قالت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء أمس السبت، إن الولايات المتحدة قررت نشر منظومة بطارية الدفاع الطرفية للارتفاعات العالية المعروفة باسم “ثاد THAAD”، المخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية القصيرة ومتوسطة المدى، لدى الكيان المحتل، تعزيزًا للقدرات الدفاعية الإسرائيلية، تحسبًا لضربات محور المقاومة وما قد يستجد من ضربات إيرانية مستقبلية.
ولم تكشف الإذاعة العبرية بعد عن موعد نشر تلك المنظومة التي تعتبر واحدة من أكثر أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية تقدمًا، فيما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أخرى عن إيفاد أمريكا لجنود ومهندسين وفنيين لإدارة وتشغيل تلك المنظومة التي تحتاج إلى مؤهلات خاصة قد لا تتوافر حاليًا لدى دولة الاحتلال.
ليست المرة الأولى التي تنشر فيها واشنطن منظومتها الدفاعية في المنطقة، ففي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وبعد أسبوعين تقريبًا من عملية “طوفان الأقصى” أكد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أن بلاده نشرت منظومة “ثاد” بالإضافة إلى بطارية باتريوت إضافية، في مواقع مختلفة من الشرق الأوسط، لزيادة حماية القوات الأمريكية، وذلك في أعقاب تعرض عدد من القواعد الأمريكية وقواعد تابعة للتحالف الدولي في العراق (عين الأسد وحرير في إقليم كردستان شمالي العراق ومعسكر قرب مطار بغداد) للاستهداف أكثر من مرة.
وتحمل أنباء نشر تلك المنظومة داخل الكيان الإسرائيلي الذي يمتلك 3 من أقوى الأنظمة الدفاعية في العالم (القبة الحديدية – مقلاع داود – السهم) شكوكًا بشأن قدرة تلك الأنظمة على توفير الأمن للإسرائيليين الذين يقضون معظم أوقاتهم داخل الملاجئ وفي المخابئ، وذلك بعدما أمطر محور المقاومة سماء تل أبيب وحيفا بعشرات الصواريخ الباليتسية والمسيرات التي فشلت تلك الأنظمة الدفاعية في اعتراضها.
ما هو نظام ثاد؟
“ثاد” هو منظومة دفاع جوي صاروخي من نوع أرض-جو، من إنتاج شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية، ومخصص لإسقاط الصواريخ البالستية قصيرة ومتوسطة المدى ذات الارتفاعات العالية، وبحسب الشركة المصنعة فهو النظام الأمريكي الوحيد المصمم لاعتراض الأهداف داخل وخارج الغلاف الجوي.
بدأ الشروع في تصميمه عام 2000، فيما دخل مرحلة الإنتاج الكمي عام 2007، أجريت له أكثر من 30 تجربة، وتكلف إنتاجه نحو 23 مليار دولار (كلفة البحث والتطوير والتجارب والتصنيع والتشغيل والصيانة لمدة 20 عامًا حتى يتم نشره)، وبلغ معدل نجاح اعتراضه للصواريخ المعادية نسبة 100% من الاختبارات، بعد تسجيله 16 اعتراضًا ناجحًا في 16 محاولة اعتراض، وفقًا للشركة.
يتكون من 5 مكونات رئيسية: أجهزة اعتراضية، وقاذفات، ورادار، ووحدة التحكم في الحرائق، ومعدات الدعم، فيما تحتوي بطارية النظام على 9 عربات مجهزة بقاذفات، تحمل كل منها من 6 إلى 8 صواريخ، إضافة إلى مركزين للعمليات ومحطة رادار، ويمتلك الرادار خاصية اكتشاف الصاروخ القادم أولًا، وعليه يكون اتخاذ القرار بالاستهداف أم لا، كما يمكن تحديث القرارات، وإرسال أوامر لتصحيح المسار للصاروخ في أثناء الطيران، كما يمكن توجيه الصاروخ بواسطة المعلومات الواردة من نظم المراقبة الفضائية، ويمكنه اكتشاف الصواريخ البالستية على مسافة تبلغ ألف كيلومتر من موقع الرادار .
لا تحتوي صواريخ “ثاد” الاعتراضية على رؤوس حربية متفجرة، لكنها تتحرك بسرعة أكبر من ميل في الثانية، وتضرب الصواريخ الباليستية القادمة بقوة كافية لإحداث انفجار، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، كما يعد النظام قابلًا للتشغيل المتبادل مع أنظمة الدفاع الصاروخي الباليستية الأخرى، وهو متنقل ويمكن نشره في أي مكان حول العالم.
يبلغ طول الصاروخ 6.17 متر، وقطر وحدة الدفع 34 سنتمترًا، ويزن عند الإطلاق 900 كيلوغرام، ويبلغ مداه قرابة 200 كيلومتر، وسرعة تصل إلى 2800 م/ث، فيما يصل أقصى ارتفاع للاعتراض 150 كيلومترًا، بينما تبلغ احتمالية الإصابة بأول صاروخ 0.9، أما القاذف فمحمول على عربة من طراز M 1075 يبلغ طولها 12 مترًا وعرضها 3.2 متر، ووزنها 40 طنًا.
المميزات والعيوب
يمتلك هذا النظام عدة مميزات أبرزها:
– يعمل في منطقة دفاع حيث يمكنه اعتراض الصواريخ البالستية القصيرة والمتوسطة المدى داخل وخارج الغلاف الجوي.
– يتوافق مع العديد من مكونات أنظمة BMDS ويمكنه أن يتقبل البيانات التوجيهية من الأقمار الاصطناعية الخاصة بنظام Aegis للدفاع الصاروخي من البحر، والعديد من المستشعرات الخارجية الأخرى، كما يستطيع أن يعمل بالتوافق مع نظامي باتريوت وباك-3.
– يتكون من قاذف صاروخي متحرك وقذيفة اعتراضية مزودة بمستشعرات وحاسوب قادر على التمييز بين الأهداف الحقيقية والكاذبة بالإضافة إلى محطة رادار كشف وتتبع، ومركز قيادة وسيطرة متحرك، وهو ما يعطي النظام خفة حركة عالية.
– قادر على اكتشاف الصاروخ القادم أولًا، وما إذا كان هدفًا حقيقيًا أو مضللًا وهو ما يوفر المعلومات الكاملة بشأن التعامل مع كل الأهداف.
– لا يحتوي على رؤوس حربية متفجرة، لكنه يتحرك بسرعة أكبر من ميل في الثانية، ويضرب الصواريخ الباليستية القادمة بقوة كافية لإحداث انفجار.
– يعتمد في انطلاقه لتدمير الصاروخ القادم على الطاقة الحركية (الاصطدام عالي السرعة)، وليس الرأس الحربي الخاص به، وهو ما يخفض من خطر الانفجار النووي إلى حدوده الدنيا.
– يتميز نظام الرادار الذي يعمل به بإمكانيات كبيرة تسمح له بالتقاط التهديدات بشكل سريع، ما يمكنه الدفاع عن المراكز السكانية والبنى التحتية ذات القيمة العالية.
وفي المقابل يعاني هذا النظام من عيوب وأجه قصور دفعت بعض الدول للتراجع عن شرائه أبرزها:
– محدودية التغطية، وهو السبب الذي تراجعت لأجله اليابان عن شرائه عام 2017، كذلك كوريا الجنوبية التي رأت أنه غير مجدٍ في التصدي لكل أنواع صواريخ جارتها الشمالية.
– يمكن إجهاده بالهجمات المكثفة، حيث يفشل في التعرض لكل الأهداف مرة واحدة، وهي النقطة التي استغلها محور المقاومة في استهداف تل أبيب بالصواريخ، حيث فشلت أنظمة الدفاع التي تمتلكها “إسرائيل” في إصابة كل الصواريخ.
– يحتاج إلى وقت لإعادة التذخير يبلغ نصف ساعة للعربة الواحدة.
أي قيمة يمكن أن يضيفها لمنظومة الدفاع الإسرائيلية؟
تجدر الإشارة ابتداءً إلى أن منظومة “ثاد” الصاروخية الدفاعية ليست جديدة على منطقة الشرق الأوسط، إذ لها حضور يعود لقرابة عقد كامل، حيث تمتلكها الإمارات منذ سنوات وكان استخدامها الأول في 17 يناير/كانون الثاني 2022 حين تصدت لصاروخ باليستي أطلقه الحوثيون باتجاه الأراضي الإماراتية، ووقعت السعودية على عقد شراء لتلك المنظومة بقيمة 15 مليار دولار على أن تدخل الخدمة بعد تدشين بنيتها التحتية الكاملة بحلول 2028، فيما تطرقت أنباء إلى تعاقد دول أخرى لشرائها مثل سلطنة عمان وتايوان.
حتى تواجد تلك المنظومة داخل الكيان الإسرائيلي ربما لن يكون الأول من نوعه، حيث تشير بعض التقارير الإعلامية إلى نشر هذا النظام في نيفاتيم الجوية منذ عام 2008، ثم تم نقله إلى مكان غير معروف في صحراء النقب جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإن لم يكن هناك ما يؤكد أو ينفي تلك التقارير.
ويحتاج هذا النوع من الصواريخ إلى عدد كبير من الجنود والخبراء والمهندسين والفنيين لإدارته، إذ تتطلب كل منصة قرابة 100 من الأشخاص المؤهلين، وهو السبب الذي سيدفع الولايات المتحدة إلى إيفاد الخبراء والمتخصصين الأمريكان مع المنظومة عقب تسليمها لدولة الاحتلال للقيام على إدارتها وتشغيلها.
ومن ثم فإن تسلم “إسرائيل” لمنظومة “ثاد” الصاروخية، وإن كان لن يحقق الطفرة الهائلة كما يتخيل البعض الذي يروج لتلك المنظومة على أنها نقطة محورية في القدرات الدفاعية لجيش الاحتلال، سيعزز الدفاعات الإسرائيلية، ويساهم بشكل أو بآخر في سد الكثير من الثغرات التي يعاني منها جدار الدفاع الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته يسمح للولايات المتحدة بتعزيز أقدامها في المنطقة أكثر وأكثر، وحماية قواعدها العسكرية المتواجدة في الشرق الأوسط، وترسيخ رسائل الردع الموجهة لإيران وحلفائها، وهو ما يمكن توظيفه انتخابيًا في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها الشهر القادم.
فشل أنظمة الدفاع الإسرائيلية
تعرضت الأجواء الإسرائيلية منذ عملية الطوفان لعشرات الرشقات الصاروخية ومئات الطائرات المسيرة، ورغم إسقاط الكثير منها، فإن بعضها نجح في اختراق منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي وأحدث إصابات محققة في العمق وصلت إلى قلب تل أبيب وعلى بعد أمتار قليلة من مقار الأجهزة الأمنية والتنفيذية للكيان المحتل.
وبينما كان يؤمل بنيامين نتنياهو وجيشه أنفسهم بحماية الجبهة الداخلية من أي تهديد يربكها مجددًا ويعيد الأذهان إلى أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، مستندين في ذلك إلى الدعم العسكري الأمريكي الذي لا يتوقف والتحديثات المستمرة لمنظومة الدفاع الجوي المتقدمة، إذ بالصواريخ البالستية والمسيرات وبعد عام كامل من تلك الحرب تخترق المجال الجوي الإسرائيلي وتسقط في قلب العاصمة الإدارية (تل أبيب) وتهدد العاصمة الاقتصادية (حيفا) وتزج بالملايين إلى الملاجئ والاختباء تحت الأرض، بما فيهم نتنياهو وجنرالاته.
وأمام هذا الوضع المهترئ والاختراقات الفاضحة في منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي والنجاحات التي حققتها المقاومة في ضرب كل المزاعم الإسرائيلية حول قوتها الاسطورية، ارتأت الولايات المتحدة إرسال أحدث منصاتها الدفاعية وأكثرها فعالية، لإنقاذ حليفها من أي هجوم محتمل خاصة في ظل التصعيد مع الجانب الإيراني والحديث عن ضربة إسرائيلية موجعة قد تستفز طهران للرد مجددًا، وهو ما يعني الاعتراف ضمنيًا بفشل خريطة النظم الدفاعية التي طالما تشدقت بها تل أبيب كونها السياجات التي لا يمكن اختراقها.
وتمتلك “إسرائيل” 3 منظومات دفاع صاروخية تتباين بين طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى، كانت في السابق تتباهى بها عالميًا، متوهمة أنها تحقق لها الأمن والاستقرار المنشود، حتى جاء الطوفان ومن بعده حرب غزة لتفضح هشاشة تلك المنظومة بعد أول اختبار حقيقي تتعرض له ميدانيًا وعمليًا:
– منظومة آرو (السهم).. وتنقسم إلى نوعين: آرو 2 وآرو 3، وهي منظومة بعيدة المدى، تهدف إلى اعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي للأرض باستخدام رأس حربي قابل للانفصال يصطدم بالهدف، كما تحلق الصواريخ على ارتفاع يسمح بالانتشار الآمن لأي رؤوس حربية غير تقليدية.
– (مقلاع داود).. والمعروف باسم “ديفيدز سلينج” وهو عبارة عن منظومة متوسطة المدى لإسقاط الصواريخ الباليستية التي يتم إطلاقها من مسافة تتراوح بين 100 و200 كيلومتر.
– (القبة الحديدية).. وتُعرف بالعبرية بـ”كيبات برزيل”، وهي منظومة دفاع جوي قصيرة المدى، لاعتراض الصواريخ التي تطلق من مسافات قصيرة كالتي تطلقها فصائل المقاومة في غزة وغيرها من المناطق الفلسطينية القريبة من المستوطنات الإسرائيلية.
وتكلف تلك المنظومات الخزانة الإسرائيلية مئات الملايين من الدولارات، خاصة مع تكثيف الرشقات الصاروخية، وهو ما يصيبها في كثير من الأحيان بالخلل، الأمر الذي تفشل معه في استهداف كل الصواريخ القادمة، ما ينجم عنه تساقط لبعضها في الداخل الإسرائيلي، وهو ما أجبر السواد الأعظم من سكان دولة الاحتلال على التزام الملاجئ أو الأماكن القريبة منها، بعد فقدان الثقة في النظام الدفاعي الإسرائيلي الذي كان مصدر الفخر والتباهي قبل الطوفان.
وفي الأخير فإن قرار الولايات المتحدة إرسال منظومة “ثاد” الصاروخية، إنما يأتي في حقيقته لإنقاذ سمعة النظام الدفاعي الصاروخي للحليف الإسرائيلي، ومحاولة الحفاظ على معادلة الردع الجديدة التي تحاول تل أبيب تدشينها خلال الأشهر الأخيرة، وذلك بعد الضربات التي تلقتها مؤخرًا وتوشك أن تقوض كل مزاعم نتنياهو وحكومته حول الانتصارات الرمزية التي حققها على حساب الجبهة اللبنانية والإيرانية.