزر، وآرون بانكس الذي تولى قيادة حملة “ليف.إي يو”، ويصف نفسه في عنوان مذكراته كأحد “مشاغبي البريكست”. لم يصرح بانكس بأي تعليق حول رسائل البريد الإلكتروني، التي نشرت لأول مرة يوم السبت من قبل موقع “أوبن ديموكراسي” البريطاني.
يكتنف الغموض الدور الحساس المثير للجدل الذي تلعبه الكيانات الأجنبية في الترويج للبريكست وحتى تمويله. وعلى غرار القانون الأمريكي، يحظر القانون البريطاني قبول المساهمات الأجنبية في الحملات السياسية، ذلك أن القوانين قد صممت لمنع حدوث أي تلاعب خارجي في الشؤون الداخلية.
في المقابل، نفى المديرون التنفيذيون العاملون في شركة “كامبريدج أناليتيكا”، التي أعلنت إفلاسها في الربيع، تلقي الشركة مبالغ مالية مقابل تقديم خدمات من أجل حملة “ليف.إي يو”. وعلى الرغم من أن رسائل البريد الإلكتروني الجديدة لا تتعارض مع هذا المعطى، إلا أنها تبين أنه حتى لو لم تتسلم الشركة مقابلا لخدماتها فهي ساهمت في وضع بعض الأسس الأولى لحملة “ليف.إي يو”. وتظهر رسائل البريد الإلكتروني أن بانكس وغيره من مسؤولي “ليف.إي يو” قد اجتمعوا مع المديرين التنفيذيين لـشركة “كامبريدج أناليتيكا” سنة 2015 ، وناقشوا ما وصفه بانكس “بالعملية المتكونة من مرحلتين” التي من شأنها أن “تعزز علاقة كامبريدج أناليتيكا بالفريق”.
في رسالة إلكترونية بتاريخ 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، ناقش بانكس طلبا قدمه لكامبريدج أناليتيكا بمساعدته في جمع الأموال عبر الولايات المتحدة من أجل حملة “ليف.إي يو”. وأورد بانكس في رسالته إلى المسؤولين التنفيذيين في كامبريدج أناليتيكا الذين التقى بهم أنه “من الواضح أن الجهات الممولة الرئيسية لم تحدد في صف من تقف بعد، لكننا نسعى إلى حل لذلك”. وفي موضع آخر من هذه الرسالة، تطرق بانكس إلى هذا الموضوع مجددا مضيفًا “نود أن تتوصل كامبريدج أناليتيكا إلى إستراتيجية لجمع الأموال في الولايات وإشراك الشركات ومجموعات المصالح الخاصة التي قد تتأثر باتفاقية الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي”.
تشبه التحقيقات البريطانية من عدة نواحٍ، التحقيقات التي كرسها روبرت مولر لكشف الدعم الروسي لحملة ترامب الرئاسية لسنة 2016.
على الرغم من أن بانكس لم يعالج مسألة عدم مشروعية التبرعات الأجنبية المباشرة، إلا أنه اقترح استراتيجية من شأنها أن تتحايل على نصوص قوانين تمويل الحملات الانتخابية. كما اقترح بانكس تجنيد كامبريدج أناليتيكا للمساعدة في التواصل مع الأمريكيين “الذين تربطهم علاقات أسرية بالمملكة المتحدة”. ومن الواضح أن استهداف الأمريكيين الذين تجمعهم صلة قرابة مع البريطانيين، هو محاولة لتجنب وقوع انتهاكات في قانون تمويل الحملات الانتخابية. وقد أشار بانكس إلى أنه يمكن الاعتماد على كامبريدج أناليتيكا، التي تتباهى بحصولها على بيانات تسجيل 230 مليون ناخب أمريكي بالإضافة إلى معلومات شخصية أخرى، في “جمع الأموال وخلق دعم من وسائل الإعلام الاجتماعية.
في اليوم التالي، أرسل أحد موظفي كامبريدج أناليتيكا بريدًا إلكترونيًا إلى بانكس ذكر فيه اسم بانون مرة أخرى، أورد فيها أن الشركة توافق على اقتراح وضع “إستراتيجيات لجمع التبرعات في الولايات المتحدة”. وقد أصبح احتمال تمويل البريكست سرا عن طريق الأموال الأجنبية محور التكهنات والتحقيقات المكثفة في المملكة المتحدة.
في الحقيقة، تشبه التحقيقات البريطانية من عدة نواحٍ، التحقيقات التي كرسها روبرت مولر لكشف الدعم الروسي لحملة ترامب الرئاسية لسنة 2016. وقد صب بانكس تركيزه على هذه القضية لأن شركته قد أنفقت ما يقارب تسعة ملايين جنيه إسترليني لدعم حملة البريكست، ما جعله أكبر ممول للحملة السياسية في البلاد حتى الآن، على الرغم من وجود تساؤلات حول ما إذا كان يملك الثروة الكافية للمساهمة في ذلك بمفرده.
من جهته، أصر بانكس على أن مساهمته قانونية، وبأن المصادر الأجنبية لم تساهم بأي أموال، على غرار روسيا. ومع ذلك، أطلقت العديد من الوكالات البريطانية عدة تحقيقات، ويشمل ذلك تحقيقا جنائيا أجرته الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة، التي تمثل نظير مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة، حول الدور الذي لعبه بانكس.
في خريف 2015، كان بانون مشغولا بإنشاء مكتب جديد لشركة كامبريدج أناليتيكا في مدينة الإسكندرية في فيرجينيا الأمريكية، قبالة نهر بوتوماك الشهير، فضلا عن تقديم خدمات الشركة إلى المرشحين الجمهوريين، بما في ذلك دونالد ترامب.
عمدت المديرة التنفيذية السابقة في شركة كامبريدج أناليتكا، بريتاني كايزر، التي يظهر اسمها في العديد من الرسائل الإلكترونية الجديدة، إلى التبليغ عن المخالفين، مما يجعل ضلوع الشركة في حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عرضة للصحافة. وعقب التحدث معها من خلال متحدث رسمي، رفضت كايزر الإدلاء بالمزيد من التعليقات.
في حين أن مجموعة رسائل البريد الإلكتروني تتضمن رسائل بانون، لا يوجد أي دليل على أنه قرأ أو علق على الرسائل التي تبادلها كل من قادة منظمة “ليف.إي يو” والمديرين التنفيذيين في كامبريدج أناليتيكا. وفي خريف 2015، كان بانون مشغولا بإنشاء مكتب جديد لشركة كامبريدج أناليتيكا في مدينة الإسكندرية في فيرجينيا الأمريكية، قبالة نهر بوتوماك الشهير، فضلا عن تقديم خدمات الشركة إلى المرشحين الجمهوريين، بما في ذلك دونالد ترامب.
في البداية، عملت الشركة على حملة تيد كروز الرئاسية، لكن الحال اختلف عندما فاز دونالد ترامب بترشيح الحزب الجمهوري، حيث أصرت عائلة ميرسر، التي قدمت الدعم المادي إلى حملة ترامب الانتخابية، على وضع بانون مسؤولا عن هذه الحملة وإشراك شركة كامبريدج أناليتيكا التي استثمرت فيها العائلة على نحو مكثف.
في شأن ذي صلة، زعم المسؤولون التنفيذيون في شركة كامبريدج أناليتيكا بأنهم تمكنوا من الوصول إلى كميات كبرى من البيانات المتعلقة بمجال “التخطيط الشخصي للمجتمع”، وهو ما مكن حملة دونالد ترامب من استهداف أشخاص محددين قبل الانتخابات. وفي شهر أيار/ مايو الماضي، تقدمت الشركة بطلب لإشهار إفلاسها في أعقاب بعض المزاعم التي تفيد بأنها حصلت على بيانات شخصية لملايين الأشخاص دون إذنهم. وقد أصرت المديرة التنفيذية لكامبريدج أناليتيكا أن الادعاءات التي تفيد بانتهاك قوانين الشركة لا أساس لها من الصحة.
إن حقيقة اعتماد حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحملة ترامب الانتخابية على موقع التواصل الاجتماعي والمستشارين نفسهم، من أجل تعزيز الحملات القومية اليمينية المتطرفة، أدت إلى إطلاق أجراس الإنذار على جانبي المحيط الأطلسي. ومن جهته، تحدث عضو البرلمان البريطاني ورئيس لجنته الرقمية والثقافية والإعلامية والرياضية، داميان كولينز، إلى صحيفة “ذي أوبزرفر” التي نقلت العديد من الأخبار المتعلقة بنشاط كامبريدج أناليتيكا في المملكة المتحدة، وقال إن رسائل البريد الإلكتروني الجديدة تشير إلى أن بانون وميرسر يلعبان دورا أكثر عمقا وتعقيدا مما سبق لنا معرفته.
أمست التحقيقات الأمريكية بشأن التدخل الأجنبي في حملة دونالد ترامب الانتخابية، فضلا عن التحقيقات البريطانية إزاء خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، متشابكة بشكل متزايد
بناء على هذه المعطيات، يطرح سؤال حول ما إذا كانت أموال ميرسر قد اعتُمدت في حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يشير إلى الحاجة إلى إجراء تحقيق سليم على نمط مولر. ويتوجب علينا أن ننظر إلى الروابط المباشرة بين الحركات السياسية التي تقف وراء البريسكت وحملة ترامب الانتخابية. وعلينا أن ننظر إلى الصورة الأكبر هنا، حيث يتم تنسيق هذه الحملات خارج الحدود بطريقة لم نعهدها من قبل، من قبل الأشخاص الأثرياء للغاية.
أمست التحقيقات الأمريكية بشأن التدخل الأجنبي في حملة دونالد ترامب الانتخابية، فضلا عن التحقيقات البريطانية إزاء خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، متشابكة بشكل متزايد. وفي هذا الصدد، يُقال إن دور السفير الروسي لدى المملكة المتحدة، ألكسندر ياكوفينكو، كان موضع اهتمام كل من محققي مولر وأولئك الذين أرادوا النظر في علاقات بانكس بالسفير الروسي في المملكة المتحدة.
علاوة على ذلك، أثار الدور الذي لعبه الزعيم السابق لحزب الاستقلال اليميني المتطرف في المملكة المتحدة، نايجل فاراج، الذي كان حليفا لدونالد ترامب وبانون، اهتمام المحققين من كلا البلدين، خاصة بعد رصده سنة 2017 بصدد مغادرة سفارة الإكوادور في لندن، التي التجأ إليها جوليان أسانج في وقت سابق. ومن جهتها، نشرت ويكيليكس، المنبر الإعلامي الذي يديره أسانج، العديد من رسائل البريد الإلكتروني التي سرقتها روسيا من حملة هيلاري كلينتون خلال انتخابات سنة 2016. ويتمحور تحقيق مولر حول ما إذا كانت جميع المعلومات التي تم جمعها تتلائم مع بعضها البعض، لكن عدم إجراء تحقيق واحد وشامل في المملكة المتحدة أدى إلى مطالبة النقاد بإجراء تحقيق مماثل.
فعلى سبيل المثال، صرحت إيما بريانت، التي قدمت رسائل البريد الإلكتروني إلى الحكومة البريطانية لإجراء المزيد من التحقيقات، أنها منفتحة على الديمقراطية. وأضافت بريانت أن “هذه الأدلة تدل على أن بانكس كان يبحث عن تمويل خارجي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منذ البداية”. وأوردت بريانت أن التحقيق البريطاني، كما هو الحال مع نظيره الأمريكي، يجب أن يركز على متابعة الأموال والتلاعب المحتمل بالرأي العام بالتزامن مع تزايد السياسات القومية على جانبي المحيط الأطلسي.
المصدر: نيويوركر