ترجمة وتحرير: نون بوست
قتل الجيش الإسرائيلي اثنين من الصحفيين وأصاب ثلاثة آخرين على الأقل بجروح خطيرة على مدار أربعة أيام من هذا الأسبوع، وتأتي هذه الهجمات كجزء من الخسائر المروعة التي لحقت بالهيئة الصحفية في غزة منذ أن بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه الشامل على القطاع الفلسطيني قبل ما يزيد عن السنة بقليل.
ومع تصعيد إسرائيل هجماتها على شمال قطاع غزة يوم الأربعاء، هاجم الجيش الإسرائيلي مخيم جباليا للاجئين، مما أسفر عن مقتل محمد الطناني، مصور قناة الأقصى، وإصابة زميله تامر لبد، كما أصيب فادي الوحيدي، مصور قناة الجزيرة العربية، بعيار ناري في الرقبة، مما أدى إلى إصابته بشلل دائمًا وفقًا لصحفيين آخرين في غزة.
وجاء الهجوم على جباليا في الوقت الذي فرض فيه الجيش الإسرائيلي حصارًا على قطاع غزة شهد هجمات على المستشفيات والمنازل ومناطق مدنية أخرى، وأعطى الإسرائيليون أوامر إخلاء للمنطقة الشمالية من غزة بأكملها؛ حيث وجه الجيش المدنيين للفرار إلى المناطق المكتظة بالفعل في الجنوب.
كان الصحفيون يغطون الحصار ومحاولات المدنيين اليائسة للفرار عندما تعرضوا للهجوم يوم الأربعاء، وقال شهود عيان إن الصحفيين كانا مستهدفين.
وكغيره من الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلوا وأصيبوا في غزة، كان الوحيدي يرتدي سترة واقية من الرصاص كُتب عليها بوضوح كلمة “PRESS”.
وقال الصحفي حسام شبات، الذي كان مع الوحيدي ومراسلين آخرين في جباليا يوم الأربعاء، لموقع انترسبت: “لم يكن استهدافًا عشوائيًا، بل كان استهدافاً مباشرًا متعمدًا”، وأضاف: “كان فادي يرتدي زيه الصحفي الذي يميزه عن السكان كصحفي”.
لقد كان سقوط هؤلاء الضحايا في صفوف الصحفيين أحدث فصل من فصول الحرب التي كانت تزداد وحشية ومأساوية بالنسبة للفلسطينيين في غزة أسبوعًا بعد أسبوع.
كانت الحصيلة ثقيلة بالنسبة للصحفيين بشكل خاص، فوفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، قُتل 175 صحفيًا منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولا يشمل هذا التعداد الصحفي الطناني، وتقول لجنة حماية الصحفيين، التي أحصت مقتل 126 صحفيًا على يد القوات الإسرائيلية، إن هذا العدد هو أعلى عدد وثقته خلال سنة واحدة منذ أن بدأت اللجنة بتسجيل عمليات القتل في سنة 1992.
وفي أواخر حزيران/يونيو الماضي، أي بعد تسعة أشهر من الحرب، وجد تحليل أجرته مؤسسة “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية” وموقع “إنترسبت” اللذان يتعاونان في إطار مشروع غزة حول تدمير البنية التحتية للصحافة في القطاع، أن صحفيًا واحدًا من بين كل 10 صحفيين في غزة قد قُتل على يد الجيش الإسرائيلي.
تغطية الهجمات على المدنيين
في آخر منشور له على إنستغرام قبل إصابته بطلق ناري في رقبته، صوّر الوحيدي، صحفي الجزيرة العربية، نفسه وهو يغطي إطلاق النار من قبل القوات الإسرائيلية على المدنيين أثناء محاولتهم مغادرة المنطقة امتثالاً لأوامر الجيش؛ حيث يمكن رؤية أشخاص عُزّل يركضون بينما يدوي إطلاق النار في الخلفية.
وقال شبات، وهو صحفي يعمل في قناة الجزيرة مباشر، إن المراسلين الذين تعرضوا لإطلاق النار لم يكونوا بالقرب من الآليات العسكرية.
وفي حديثه على قناة الجزيرة، كرر المراسل أنس الشريف ما قاله شبات، قائلًا إنه بدأ هو والوحيدي والصحفيين الآخرين بالتحرك بعد إطلاق النار.
وقال الشريف: ”فجأة ظهرت طائرة كواد كابتر فوق عربة البث والمكان الذي كنا فيه، وبدأت بإطلاق النار علينا مباشرة. بدأت الطائرة المسيرة بمطاردتنا وطاقم العمل بأكمله، وأطلقت النار علينا مباشرة. وأصابت رصاصة عنق زميلي فادي فأغمي عليه على الفور وسقط على الأرض”.
في اللقطات التي بثتها قناة الجزيرة، يمكن رؤية الوحيدي وقد سقط على وجهه على الرصيف دون حراك، ويمكن سماع زملائه خارج الكاميرا، وهم ينادون اسمه بشكل متكرر.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي في تصريح لموقع “إنترسبت” بعد نشر هذه القصة: “ليس لدى جيش الدفاع الإسرائيلي علم بالحادثة المشار إليها. الجيش الإسرائيلي لم ولن يتعمد أبدًا استهداف الصحفيين”.
وكان الصحفيان محمد الطناني وتامر لبد يغطيان أيضًا الاقتحام الإسرائيلي لجباليا عندما تعرضا للهجوم، وفقًا لإبراهيم الخليلي، مراسل قناة الجزيرة الإنجليزية، وفي لقطات التقطها محمود أبو سلامة، وهو صحفي آخر من قناة الغد، قال مسعفون من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إنهم تعرضوا للهجوم أربع مرات أثناء محاولتهم الوصول إلى الطناني ولبد.
وقال الخليلي لموقع “إنترسبت”: “استلمنا جثمانه – أي جثمان الطناني – في المستشفى الأهلي في شمال غزة، وودعناه الوداع الأخير ثم ذهبنا لدفنه”.
وتُظهر اللقطات التي التقطها الخليلي جثمان الطناني أثناء تجهيزه للدفن وهو لا يزال يرتدي سترته الواقية من الرصاص.
وقال الخليلي مستذكرًا صديقه وزميله إن الطناني كان صحفيًا متفانيًا ودؤوبًا.
وأضاف الخليلي: “لقد عمل منذ اليوم الأول على تغطية الفظائع والقصف والاقتحامات البرية التي كانت تحدث في شمال مدينة غزة. لطالما قدم لي النصائح، نحن نفتقده، نفتقده كثيرًا، نحن مفجوعون”.
وتابع: “نحن كصحفيين نشعر بأننا مستهدفون من قبل الاحتلال في الوقت الذي نقوم فيه فقط بنقل ما يحدث على الأرض وإظهار الحقيقة للعالم”.
“واصل التغطية”
وقع أول هجوم مميت على الصحفيين هذا الأسبوع يوم الأحد عندما قُتل حسن حمد في غارة جوية إسرائيلية على منزله في جباليا، ووفقًا لزملائه، قال حمد أنه تلقى تهديدات تطلب منه التوقف عن التغطية الصحفية في غزة.
ووفقًا لأشرف مشهواري من شركة ميديا تاون للإنتاج، أرسل حمد قبل ساعات فقط من مقتله لقطات جديدة من مكان عمله.
قال مشهواري لموقع “إنترسبت”: “لسوء الحظ، تلقى تهديدات بسبب عمله كصحفي، وكانت إحدى التهديدات رسالة تهدده هو وعائلته إذا استمر في “نشر الأكاذيب ضد إسرائيل”، وفقًا لرسالة واتساب تلقاها على هاتفه.
وكان حمد يبلغ من العمر 19 سنة فقط، لكن مشهواري قال إنه كان سريع التعلم ومتفانيًا في عمله: “لقد فهم مسؤولياته الصحفية بوضوح، ونقل العديد من الأخبار المهمة من شمال قطاع غزة”.
تم تسليم بقايا جثمان حمد إلى أسرته في أكياس بلاستيكية وصندوق صغير.
وفي يوم الإثنين أصيب أيضًا الصحفي على العطار من قناة الجزيرة في هجوم بالقرب من مستشفى الأقصى في دير البلح وسط قطاع غزة، وقد أصيب العطار بشظيتين في رأسه وهو في حالة حرجة.
وقالت قناة الجزيرة ولجنة حماية الصحفيين إنه بحاجة ماسة إلى إجلائه لتلقي العلاج الطبي بسبب الهجمات على مستشفيات غزة التي أدت إلى تدمير نظام الرعاية الصحية، وردد زملاؤه في غزة هذه المناشدة، وأعربوا عن قلقهم من أن الفشل في إجلاء العطار يقضي على أي فرصة لتعافيه.
وتعرض صحفيو شبكة الجزيرة الناطقة باللغة العربية لهجمات متكررة من قبل الجيش الإسرائيلي خلال السنة الماضية، حيث قُتل أربعة منهم. (كنتُ في السابق منتجًا لبرنامج “فولت لاينز”، وهي سلسلة وثائقية على قناة الجزيرة الإنجليزية). وفي أيلول/سبتمبر، داهم الجيش الإسرائيلي مكتب الجزيرة في الضفة الغربية المحتلة وأغلقه.
تذكرنا اللقطات المصورة للوحيدي وهي ملقى على الرصيف فاقدًا للوعي بعد إطلاق النار عليه بشكل مخيف بمقطع الفيديو الذي يوثق جريمة القتل المتعمد لشيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة في الضفة الغربية المحتلة منذ فترة طويلة.
أصيبت أبو عاقلة، وهي أمريكية من أصل فلسطيني، برصاصة في الرأس أطلقها قناص إسرائيلي في أيار/مايو 2022 أثناء تغطيتها لمداهمة عسكرية على مخيم جنين للاجئين وكانت ترتدي سترة صحفية تحمل علامة واضحة، وبعد أيام من نشر لجنة حماية الصحفيين تقريرًا في أيار/مايو 2023 يهاجم الجيش الإسرائيلي لعدم تحمله المسؤولية عن مقتلها، اعتذر الجيش الإسرائيلي عن الحادث، ولكن دون فرض أي عقوبات على جريمة القتل، ولم يتم الانتهاء من التحقيق الأمريكي في إطلاق النار.
ومنذ بدء الحرب في السنة الماضية، منعت إسرائيل الصحفيين الأجانب من دخول غزة باستثناء أولئك الذين يعملون مع الجيش، وزاد ذلك من أهمية عمل الصحفيين الفلسطينيين في توثيق الحرب والخسائر المدمرة التي لحقت بالمدنيين، حتى في الوقت الذي واجه فيه الصحفيون الفلسطينيون العاملون في وسائل الإعلام الغربية هجمات مباشرة.
وقال شبات لموقع “انترسبت” إنه يعتقد أن صحفيي الجزيرة في غزة مستهدفون، بمن فيهم الوحيدي.
وقال شبات: “جيش الاحتلال يستهدف الصحفيين واستهدف فادي لأنه كان ينقل عكس ما يقوله جيش الاحتلال، وهو أن مخيم جباليا فارغ وأنهم يستهدفون المسلحين فقط، فيما أكد فادي أن المستهدفين هم الأطفال”.
وأضاف: “كان فادي صحفيًا كان مبادرًا جدًا ومثابرًا جدًا جدًا جدًا. عندما كان عمال الإغاثة ينتشلون الأشلاء والمصابين، كنت أرى الدموع في عيني فادي لأنه صحفي وإنسان”.
مثل الكثير من الصحفيين في غزة، عانى الوحيدي من نفس الفظائع التي عمل جاهدًا لتوثيقها، ومع إصابته بالشلل وتدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، أصبح مستقبله مجهولًا كصحفي.
وقال شبات: “فقد فادي الكثير من الأصدقاء والأقارب، لكنه استمر في التغطية الصحفية”.
المصدر: إنترسبت