تخرج النساء القرويات في جنوب المغرب الساعة السادسة صباحًا من منازلهن للعمل خارجًا وهو أمر غير مألوف في المناطق الريفية التي عادةً ما تلتزم فيه النساء المنازل بينما يتولى الرجال المسؤوليات المادية، لكن في بعض تلك المناطق غابت هذه النظرة المحافظة، فقد ساعد اكتشاف زيت الأركان المرأة القروية على ترأس تعاونيات وجمعيات مسؤولة عن إنتاج وتصنيع هذا الزيت الذي يعد واحد من أكثر زيوت العالم ندرةً وفائدةً من الناحية الطبية والتجميلية والاقتصادية.
زيت الأركان من الريف المغربي إلى السوق العالمي
تنمو شجرة الأركان في عدد من المحافظات الجنوبية في المغرب، مثل أكادير وتارودانت وسيدي افني وشبشاوة، وخاصةً في منطقة سوس ما بين الصوبرة وتافراوت، كما تعمر لمدة 250 عامًا بالرغم من الحر والجفاف الذي تتعرض له طيلة هذه السنوات.
تنتج ثمار هذه الشجرة نوعين من الزيت، الأول زيت خاص بالطعام ويكون لونه بنيًا داكنًا وذا طعم قوي، والآخر خاص بالتجميل ولونه أصفر ذهبي. جدير بالذكر أن طريقة إعدادهما تختلف بعض الشيء، فعادةً ما يتم تحميص النوع الأول، أما الثاني فيترك دون تحميص وتكون تكلفته أعلى مقارنةً مع الأول، وذلك لأن الزيت التجميلي ينتج بكميات أقل من الزيت الغذائي، عدا عن أنه يحتاج إلى جهد بدني أكبر ووقت أطول قد يصل إلى 3 ساعات.
مرحلة فصل لب ثمرة زيت الأركان عن القشرة
تبدأ رحلة تصنيع هذا الزيت الملقب بـ”الذهب السائل” أو “الذهب الأبيض” من خلال تجفيف ثماره تحت أشعة الشمس لمدة أسبوع تقريبًا قبل أن تمر على أيدي النساء اللواتي يفصلن اللب عن القشرة بواسطة حجرين صغيرين، ما يزيد من أهمية عامل الدقة في هذه الخطوة منعًا لإصابة الأصابع، ووصولًا إلى استخراج البذرة من النواة التي تخضع إلى الفرز.
مرحلة تحميص البذور
بعد هذه المرحلة، تقوم النساء بتحميص هذه البذور على النار بحذر، فليس من المفترض أن تتحمص أكثر أو أقل من اللازم، وإلا فقدت فوائدها وأصبح طعمها مرًا أو محروقًا، ولذلك تتشارك النساء في تحريكها بشكل دوري وبدقة عالية، مع العلم أن ما يتبقى من هذه الثمرة مثل القشور يستخدم كعلف للماشية أو كمحروقات.
مرحلة طحن البذور يدويًا
عند انتهاء المرحلة الثانية، تطحن البذور بطريقة يدوية عبر الرحى الحجرية الدائرية، حتى تتحول إلى هريس سائل بني اللون، ثم تصب هذه العجينة في أوعية كبيرة ليتم خلطها جيدًا بسواعد النساء القرويات إلى أن ينفصل الزيت عن العجين الذي يُطعم في النهاية للماشية.
تنتهي هذه العملية المرهقة والتي تتطلب جهدًا بدنيًا وإتقانًا كبيرين، بإنتاج كميات قليلة من الزيت مقارنةً مع الطلب المحلي والدولي المرتفع، فعلى سبيل المثال يحتاج تصنيع لتر واحد من هذا الزيت إلى 40 كليوغرامًا من ثمار الأرغان و3 أيام من العمل، وعادةً ما تنتج الجمعيات حوالي 4 لترات يوميًا ثم يتولى الرجال مهمة ترويجها وبيعها في الأسواق الشعبية مقابل 10 أو 13 يورو تقريبًا للتر الواحد.
تتسابق الدول على استيراد زيت الأركان المغربي وزراعته في أراضيها وتطويره جينيًا إن لزم الأمر
علمًا أن الجمعيات أو المصانع التي تعتمد على الآلات بدلًا من النساء في إنتاج الزيت تستخرج حوالي 50 لترًا في اليوم الواحد وتصدر إلى أوروبا ومختبراتها التجميلية ما يقرب من 3 إلى 4 أطنان من الزيت شهريًا أي ما يعادل 90 طنًا من الثمار التي تقطف وتفرز وتطحن.
وفي أحيانٍ أخرى، يأتي السياح الأجانب إلى الجمعيات المتخصصة في تصنيع هذا الزيت الفريد من نوعه، حباً للاستطلاع وفضولًا في رؤية مراحل تصنيع هذا الزيت الذي تتسابق الدول الأخرى على استيراده وزراعته في أراضيها بغرض تطويره جينيًا إن لزم الأمر. وكما ساهم انجذاب السياح لهذا الزيت وزيادة طلبهم عليه إلى مضاعفة أسعاره بشكل ملحوظ.
زيت الأركان.. ثروة اقتصادية للمغرب
ثمرة زيت الأركان
أدى توسع سوق الصناعات الطبية والغذائية إلى الضغط على كبار المنتجين لزيادة قدراتهم على سد الفجوة بين العرض والطلب، ففي عام 2014، استحوذ قطاع مستحضرات التجميل على 42% من إجمالي منتجاته وذلك بالتزامن مع مع تزايد عدد شركات التجميل التي تهتم في تصنيع منتجات مدمجة بالزيت للعناية بالبشرة والشعر.
وقد شجع ميل العالم إلى الأنظمة الغذائية الصحية على الاعتماد على هذا الزيت كمكون رئيسي في وجباتهم اليومية، إذ يعتبر منتجا مثاليا للأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب ونقص الفيتامينات والمعادن والسمنة المفرطة، وتحديدًا في الدول الآسيوية التي تعتبر سوقًا هائًلا لهذه الصناعة بسبب ميل شعوبها إلى العلاجات الطبية التقليدية.
تعتبر الدول الآسيوية سوقًا هائًلا لهذه الصناعة بسبب ميل شعوبها إلى العلاجات الطبية التقليدية
تستخدم عدة علامات تجارية هذا الزيت في منتجاتها مثل OLVEA و Zineglob و Biopur و Nadifi Argan، وبالرغم من سيطرة جنوب المغرب والأيدي الريفية على هذه الصناعة وخاصة في مدينة الصويرة التي تعد العاصمة الأساسية لمنتجاته إلا أن هناك العديد من الدول التي تحاول المنافسة وتقليد هذه الصناعة.
هل تسرق “إسرائيل” هوية الزيت المغربي؟
نشر الناقد والباحث المغربي، سعيد يقطين، مقالًا بعنوان “شجرة الأركان المغربية إسرائيلية؟”، مشيرًا إلى تاريخ “إسرائيل” المتكرر في سرقة الأراضي والتاريخ والتراث ونسبه إليه، فمن بين ممارساتها سرقة شجرة الأركان المغربية بعد 25 عامًا من الأبحاث العلمية الزراعية التي قامت بها شركة “سيفان” ونجحت في استنبات صنف أسمته “أركان 100”.
في نفس الوقت، يستعرض الباحث يقطين الظروف التي تنبت فيها هذه الشجرة ما بين الاهمال الحكومي والاستهتار الشعبي، بينما يتم تقديسها في أماكن أخرى مثل “إسرائيل” التي تنفق المال والوقت من أجل تطوير هذه المنتج زراعيًا وتسويقه تجاريًا وإنتاجه على أنه بضاعة إسرائيلية المنشأ والهوية، فبحسب المقال، صرح المسؤول عن قسم الهندسة الزراعية في الشركة الإسرائيلية، قائلاً: “إن شركتنا هي الوحيدة التي تعرف كيفية زرع شجرة الأركان”.
تمتلك “إسرائيل” حوالي 20 ألف شجرة مقابل 50 مليون شجرة في المغرب، ومن المرجح أن تزيد الأطماع الإسرائيلية في استنبات المزيد من الأشجار بمعدل عشر مرات أكثر من المغرب في السنوات المقبلة مع الدخول إلى الأسواق العالمية كمنتج إسرائيلي.
فوفقًا للإحصائيات، تمتلك “إسرائيل” حوالي 20 ألف شجرة مقابل 50 مليون شجرة في المغرب، ومن المرجح أن تزيد الأطماع الإسرائيلية في استنبات المزيد من الأشجار بمعدل عشر مرات أكثر من المغرب في السنوات المقبلة مع الدخول إلى الأسواق العالمية كمنتج إسرائيلي.