نداء تونس ينشد الدعم المالي الخارجي و”ساويرس” على الخط

46457965_1983076105111158_7970001855763709952_n

يعيش ما تبقى من حزب نداء تونس الفائز بأغلبية مقاعد البرلمان في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2014، على وقع أزمة مالية حادة، ما استدعى لجوء قيادات الحزب لرجال أعمال تونسيين وأجانب حتى ممن تحوم حولهم شبهات فساد، لدعم حزبهم الذي عرف في الفترة الأخيرة هزات كبرى نتج عنها انقسامه إلى مجموعة من الأحزاب المتناثرة.

الشاهد يضرب الحزام المالي للنداء

في الـ24 من شهر مايو/أيار من السنة الماضية، خرج رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد على التونسيين بتصريح من أمام مقر الحكومة بالقصبة، قال فيه: “أنا ككل التونسيين في الحرب على الفساد ولا خيار لي إما الدولة وتونس أو الفساد وأنا اخترت تونس”، من ذلك التاريخ بدأت متاعب نداء تونس المالية.

https://youtu.be/TqIBWGEDR8w

يقول بعض قيادات نداء تونس إن الهدف من إعلان الشاهد حربه على الفساد، استهداف الجناح المالي لحزب النداء، حتى تخلُوا الساحة للسياسي الشاب، ويتمكن من فرض اسمه وتوجهه على مختلف الأطراف في الداخل والخارج وينفرد بالحكم.

وتبرر قيادات النداء هذا الاتهام، بأن أول الموقوفين في هذه الحملة وأبرزهم كان رجل الأعمال شفيق جراية، ويعتبر رجل الأعمال الموضوع على ذمة القضاء العسكري بتهم تتعلق بالاعتداء على أمن الدولة الخارجي والخيانة والمشاركة في ذلك ووضع النفس تحت تصرف جيش أجنبي زمن السلم، أحد ناشطي حزب نداء تونس وأكبر مموليه.

فضلاً عن شفيق جراية، اعتقلت السلطات الأمنية التونسية حينها، رجال أعمال ومهربين آخرين بتهم الفساد والتآمر على أمن الدولة، وللإشارة فإن معظم الذين تم إيقافهم على ذمة التحقيق لهم علاقات وثيقة بنداء تونس ويعتبرون من أكبر ممولي الحزب.

الإيقافات التي استهدفت رجال الأعمال والمهربين التابعين لنداء تونس والمناصرين له، جعلت بعض رجال الأعمال الداعمين له خاصة في مدينة سوسة الساحلية يعلنون انشقاقهم عن الحزب خوفًا من أن تطالهم شبهات الفساد أيضًا.

هذه الحملة الأمنية بقيادة يوسف الشاهد، كانت سببًا في تراجع الحزب ودخوله في أزمة مالية حادة، نتج عنها فقدانه العديد من الأنصار والقواعد الذين كانوا يتمتعون بتحويلات مالية كبيرة لما يقدمونه من خدمات للحزب تضمن وجوده في مختلف جهات البلاد، وإلى جانب فقدانه العديد من القواعد، فقد الحزب الذي أسسه رئيس تونس الحاليّ الباجي قائد السبسي في صيف سنة 2012، العديد من المقرات الجهوية والمحلية لعدم قدرته على خلاص معاليم الكراء المتخلدة بذمته، وفق بعض المنتمين إليه.

أعداء الأمس أصدقاء اليوم

هذه الأسباب كانت كفيلة ليبدأ الحزب الذي يُتهم نجل الرئيس حافظ قائد السبسي بتفكيكه والمساهمة في انهياره بهذه السرعة الكبرى، في طرق أبواب رجال أعمال تونسيين، فوجد ضالته في سليم الرياحي رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر.

سليم الرياحي الذي يعتبر أحد الوجوه السياسية الصاعدة في تونس، إذ لا يمتلك أي تاريخ سياسي واعتمد في تأسيس حزبه على ثروته الطائلة التي تحدثت تقارير محلية عن أنها أكبر ثروة في تونس، قبل الدعوة عن “طيب خاطر”، وسارع إلى التحالف مع من كان يتهمهم بالفساد وتشويه صورته.

يفتقد سليم الرياحي للتجربة السياسية

صفقة رابحة للطرفين، بمقتضاها اندمج الحزبان وأصبح الرياحي أمينًا عامًا للنداء، بالتزامن مع إصدار الدائرة المختصة في قضايا الشيكات بالمحكمة الابتدائية بتونس قرارًا يقضي ببطلان إجراءات التتبع في 14 قضية متهم فيها سليم الرياحي بإصدار شيكات دون رصيد، فيما ضمن النداء تمويلات إضافية تساعده في قادم المواعيد الانتخابية إلى حين ترتيب بيته الداخلي وإن كان الأمر صعب المنال.

ساويرس في تونس

لم يكن رجال الأعمال التونسيين الوحيدين من طرق “نداء تونس” بابهم، فغيرهم من الأجانب كثير، منهم رجل الأعمال والمستثمر المصري نجيب ساويرس الذي أدى زيارة لمقر حركة نداء تونس، التقى خلالها بكل من حافظ قائد السبسي رئيس الهيئة السياسية ورضا بلحاج المنسق العام وسفيان طوبال رئيس الكتلة النيابية للحزب.

وعلى إثر اللقاء قال قياديو النداء إن زيارة ساويرس جاءت بدعوة من الحزب في إطار تشجيع المستثمرين الأجانب ودعم فرص الاستثمار في تونس، وقبل ذلك التقى ساويرس رئيس تونس الباجي قائد السبسي الذي يعتبر الأب الروحي للنداء، دون أن يلتقي بأي مسؤول آخر في الدولة.

لئن ربط نداء تونس زيارة نجيب ساويرس له، برغبته في دعم اقتصاد البلاد وجلب استثمارات جديدة في وقت يشهد فيه اقتصاد البلاد هزات كبرى، فقد أكد العديد من المتابعين للشأن التونسي أن هذه الزيارة تأتي لدعم النداء معنويًا وماليًا في هذا الظرف الحرج الذي يمر به.

ويعرف نداء تونس في هذه الفترة، وضعًا صعبًا، فلم يعد ذلك المسيطر على دواليب الحكم في البلاد، وإن كان الظاهر يبين عكس ذلك فهو الماسك بالرئاسات الثلاثة (الحكومة والبرلمان والرئاسة)، لكن دون فاعلية، كما وصل به الأمر إلى فقدان أكثر من 40 نائبًا في البرلمان، وخسارة الانتخابات المحلية التي أجريت في مايو/أيار الماضي بعد أن حل ثانيًا خلف حركة النهضة، وبروز أزمات كثيرة داخله.

الإمارات.. الخيط الرابط بين الثلاثة

لجوء النداء أولاً إلى سليم الرياحي ومن ثم إلى نجيب ساويرس بالذات لم يكن محض صدفة، بل كان نتيجة ما يربط الأطراف الثلاث من علاقات كبيرة مع داعم الثورات المضادة في المنطقة العربية، دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويعرف عن الأمين العام الجديد لنداء تونس سليم الرياحي، علاقاته الجيدة والوطيدة مع أبو ظبي والأسرة الحاكمة هناك والمقربين منها، كما يصنفه البعض ضمن خانة رجالها والمنفذين لأجنداتها السياسية في تونس.

ويحتفظ سليم رياحي، بعلاقات طيبة مع مسؤولين إماراتيين، كما سبق له أن زار الإمارات في مناسبات عديدة، إضافة إلى تصريحاته المختلفة المدافعة عن قيادتها السياسية ومهاجمة خصوم أبو ظبي في تونس، وعلى رأسهم الرئيس السابق منصف المرزوقي الذي كشف دور أبو ظبي التآمري على تونس إبان فترة حكمه.

يكن حكام الإمارات عداءً كبيرًا للثورة التونسية

من جانبه يوصف نجيب ساويرس بأنه أحد أبرز الرجال المناصرين للتوجه الإماراتي في المنطقة العربية، وأحد أهم داعمي الثورات المضادة، فقد سبق له أن أعلن صراحة دعمه للانقلاب الذي نفذه عبد الفتاح السيسي في صائفة 2013 على أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي في تاريخ مصر.

ولا تعتبر زيارة ساويرس الأولى إلى تونس، فقد سبقتها زيارة أخرى في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2014 إلى مقر نداء تونس قبل أيام من الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد آنذاك، وانتقد المرشح الرئاسي حينها المنصف المرزوقي زيارة الرجل، واصفًا إياه بـ”عراب الانقلابات المضادة”.

ويخشى تونسيون من أن فقدان نداء تونس لمصادر تمويله التقليدية وفقدانه السلطة لصالح يوسف الشاهد وجماعته، سيشرعن لما تبقى منه الارتماء في أحضان الداعمين للثورات المضادة كما حصل مباشرة على إثر تأسيسه سنتي 2013 و2014، ورجوع البلاد إلى مربع الصفر.

يتبين من هنا، سعي رجال دولة الإمارات العربية المتحدة المتجددة إلى العودة مجددًا لتونس عبر بوابة “النداء” بعد أن لفظتهم الانتخابات، لتخريب المشهد السياسي في البلاد، وضرب الانتقال الديمقراطي في تونس الذي تشيد به معظم الدول والمنظمات في العالم.