بات رئيس الحكومة الإسرائيلية بينيامين نتنياهو، يعد الأيام والليالي التي تقربه خطوة وراء خطوة من حافة السقوط والانهيار، بعد أن أدار المسؤولون الإسرائيليون ظهرهم له وتركوه وحيدًا، وعلى رأسهم وزير جيشه أفيغدور ليبرمان الذي رفع الراية البيضاء وأعلن الاستقالة من الحكومة.
كل المؤشرات التي تخرج من تل أبيب، تتجه نحو التأكيد أن انهيار حكومة نتنياهو بات أمرًا واقعًا، ولكن الاختلاف يكمن فقط في التوقيت، خاصة أن المعارضة الإسرائيلية استغلت جيدًا فشل جيش الاحتلال في التصعيد الأخير على قطاع غزة، لجر حكومة نتنياهو نحو الهاوية.
تسببت استقالة ليبرمان بهزة سياسة كبيرة للحكومة الإسرائيلية
نتنياهو لم يجد أي من أبناء جلدته يقف بجانبه يصارع الرياح الشديدة التي تضرب حكومته من كل جانب، لكن وفي اللحظة الأخيرة، يبدو أن الدول العربية التي سميت بـ”المعتدلة” سيكون لها دور أساسي في صمود هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.
تحدثت صحف عبرية بأن نتنياهو سيجري جولة رسمية للدول العربية والإسلامية غير التي زارها في السابق، وإبرام اتفاق سلام معها
يُشار إلى أن الأزمة الحكومية في الدولة العبرية بدأت مع استقالة ليبرمان، في أعقاب الاتهامات التي وُجهت له بالمسؤولية عن إخفاق الجيش في المواجهة المسلّحة الأخيرة التي اندلعت الأسبوع الماضي، على حدود غزة بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال، وأفضت للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، رغم قيام فصائل المقاومة بإطلاق مئات الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة.
خيانة لدماء الفلسطينيين
الساعات الأخيرة شهدت تطورًا خطيرًا وغير مسبوق، حين تحدثت صحف عبرية بان نتنياهو سيجري جولة رسمية للدول العربية والإسلامية غير التي زارها في السابق، وإبرام اتفاق سلام معها، في مؤشر قرأه سياسيون ومحللون، بأنه محاولة من نتنياهو للتسلق على قطار التطبيع العربي لتخفيف الضغط الشعبي والسياسي الذي يتعرض له.
وأكدوا في أحاديث خاصة لـ”نون بوست”، بأن نتنياهو سيستغل تطور علاقاته السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية بالدول العربية من بينهم السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عُمان، لتجاوز الأزمات الداخلية التي يعاني منها، وإظهار نفسه بأنه “البطل” أمام الشارع الإسرائيلي.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” كشفت الأربعاء، بأن مملكة البحرين ستبرم معاهدة سلام مع “إسرائيل” العام المقبل، ونقلت الصحيفة عن الحاخام الأمريكي مارك شنير، الذي وصفته بالمعروف بعلاقاته الوثيقة مع بعض الدول العربية، أن “دول الخليج تتسابق من أجل إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل“.
يؤكد حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، أن الدول العربية بدأت تلعب دورًا “انهزاميًا”، ومساعدًا على بقاء دول الاحتلال على الأرض الفلسطينية ويمدون لها يد العون والمساعدة للبقاء عبر فتح أبواب التطبيع
وقال شنير، وهو رئيس “مؤسسة التفاهم العرقي” الذي استُقبل مرارًا – وفق الصحيفة – خلال السنوات الـ15 الماضية في قصور حكام السعودية وعمان والبحرين والإمارات، إنه يتوقع إقامة العلاقات الدبلوماسية بين “إسرائيل” ودول خليجية حتى نهاية العام المقبل.
وأوضح: “سنرى قريبًا إقامة العلاقات رسميًا مع البحرين، وستليها شقيقاتها”، مشددًا على أن دول الخليج تتسابق بشأن من سيقيم العلاقات مع تل أبيب أولًا، مشيرًا إلى أن الدول الخليجية تراجعت عن شروطها السابقة بشأن حل القضية الفلسطينية قبل إقامة العلاقات مع تل أبيب، مضيفًا: “تلك الدول تعتبر حاليًّا أن العودة إلى طاولة المفاوضات مع الدولة العبرية تكفي لإقامة علاقات مع إسرائيل“.
وجاء هذا التصريح بالتزامن مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يتوقع “مفاجآت كبيرة” بخصوص العلاقات مع الدول العربية، وذلك بعد زيارته سلطنة عمان أواخر أكتوبر الماضي.
وفي هذا السياق، يؤكد حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، أن الدول العربية بدأت تلعب دورًا “انهزاميًا”، ومساعدًا على بقاء دول الاحتلال على الأرض الفلسطينية ويمدون لها يد العون والمساعدة للبقاء عبر فتح أبواب التطبيع.
وأوضح أن العلاقات العربية الإسرائيلية لم تكن أبدًا تصب في صالح القضية الفلسطينية، بل كانت بابًا دوارًا للقضاء عليها وتصفيتها، وتلك الدول التي يطلق عليها بـ”المعتدلة” باتت شريكًا رئيسيًا وأساسيًا في تقوية الاحتلال وإطالة عمره على الأرض الفلسطينية.
وتابع خريشة حديثه “لا عجب أن نبدأ نسمع بأن نتنياهو يجري اتصالات ولقاءات وزيارات للدول العربية، في الوقت الذي تعاني فيه حكومته من شبح الانهيار والسقوط، وهذا يؤكد أن بعض الأنظمة العربية لا ترغب في سقوطه وتقدم طوق النجاة له ولحكومته المتطرفة“.
ويشير النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، إلى الأنظمة العربية تريد أن تكمل طريقها مع نتنياهو وتصل معه لأماكن لم يصلوها من قبل من خلال أبواب التطبيع السياسي والاقتصادي والعسكري والرياضي والثقافي، ومن مصلحتهم الآن أن يبقى نتنياهو ولا يسقط.
أكدت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، أن دعوة المنامة لـ”إسرائيل” مصدرها السعودية لجس نبض الشارع العربي بشأن التطبيع
كما أكد خضر حبيب القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي، أن الدول العربية همشت القضية الفلسطينية، وباتت تلهث خلف التطبيع، رغم كل الجرائم التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه ومقدساته، موضحًا أن انضمام أي دولة إلى خط التطبيع الذي تقوده الدول العربية الكبرى “خيانة” لدماء وتضحيات الشهداء الفلسطينيين، ويعطي شرعية للاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويوفر غطاءً لجرائمه وتجاوزاته.
وناشد حبيب، الدول العربية والإسلامية دعم القضية وعدم تهميشها، واعتبار “إسرائيل” العدو الأول ولا يمكن أن تكون حليفًا، مؤكدًا أن اللهث خلف التطبيع يضر بفلسطين ويخدم مصالح الاحتلال في التحكم بالمنطقة، ما تحدث به السياسيان “خريشة وحبيب” وافقه المحلل والخبير في الشأن الإسرائيلي محمد مصلح، حين أكد أن “مصالح الدول العربية الآن مع نتنياهو، وسقوطه سيضر بها كثيرًا”، موضحًا أن نتنياهو فتح أبواب العلاقات مع الدول العربية على مصراعيها.
وذكر أن الأيام القادمة ستشهد تطورًا دراماتيكيًا في تاريخ العلاقات بين العواصم العربية وتل أبيب، مشيرًا إلى أن “إسرائيل” تمر بمرحلة ذهبية وهي تستغلها جيدًا للتغول في العمق العربي والإسلامي لما يخدم مصالحها الخطيرة في المنطقة.
تدحرج التطبيع العربي
الأسبوع الماضي، شارك وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا في مؤتمر “Startup Nations Ministerial” الذي عقد في المنامة بناءً على دعوة رسمية، وأكدت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، في ذلك الوقت، أن دعوة المنامة لـ”إسرائيل” مصدرها السعودية لجس نبض الشارع العربي بشأن التطبيع، وسبق أن نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر أمريكية لم تذكر اسمها، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعتزم زيارة دول خليجية أخرى، استكمالًا لزيارته إلى عمان.
وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية في أبو ظبي
ومؤخرًا استقبلت الإمارات وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغيف، في أبو ظبي، وعزف النشيد الرسمي الإسرائيلي، خلال بطولة الجودو الدولية في أبو ظبي، إضافة إلى زيارة وزير الاتصالات أيوب قرا لدبي، كما تعالت أصوات الكتاب السعوديين الذين يدعون إلى إقامة علاقات علنية وتطبيع مع “إسرائيل”، خلال العامين الماضيين.
وكان ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة، التقى مسؤولين إسرائيليين، أبرزهم شمعون بيريز، في منتدى دافوس، وعام 2005 قررت السلطات البحرينية رفع الحظر عن البضائع الإسرائيلية في الأسواق البحرينية، الأمر الذي عارضه مجلس النواب البحريني في نهاية العام نفسه، وفي عام 2006 ألغت المملكة مكتب المقاطعة الإسرائيلية.
وفي عام 2007 اجتمع وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة، مع نظيرته الإسرائيلية تسيبي ليفني، وفي 2009 وصل وفد بحريني إلى “إسرائيل”، بداعي تسلم 5 بحرينيين شاركوا في حملة بحرية لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وفي العام نفسه اقترح ولي عهد المملكة التواصل مع الإسرائيليين ووسائل الإعلام الإسرائيلية.
وعام 2017 أطلق ملك البحرين دعوة، بحسب صحيفة “تايمز” البريطانية، لإنهاء المقاطعة العربية لـ”إسرائيل”، وفي نهاية العام نفسه زار وفد بحريني، يضم 24 شخصًا، من جمعية “هذه هي البحرين” دولة الاحتلال، تنفيذًا لقرار إنهاء المقاطعة، وتزامنت الزيارة مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اعتباره القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى ضوء تلك القراءات والتطورات، يبقى في النهاية السؤال الأكبر، هل وصلت العلاقات العربية- الإسرائيلية لحد الإنقاذ من سقوط حكومة العدو، وما مصير القضية الفلسطينية في ظل تهافت الدول العرب على طالب ود “إسرائيل”, الأيام المقبلة كفيلة لتكشف كل اواقها.