منذ فبراير الماضي نشطت الدعوات الرسمية من سلطنة عمان تجاه القضية الفلسطينية، فقد شهدت السلطنة زيارة للرئيس الفلسطيني محمود عباس في 20 من أكتوبر الماضي، أعقبتها زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 26 من أكتوبر أي بعد ستة أيام من زيارة عباس.
وقالت سلطنة عمان في تاريخ 29 من سبتمبر 2018 في كلمتها ضمن الجمعية العمومية للأمم المتحدة عبر وزير خارجيتها يوسف بن علوي إن القضية الفلسطينية تعد القضية المركزية لمنطقة الشرق الأوسط، وأكدت السلطنة استعدادها لبذل كل جهد ممكن لإعادة بيئة التفاؤل للتوصل إلى اتفاق شامل يضع في الاعتبار مستقبل التعايش السلمي في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما بين الأجيال الفلسطينية والإسرائيلية، فتحقيق بيئة سلمية بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، يعد أساسًا لإقامة السلام في المنطقة، وتدعو السلطنة دول العالم، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية التي لها دور أساسي في تحقيق السلام والاستقرار في مناطق العالم، لأن تنظر إلى مستقبل هذه القضية من منظور دعم توجهات السلام وتسهيل عمل المنظمات الدولية وعدم التضحية بالسلام.
صرح رئيس طاقم المفاوضات الفلسطينية صائب عريقات خلال منتدى عَمان الأمني في الأردن في أعمال دورته الثانية عشر في الجامعة الأردنية تعقيبًا على زيارة نتنياهو لسلطنة عمان قائلًا: “سلطنة عمان لم تطبع مع الاحتلال الإسرائيلي، ولكنها حاولت فتح آفاق جديدة لعملية السلام وتقريب وجهات النظر بناء على المبادرة العربية وقرارات الأمم المتحدة، وإقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس”، كاشفًا أن “الولايات المتحدة الأمريكية طالبت سلطنة عُمان برفع يدها عن الملف الفلسطيني”.
تاريخيًا
تعتبر سلطنة عمان تاريخيًا وسيطًا مثاليًا في أزمات المنطقة، فلا تكاد تسمع لها صوت في الأزمات، وليست طرفًا في أي أزمة إلا أنها توسطت سابقًا في العديد من القضايا خصوصًا الخلافات والأزمات الخليجية، وكذلك في اليمن، فهي ليست ضمن التحالف العربي في حرب اليمن وتتمتع بعلاقات جيدة مع الحوثيين ومع اليمنيين، كما أنها كانت محور ارتكاز مهم بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الاتفاقية النووية لعام 2015، حيث أجري الاتفاق عبر قناة عمانية.
شهدت العلاقات الإسرائيلية العمانية تطورات ملحوظة منذ تسعينيات القرن الماضي، توجت بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين والرئيس الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز سلطنة عمان، في الفترة بين عامي 1994 و1996، إلا أنه سرعان ما توقف قطار التطبيع العماني الإسرائيلي مؤقتًا، مع نشوب الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2000.
السلطان قابوس مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء “الإسرائيلي”
لماذا دعت أمريكا سلطنة عمان بعدم التدخل في القضية الفلسطينية؟
رغم أن الرئيس الفلسطيني أبدى تجاوبًا مع دعوة سلطنة عمان للتوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ورفضهم لأن يكون الأمريكان وسيطًا مرة ثانية في عملية التسوية، فإن تجاوب السلطة الفلسطينية مع سلطنة عمان أثار امتعاض إدارة ترامب التي دعت السلطنة لرفع يدها عن القضية الفلسطينية.
يقول عاطف أبو سيف عضو المجلس المركزي لحركة فتح في تصريح لنون بوست: “السلطة الفلسطينية تقبل بأي وسيط لعملية السلام وعودة المفاوضات عدا الإدارة الأمريكية، ولا ترغب أمريكا بأي طرف أن يكون وسيطًا في عملية السلام عداها”.
وهنا عبر أبو سيف أن السلطة الفلسطينية أغلقت جميع الأبواب لعودة الوساطة الأمريكية، وقال: “نتجاوب مع المبادرة العُمانية للعودة إلى مبادرة السلام العربية”، لكن صائب عريقات قال: “رغم زيارة نتنياهو لسلطنة عمان وإبدائه الاستعداد للدور العُماني، فإنه عاد ليصادق على بناء مستوطنات جدد”.
زار وفدٌ فلسطيني سلطنة عُمان مؤخرًا وتلقى عدة رسائل بين السلطة الفلسطينية وسلطنة عمان لاستمرار فتح القناة العمانية لعودة المفاوضات بعيدًا عن أمريكا لتظل القضية في إطارها العربي
يظهر جليًا إصرار الأمريكان على ألا يلعب أحد غيرهم دور الوساطة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، لتمرر ما تشاء من مبادرات السلام الاقتصادي، وترهن التمويل مقابل الاستقرار وصولًا لصفقة القرن، وعودة السلطة للمفاوضات دون أي شروط، إذ تراهن على تفككها وتآكلها ماليًا، لكن السلطة التي تحاول فتح أي خط عربي قوي يقلل من حدة السطوة الأمريكية باتت عاجزة حتى اللحظة عن ذلك.
زار وفدٌ فلسطيني سلطنة عُمان مؤخرًا وتلقى عدة رسائل بين السلطة الفلسطينية وسلطنة عمان لاستمرار فتح القناة العمانية لعودة المفاوضات بعيدًا عن أمريكا لتظل القضية في إطارها العربي.
وقد نرى طلب أمريكا من سلطنة عمان الانسحاب من القضية الفلسطينية من زاوية أخرى، حيث تعتبر سلطنة عُمان حليف بريطانيا الأقوى في المنطقة، وقد شهدت السلطنة مؤخرًا مناورات عسكرية بريطانية عُمانية مشتركة تحت اسم “السيف السريع 3 ” في 4 من أكتوبر الماضي واستمرت لشهر، وهي الأهم في منطقة تعتبر من الناحية الجيوسياسية في عمق النزاع العربي، وينظر لدعوة أمريكا للسلطنة بسحب يدها من الملف الفلسطيني خوفًا من دور بريطاني أكبر على حساب الدور الأمريكي، قد يدفع بدور أوروبي جديد وأكثر أهمية يعيق الخطة الأمريكية.
وبحسب وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي فإن نتنياهو من طلب الزيارة لعرض وجهة نظره في حل الخلافات بالمنطقة، وتابع أن المفاوضات التي أطلقتها السلطنة غير متوقفة، وعلى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي التوصل إلى سلام لمصلحة الطرفين.
وزير الخارجية العماني في القدس
دوافع الأطراف:
الإسرائيليون
ينظرون لمشاركة سلطنة عمان في المفاوضات الفلسطينية كحدث مهم لتعزيز العلاقات الإسرائيلية العمانية واكتمال مشروع التطبيع العربي، وقرب “إسرائيل” من حدود إيران ومن بحر العرب أكثر وزيادة التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين، وحتى لو لم تتوصل عُمان لنتيجة في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين فإن الإسرائيليين فتحوا قناة اتصال مهمة زمانيًا ضمن مشروع التطبيع مع العرب، ومكانيًا ضمن الموقع الإستراتيجي الأهم لعمان على بحر الخليج.
الفلسطينيون
ينظرون لأي وسيط خصوصًا إذا كان عربيًا كأنه تحول جوهري وفرصة جيدة للابتعاد أكثر عن التفرد الأمريكي بعملية المفاوضات، كما أنهم يعتبرون عُمان مصدرًا ماليًا مهمًا للأزمات القادمة في حال زادت الضغوطات أكثر على السلطة الفلسطينية قبل إعلان إفلاسها.
العُمانيون يعتبرون وساطتهم في القضية الفلسطينية الأهم في المنطقة لتعزيز دورهم الجديد الفاعل في المنطقة العربية، في ظل الأزمات التي يشهدها الخليج خصوصًا، وهذا الدور الجديد الذي تسعى إليه عُمان قد يحميها من سعي الإمارات العربية للسيطرة على محافظة مسندم الموقع الجيوسياسي الأهم في عُمان.
الأمريكيون
لا يريدون لأي طرف عربي أو أوروبي تمرير أي صفقة أو مبادرة سلام ولعب دور الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين دون تحكمهم وبعيدًا عن إرادتهم وسيطرتهم، وتسعى الإدارة الأمريكية لتمرير مشروعها الاقتصادي للسلام الاقتصادي أو ما يعرف بصفقة القرن، بعكس الإسرائيليين الذين يرون تفكيك الصفقة إلى أزمات متفرقة يمكن التفاوض عليها من وسطاء عرب لتعزيز التطبيع العربي الإسرائيلي، في حين تتخوف أمريكا من زيادة الدور الأوروبي في القضية الفلسطينية خصوصًا بريطانيا من خلال عُمان.
العُمانيون
يعتبرون وساطتهم في القضية الفلسطينية الأهم في المنطقة لتعزيز دورهم الجديد الفاعل في المنطقة العربية، في ظل الأزمات التي يشهدها الخليج خصوصًا، وهذا الدور الجديد الذي تسعى إليه عُمان قد يحميها من سعي الإمارات العربية للسيطرة على محافظة مسندم الموقع الجيوسياسي الأهم في عُمان.