بينما لم يتجاوز الإسرائيليون صفعة عملية خانيونس بعد وما أحدثته من زلزال داخل الشارع الصهيوني أصاب حكومة بنيامين نتنياهو بتصدعات كادت أن تطيح بها، إذ بضربة جديدة يتلقونها لكن هذه المرة ليست بيد الفلسطينيين ولا المقاومة، ولعل هذا ما يفسر حالة الغضب الشديد التي انتابت تل أبيب ودفعتها للتهديد بأقسى أنواع الرد.
شركة “إير بي إن بي” Airbnb المتخصصة في حجوزات العقارات قررت فجأة حذف المنازل التي تعرضها للإيجار في المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية المحتلة من قوائمها على موقعها الإلكتروني، قرار وإن لم يتعلق سوى بـ200 منزل فقط غير أن وقعه الميداني كان كبيرًا على الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، لا سيما مع دعوات مطالبة الشركات الدولية الأخرى أن تحذو حذوها.
الشركة وعبر موقعها بررت هذه الخطوة بأن “كثيرين في المجتمع الدولي أكدوا أن الشركات لا ينبغي لها أن تمارس عملها في مثل هذه المناطق، لأنهم على قناعة بأنها لا ينبغي أن تحقق أرباحًا على أراض شُرد أهلها”، وخلصت إلى ضرورة “إزالة القوائم في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة التي تشكل جوهر الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.
خطوة ترجع أهميتها إلى تعزيز الضغوط الممارسة على دولة الاحتلال وتعريتها – نسبيًا – من الركائز الاقتصادية الدولية التي تستند عليها في إجراءتها الاستيطانية التوسعية، هذا بخلاف فضح انتهاكاتها المتواصلة ضد الفلسطينيين، وهو ما يصب في صالح القضية الفلسطينية في المقابل.
“كان من المهم أن تنسجم إير بي إن بي مع القانون الدولي الذي يعتبر “إسرائيل” قوة احتلال، وأن المستوطنات في الضفة الغربية – بما في ذلك في القدس الشرقية – غير شرعية وتشكل جريمة حرب” صائب عريقات
ترحيب فلسطيني وحقوقي
انتقادات فلسطينية، حكومية وشبعية، حادة كانت قد وجهت للشركة بسبب انتهاكها للقانون الدولي وإدراجها إعلانات عن عقارات للإيجار في المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة داخل الضفة الغربية، فيما كانت محل تقدير صهيوني حتى قبل يومين فقط.
وقد قوبل قرار حذف المنازل المعلن عنها داخل الضفة الغربية بالترحيب الشديد من الفلسطينيين الذين اعتبروه “خطوة جيدة” نحو فقدان الاحتلال شرعيته على أرض الواقع، حيث وصف أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات قرار الشركة الأمريكية بأنه “يشكل خطوة أولى إيجابية”.
عريقات في بيان له أضاف “كان من المهم أن تنسجم إير بي إن بي مع القانون الدولي الذي يعتبر “إسرائيل” قوة احتلال، وأن المستوطنات في الضفة الغربية – بما في ذلك في القدس الشرقية – غير شرعية وتشكل جريمة حرب”.
من جانبها رحبت عدد من المؤسسات الحقوقية بهذا التحرك حيث وصفت مؤسستي “هيومن رايتس ووتش” و”كِرِم ناڤوت” الحقوقيتين القرار بأنه خطوة إيجابية ينبغي على شركات سياحية عالمية أخرى الاقتداء به، كونه يساهم في القضاء على أشكال التمييز العنصري.
أرفيند غانيسان مدير برنامج الأعمال التجارية وحقوق الإنسان في “هيومن رايتس ووتش” اعتبر أن التوقف عن عرض عقارات للإيجار في المستوطنات غير الشرعية التي لا يمكن للفسطينيين الوصول إليها، موقفًا يحسب لشركة Airbnb ضد التمييز والنزوح وسرقة الأراضي.
اعتبر وزير الشؤون الإستراتيجية غلعاد إردان، القرار، بأنه يشكل “خضوعًا لمنظمي حركات المقاطعة (BDS) المعادية للسامية، ويقوم على اعتبارات سياسية، وليس اعتبارات تجارية”
بينما يرى درور إيتكس، مدير “كِرِم ناڤوت” أن “عرض الشركة لعقارات في مستوطنات بالضفة الغربية غير قانوني بالمرة بموجب القانون الإنساني الدولي، وليس هذا فحسب، وإنما وصل الحد إلى أنها تعرض عقارات في بؤر استيطانية نائية يعتبرها القانون الإسرائيلي نفسه غير قانونية، ومعروضة بشكل خاطئ على أنها داخل “إسرائيل”، وهو ما قد يضع الزبائن في موقف حرج قانونًا كونهم يقضون عطلتهم في مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربيّة”.
المنظمتان طالبتا الشركات العاملة في الأراضي المحتلة أن تلتزم بمسؤولياتها بموجب “مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان”، وأن تقتدي بقرار Airbnb وتتوقف عن عرض أي عقارات موجودة في المستوطنات.
For 2 years, @hrw has spoken with @Airbnb about their brokering of rentals in illegal Israeli settlements. Today, a breakthrough. pic.twitter.com/W6VTuDDXB9
— Human Rights Watch (@hrw) November 19, 2018
تل أبيب تهدد
وفي المقابل، كان للقرار وقع الصدمة على مسؤولي دولة الاحتلال، وهو ما جسدته تصريحاتهم وردود فعلهم، حيث وصفه وزير السياحة الإسرائيلي ياريف ليفين بـ”المخجل والبائس”، داعيًا لإلغائه بشتى السبل، مصدرًا تعليمات لوزارته ببلورة خطوات فورية لتحديد نشاط الشركة في المناطق الخاضعة للاحتلال كافة.
فيما اعتبر وزير الشؤون الإستراتيجية غلعاد إردان، القرار، بأنه يشكل “خضوعا لمنظمي حركات المقاطعة (BDS) المعادية للسامية، ويقوم على اعتبارات سياسية، وليس اعتبارات تجارية”، داعيًا أصحاب الأملاك المتضررين (المستوطنين) من القرار لفحص إمكانية تقديم دعوى ضد الشركة، بموجب قانون منع المس بـ”إسرائيل” عن طريق المقاطعة.
إردان لوح بتوسعة دائرة الضغوط الممارسة ضد الشركة، معلنًا نيته التوجه إلى الجهات السياسية في الولايات المتحدة من أجل فحص هذا القرار الذي يعتبره يخرق القوانين ضد المقاطعة القائمة في 25 ولاية من الولايات المتحدة.
إدانة القرار لم تتوقف عند حاجز الوزراء وكبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية فحسب، بل امتد إلى قادة السلطات المحلية للمستوطنات في الضفة الغربية، حيث وصف المجلس الاستيطاني “ييشاع” القرار بأنه “معاد للسامية”، مبررًا حديثه بأن “الشركة التي لا مانع لديها من تأجير شقق في ديكتاتوريات في أنحاء العالم وفي مواقع لا يوجد فيها أي ذكر لحقوق الإنسان، تسيء لـ”إسرائيل”، وهذا ينبع من معادة السامية أو من الخضوع للإرهاب، أو كليهما معا”، متهمًا بتحول Airbnb إلى “موقع سياسي يسعى للمس باقتصاد المنطقة، والتسبب بضرر اقتصادي للسكان (المستوطنين)”.
وزير السياحة الإسرائيلي، ياريف ليفين، يهدد بالتصعيد ضد الشركة
مقاطعة دولية
الفلسطينيون والمنظمات الحقوقية طالبوا بقية الشركات الدولية العاملة في الأراضي المحتلة بأن تقتدي بقرار Airbnb، ففي بيان “هيومن رايتس ووتش” الصادر أمس دعت شركة Booking.com لتاجير العقارات بالالتزام بمسؤوليتها القانونية والحقوقية والتوقف فورًا عن ممارسة أنشطتها التجارية داخل “إسرائيل”.
مدير برنامج الأعمال التجارية وحقوق الإنسان في “هيومن رايتس ووتش” اعتبر أن “استمرار Booking.com وشركات أخرى في ممارسة نشاطها في المستوطنات يساهم في ترسيخ نظام تمييزي مزدوج في الضفة الغربية”، مطالبًا بضرورة تعزيز الضغوط لسحب تلك الشركات أعمالها إعمالاً لمواثيق حقوق الإنسان والقانون الدولي.
خطوة ربما تكون نواة حقيقة نحو تفعيل جهود المقاطعة الدولية للكيان الصهيوني، فالتبريرات القانونية والحقوقية التي استندت إليها الشركة الأمريكية في قرارها قد يكون أرضية جيدة لبناء تحالف عربي قوي يسعى لتضييق الخناق على الشركات العاملة في دولة الاحتلال عبر الكشف عن عدم قانونية عملها وتعزيزها بذلك لأشكال التمييز العنصري، ما يدفعها لإعادة النظر في وجودها داخل الكيان وهو ما قد يشكل ضربات موجعة للدولة العبرية التي تعتمد في ترسيخ كيانها على كونها بابًا متسعًا وأرضًا خصبة للمنظمات والكيانات الاقتصادية الدولية.
استغلال قرار شركة Airbnb لإحياء القائمة السوداء التي وضعتها الأمم المتحدة ربما يكون خطوة مهمة في هذا التوقيت لتفعيل تحركات المقاطعة الدولية لدولة الاحتلال
في يناير الماضي أقرت الأمم المتحدة قائمة سوداء تضم 206 شركات دولية عاملة في المستوطنات الإسرائيلية، تعتبر غير شرعية بحسب القانون الدولي، وهو ما أثار حينها غضب الكيان الصهيوني خشية أن تكون بداية الطريق أمام مقاطعة دولية تفرض عليه وهو تحرك يعي الإسرائيليون خطورته عليهم جيدًا.
التقرير الذي نشرته المنظمة حينها كشف أن 143 من الشركات الـ206 لها مقار في “إسرائيل” أو في المستوطنات، و22 في الولايات المتحدة، و7 في ألمانيا و5 في هولندا و4 في فرنسا، والشركات الباقية تتخذ مقرات لها في 19 دولة أخرى، وإن لم يتم الكشف بصورة كاملة عن أسماء تلك الشركات.
استغلال قرار شركة Airbnb لإحياء القائمة السوداء التي وضعتها الأمم المتحدة ربما يكون خطوة مهمة في هذا التوقيت لتفعيل تحركات المقاطعة الدولية لدولة الاحتلال، وهو ما يتطلب تضافر الجهود كافة لتعزيز هذا المسار القانوني الدولي لا سيما في ظل الخطوات الدبلوماسية المقبولة نسبيًا خلال الآونة الأخيرة التي فرضت زخمًا عالميًا حول القضية الفلسطينية.